أ. العنود الهلالي
ذكرت في المقالين السابقين أهمية الضوابط التأصيلية في قراءة التاريخ وكتابته التي بينها الدكتور طه الدليمي في كتابه “هكذا نقرأ التاريخ وهكذا نكتبه”
وعند تطبيق هذا الضابط والذي سبقه سنرى كيف أن تاريخ الدولة الأموية قد تعرض لقدر كبير من التشويه، فلم يسلم من خلفائها أحد؛ وإن علا شأنه في ميدان السياسة والعلم. ومن خلفائها العظام الذي نالت روايات الشعوبيين من سيرته، ولم تتورع أقلام كثير من المؤرخين من النيل منه الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، الذي يعد المؤسس الثاني للدولة الأموية والمؤسس الحقيقي للنظام الإداري والسياسي للإدارات الإسلامية في عهد الدولة الاموية. استطاع بمواهبه الفذة وحكمته التي شهد لها الأعداء إعادة توحيد الأمة تحت قيادته بعد أن كانت تواجه مخاطر التفرق والانقسام، فعبد الله بن الزبير يسيطر على الحجاز والعراق وأجزاء من بلاد المشرق، إضافة إلى حركات المعارضة الشيعية وثورات الخوارج ثم هناك الخطر البيزنطي في شمالي بلاد الشام الذي يتربص بدولة الإسلام ويتحيّن الفرصة لاستعادة الأراضي الشامية من أيدي المسلمين، ومع ذلك فقد احتفظ برباطة جأشه وحافظ على صفوف جيشه وقاده في بعض المعارك بنفسه ليدب الحماس في جنوده ويحمي دولته.
أولا: اعتماد الانجازات الاجتماعية، لا السير الشخصية في تقييم عهده
حكم عبد الملك بن مروان قرابة واحد وعشرين عاما حمل على عاتقه
ثانيا: الانحيازية والانتقائية في تطبيق الضوابط العلمية
“إن المنهج الحيادي والشمولي في تطبيق الضوابط العلمية تعتريه معوقات خطيرة، منها: التقديس والتدنيس المسبق، والتجريد المطلق”[1]. وهذان المعوقان ظاهران وبقوة في تناول كثير من المؤرخين لسيرة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان وسيرة عبد الله بن الزبير. فحين نقرأ عن عبد الله بن الزبير نجد – نتيجة للتقديس المسبق – سيلاً من الروايات التي تذكر عباداته وزهده وطول صلاته مما لا تطيقه سوى الملائكة! في حين أن التدنيس المسبق الذي رسخ في الاذهان عن خلفاء بني أمية جعلهم يغضون الطرف عن أن عبد الملك كان فقيها واسع العلم والاطلاع، وأنه نال حظاً طيباً مما لديه من علم على أيدي صحابة رسول الله في حداثته، وعلى يد خيرة التابعين الاجلاء. وكانت شهرته كفقيه كبيرة جدا وكثير من الاعلام وصفوه بالفقيه، وكان أبرز من وصفه بذلك ابن عمر رضي الله عنه، كما وصفه نافع بأنه الأفقة في مدينة رسول الله. وعده أبو الزناد أفقه أربعه في المدينة حيث قال (فقهاء المدينة سعيد بن المسيب، وعبد الملك بن مروان، وعروة بن الزبير، وقبيضة بن ذؤيب) فلا يذكرون عنه إلا مزيجا من الأخبار والروايات المضطربة فهو فقيه عالم لكنه لما بلغه خبر استخلافه والمصحف في حجره ودّع مصحفه وأطبقه قائلاً: هذا آخر عهدي بك! وأنه كان له إقدام على سفك الدماء متأولين بذلك للخارجين على دولة الإسلام المثيرين للفتن؛ وهذا الحكم ليس إلا نتيجة للتجريد المطلق كونهم “ينتزعون الحدث من سياقه وظروفه التي أحاطت به، ويغفلون عن النظر إلى حكم الشرع فيه، والصواب أن لا ينظر إلى الحدث، أي حدث، مجرداً عن ذلك وأشباهه، وإلا وقعنا في أحكام جائرة له أو عليه”.[2]
2022/8/31
_________________________