مقالات

مجزرة الحويجة – الذكرى العاشرة

من غريب ما شهدتُه في هذه الحياة أن الذاكرة الجمعية العربية مثقوبة، سَرعان ما تتسرب منها أحداث جسام بمستوى كارثة عامة جائحة، ليكون النسيان أو الذكرى الباهتة مصيرها. بينما الذاكرة الفارسية وسليلتها الشيعية، مشحوذة للآخر، تركز على الحدث ولو كان بحجم حبة فتنفخ فيه حتى يكون بحجم قبة. بل تختلق حوادث لم تسجلها صحف الملائكة يوماًعلى وجه الأرض. انظروا إلى حادثة (مقتل الحسين) مثلاً وماذا صنعوا بها!

تريدون الحق؟ هذا زمن آخر. نحن جيل جديد، نصنع تاريخنا بأيدينا ونكتبه بأيدينا، ونتولى نشره والتذكير به مهما طال الزمن؛ فلن تمر علينا ثانية ألاعيب الفرس وشيعتهم، بإذن الله.

يوم الحويجة .. يوم آخر

الحويجة قضاء من أقضية محافظة كركوك في شمالي العراق. تقع إلى الجنوب الغربي من المحافظة حوالي (45) كَيلاً باتجاه تكريت. يسكنها قبائل عربية سنية أكبرها قبيلة العُبيد (بضم العين) والجبور والدليم وشمر وغيرهم من قبائل العرب السنة. وفيها نسبة من الإخوة الكرد والتركمان.

وأنا أستذكر يومها أقول: ما كان لطبول الحرب إلا أن تدق؛ ما دامت هناك طائفة تكفيرية إلغائية دموية تحكم السنة! وما دام بيننا من المجوس الذين أُولعوا بإيقاد النار الكثير. وما بقي السنة يروغون عن الحقيقة، ويتوهمون أن عقد المواطنة يؤمن به قلب مخلوق أُشرب عقدة وعقيدة المجوس القائمة على تأليه من يفتي لهم بتكفير المخالف ووجوب سفك دمه واستباحة عرضه وماله. وما زال صدى تلك الطبول يملأ الآذان، وترتج له الآفاق… حتى يأذن الله جل في علاه لإسرافيل أن ينفخ في الصور. وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع يومئذٍ إلا همساً.

لم تترك الحكومة الشيعية المعتصمين يُعَبرون عن مأساتهم بطريقة سلمية منظمة، بل اعتدت عليهم أثناء ذلك العام (2013) مرات، ووصفهم رئيس الحكومة بأنهم (أنصار يزيد)، بينما وصف نفسه وفريقه بـ(أنصار الحسين)، وقال عن حركتهم: إنها “فقاعة نتنة”! وارتكبت في حقهم عدة مجازر منها (مجزرة مسجد سارية) في بعقوبة يوم 17/5/2013 بعد خروج المصلين من صلاة الجمعة، راح ضحيتها قرابة مئة شخص بين قتيل وجريح. وكانت أبرز تلك المجازر التي ارتكبت في حق المعتصمين مجزرة (الحويجة) في كركوك.

يوم الملحمة الأسطورية

شهدت صبيحة هذا اليوم (23 نيسان) من عام 2013/1434 مجزرة مروعة ارتكبها الجيش الشيعي ومليشياته الحاقدة، ومعهم جنود يرطنون بلهجة فارسية، بحق أهل (الحويجة) من السنة العرب. ذلك العام الذي انتفضت في المدن السنية ضد الطغيان الشيعي، وكان لكل مدينة ساحتها التي تعتصم فيها وتعبر عن حقوقها بصورة سلمية.

وما حصل في فجر ذلك اليوم أمر فظيع.. فظيع بصورة استثنائية!

لم تكن  (مجزرة الحويجة) مجزرة عادية بل ملحمة من ملاحم التاريخ بحق! لو حصل مثلها للشيعة لنصبوا لها التماثيل في كل ميدان، وظلوا ينوحون عندها ألف عام. وما تركوا رمزاً من رموز (أنصار يزيد) إلا ونبشوه ولعنوه. تم التحضير للمجزرة مسبقاً، وحشدت الحكومة عساكرها قبل يوم، ثم رفضت كل الوساطات التي حاول أصحابها تفادي الكارثة، وأبت إلا فض الاعتصام واستسلام المعتصمين أو إبادتهم. وبات المعتصمون ليلتهم في الساحة ليس لديهم من سلاح سوى أغصان الشجر وصدورهم العارية، والأغطية التي احتموا بها من برد تلك الليلة الرعيبة. وبالقرب منهم جيش مدجج بأنواع الأسلحة الثقيلة منها والخفيفة، وأنواع الحقد أيضاً. (انظروا إلى الصورة (1) التي تمثل مشهد ما قبل الهجوم).

ولو رأيتهم كيف استقبلوا الموت بصدورهم وواجهوا العدو بالعصي وأسياخ الحديد وهم يحوقلون ويكبرون! ولو رأيت نساءهم على مرمى نصف كيل يرقبن المشهد الخالع للقلوب وهن يزغردن لقلت: والله لقد نزلت ملائكة السماء، وقلت: لقد اجتمعت في الميدان كل أرواح الشجعان في التاريخ الذين قضوا نحبهم يختالون كأنهم في حفل زفاف إلى عرائسهم من الحور العين!

يا لله!

ما أجل المشهد!

ويا لله!

ما أروعه!

ويا لله كم شدني وأذهلني منظر أولئك الأبطال الذين يتبخترون بين الصفين وليس في أيديهم غير أسياخ الحديد يتحدَّون بها تلك القوى الجبانة المدججة بالأسلحة الثقيلة. يا ويح أمهات أنجبتهم! ويا لَروعة أرض أقلتهم، وسماء أظلتهم، وعِظَمَ ملئكة شهدتهم وصورت مشهدهم وسجلت مأثرتهم! ويا لهناءتهم وفوزهم وفخرهم يوم تعرض تلك الصورة الرائعة أمام الخلائق في ساحة العرض الأكبر!!!

يا لله!

هذا والله الذي يسمونه (قتال الصحابة)!

نعم لم أرَ بعيني صحابة رسول الله. ولكني رأيتهم في هؤلاء. ما يفعل الرجل ليتسنم قمة الشجاعة، ويلبس تاج البطولة، ويطاول بهامته جبال المجد  أكثر من هذا؟! كان ضرار بن الأزور يقاتل عاري الصدر. فمن أكثر عُرياً من يتلقى القذائف والرصاص وليس عليه سوى ثوبه ولفة يشماغه، أم ذلك الذي يواجه السيف والرمح بصدره!

ختام الملحمة

أصيب في المعركة ثلاثة أضعاف من أصيب مع الحسين. قضى البعض نحبهم قتلى أثناء موجة الهجوم  الأول. ومن تبقى سقطوا جرحى في ميدان الاعتصام ليلاقوا الموت رمياً بالرصاص، أ وطعناً بالحراب. وبعضهم – تخيلوا! – دهسته المجنزرات والعربات العسكرية. وقليل منهم من نجا.

كانت تلك الشراذم المعتدية – وفيهم جنود يرطنون باللهجة الفارسية – تشتم أبا بكر وعمر وعائشة قبل أن تبدأ هجومها، وبعد أن قضي الأمر قامت المليشيات بإحراق الخيام. ليعيدوا بهذا المشهد الوحشي إلى الأذهان الأسطورة الشيعية عن مقتل الحسين t، والتي يمثلها الشيعة كل عاشوراء، وتنتهي بإحراق الخيام!

دلالة الحدث أهم من الحدث

هكذا انتهت أحداث ساحة اعتصام (الحويجة) ذلك اليوم البئيس! يوم 23/4/2013. لكنها لم ولن تنتهي من ذاكرة كل سني غيور قبل أن يعي درسها العميق، وينتزع حقه من مرتكبيها ومن كان وراءهم. لقد ذهب ذلك الزمان الذي كانت دية السني فيه حفنة كلمات وطنية مع تمسيد لحية غبية!

وإذا كان فهم الحدث أهم من الحدث.. واستثماره هو القيمة الأعلى في المعادلة، فأود من بين دخان المعركة وغبارها أن أنثر بين أيديكم الكلمات التالية عن الهوية الحقيقية للمنازلة، التي أضاعها الوطنيون فأضاعوا علينا كل شيء. فالهوية هي المعلم الأول من معالم التعامل الصائب مع العدو الحقيقي.

  1. المنازلة (سنية – شيعية).. (إسلامية – مجوسية).. (عربية – فارسية). هذه هي عناوينها الصحيحة، وستفرض نفسها عاجلاً أم آجلاً مهما راوغ المراوغون وأنكر المنكرون.
  2. وهي منازلة تاريخية تمثل صراعاً حضارياً أبدياً مع الفرس حتى يحكم الله بيننا وبينهم. بدأت عجلته بالدوران منذ أن دمر الفرس سنة (2322) ق.م، أي قبل (4341) سنة عاصمة الأكديين في اليوسفية الحالية (20 كم إلى الجنوب من بغداد)، واستولوا عليها وخربوها وأحرقوها. وهكذا حتى دمروا آخر دولة لبلاد ما بين النهرين سنة 539 ق.م على يد كورش الإخميني. ثم جاء القائد العظيم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عام 636 ب.م ليطرد غربان الخراب من بلادنا بعد (1180) سنة مرت على الاحتلال البغيض. واستمرت الحرب بيننا وبينهم سجالاً حتى حلت بنا سنة (2003).
  3. إن الدارس بعمق للشخصية الشيعية يجدها شخصية غير متماسكة نفسياً، تنهار عند أول ضربة، مهزومة من الداخل، غادرة خسيسة. وإن من أسباب بدئها بساحة اعتصام الحويجة أنها الساحة الأضعف من بين ساحات الاعتصام، ويعلمون جيداً أن المعتصمين عُزّل من السلاح، ولو كان في أيديهم بضع بنادق، ولو أطلقت رشقة رصاصات لما اجترأت تلك القوات المتدرعة بأنواع الأسلحة عليهم. ولقد أثبتت معركة (الحويجة) ضعف الجانب الشيعي وانهيار معنوياته رغم امتلاكه لكل عناصر القوة المادية، وقوة الجانب السني على قلة ما لديه من سلاح وذخيرة. ولم تكن (الحويجة) آخر المنازلات ذات الدلالات. ولن تكون.

فلم مجزرة الحويجة من لحظة وصول القوات الى مابعد الاقتحام ويظهر جنود وهم يعدمون المواطنين

اظهر المزيد

‫10 تعليقات

  1. لا حول ولا قوة الا بالله.. شيء يدمي القلب والله ????????
    كلما اتذكر هذه المناظر واسمع اصوات التكبيرات والحولقة من المكبرات التي خرجت من هذه التظاهرات يقشعر بدني..
    ما هذه الاقصائية والقمعية والعدوانية التي يحملها هذا الجيش الشيعي الفارسي الذي يدعي انه جيش عراقي!!!
    والله لن ينسوا السنة هذا اليوم أبداً وسنبقى نستذكره ونؤرخ له، ليبقى وصمة عار في تاريخ الشيعة وليبقى شاهد على جرائمهم ونأخذ حقنا من المتسبب بهذا الظلم ان شاء الله او يقضي الله امراً كان مفعولاً.

  2. السلام عليكم ورحمه الله وبركاته. دكتور طه وقفت عندي حديث في صحيح البخاري في باب فضائل علي بن ابي طالب قال البخاري حدثنا علي بن الجعد قال ابن ابن ابن حجر رمي بالتشيع .وقال أبو داود: عمرو بن مرزوق أعلى عندي من علي بن الجعد، علي وسم بميسم سوء، قال: ما يسوؤني أن يعذب معاوية قال هارون بن سفيان المستملى : كنت عند على بن الجعد ، فذكر عثمان بن عفان ، فقال : أخذ من بيت المال مئة ألف درهم بغير حق . فقلت : لا والله ما أخذها ،و قال أبو جعفر العقيلى : قلت لعبد الله بن أحمد بن حنبل : لم لم تكتب عن على ابن الجعد ؟ فقال : نهانى أبى أن أذهب إليه ، و كان يبلغه عنه أنه يتناول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال غسان الدوري كان علي بن الجعد يبغض ابابكر وعمر حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ عَبِيدَةَ ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ ؛ فَإِنِّي أَكْرَهُ الِاخْتِلَافَ حَتَّى يَكُونَ لِلنَّاسِ جَمَاعَةٌ، أَوْ أَمُوتَ كَمَا مَاتَ أَصْحَابِي. فَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَرَى أَنَّ عَامَّةَ مَا يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ الْكَذِبُ. . هل فالحديث ذم لابكر وعمر

    1. كيف البخاري يروي عن علي بن الجعد الذي يبغض أبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية رضي الله عنهم والمشكلة جعلوه في فضائل علي بن ابي طالب . هكذا تغلغلت إلينا الشيعية وأصبحت ثقافتنا شيعية. وعندما تنقد البخاري تصبح تهاجم العلماء. وكذلك وحتى هذه الراوي يستبدلون به الشيعية في مواقعهم يقولون إن شيخ البخاري يسبب معاوية. ولا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم

  3. ما تقدم التشيع إلا بسبب الافكار السائدة الترضوية والمتخشبةالجامدة،؟!
    أمة فتحت العالم يترجم تاريخها أبو مخنف لوط أبن يحيى راوي قصة الحسين بالمقلوب ولصالح الفرس…. لا لا لا حادثة الحويجة حادثتنا نرويها بأبصارنا و أقلامنا وأفكرنا،
    بل وأصبحت لحوادثنا قواعد نجدد فيها مواقف أمجادنا ونصحح تاريخنا،
    تقول نحنو نصنع التاريخ نحنو نكتبه،
    مقال يشحذ الهمم ويثير العقول ويصحح المسار،
    تسلم شيخنا على هذا المقال ????????????

  4. يالثارات الحويجة هذا الحدث العظيم الذي ذهب ضحيته رجال اطهار وقفوا بصدق أمام طخمة كافرة ،سجل فيه أهل السنة ملحمة فريدة لايمكن أن تمحى من سجل التاريخ ،لكن ثقوب الذاكرة كبيرة ،انظر للشنيعة كيف بنوا عقيدتهم على حدث وهمي ولشخص وهمي وخدعوا ملايين العقول ،اما أن لنا أن نسخر الأحداث الحقيقية التي وقعت لنا لخدمة قضيتنا ،ونحن أهل الحق ،عناوين الأحداث إن لم تقرأ على الواقع سوف تزول من الذاكرة.

  5. بسم الله الرحمن الرحيم
    جزى الله الدكتور الدليمي خير الجزاء
    اقتطف من المقالة: (المنازلة (سنية – شيعية).. (إسلامية – مجوسية).. (عربية – فارسية). هذه هي عناوينها لصحيحة)
    كلمات تحتل أهمية كبرى بين سطور المقالة المهمة، لابد من ان نعي هذه العناوين بدلا من عناوين خادعة نتيجتها ضياعنا ومستقبلنا وديننا، وتلك العناوين بدأت تتكشف ولكن الوعي بها بطيء والصدع بها محدود

  6. الشيعة يستغلون الحدث بالطريقه الصحيحة وما حادثة سبايكر الا دليل اخر على ذلك. نجدهم حملوا اهل السنة كامل المسؤليه على الرغم من وضوح برائة السنه منها.
    الا انهم استغلوا الحدث وجعلوا منه قضية ونصبوا له نصب تذكارية لتبقى هذه الذكرى.
    عكس اهل السنة الي كل مصيبه من مصايبهم هي تاريخ هي كتاب بحاله
    لكن أين استغلال الحدث
    أين دماء الشهداء!
    مع الألم الذي نشعر به في مثل هذا الذكريات وهذه المقالات
    الا انها مهمة جدا لكي لاينسى اهل السنة جرائم الشيعة بهم.

  7. نحن أهل السنة معركتنا الحقيقية مع هؤلاء موالي الفرس الشيعة وحدة وجود وليس معركة حدود كانت المعركة سياسية أو اجتماعية أوثقافية أو عقائدية أو جغرافية المواجه واحده معهم فعلينا أن نذكر ونعلم وندعو المجتمع السني والاجيال القادمة إن عدونا الأول والأخير هو
    الشيعة والتشيع الفارسي

  8. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    عوده مينونه الحمدالله الذي بحمده تتم الصالحات

  9. مجزرة الحويجة وماساة أهل السُنة على يد الشيعة واجرامهم تتكلم عن حاضرنا ومستقبلنا فيها عبر ومواعض لن تنسى بعد اليوم لأنها كتبت بقلم سُني حر وفكر رباني المنهجية يحمل هوية سُنية وقضية سُنية..وفق الله جهودك شيخنا المجدد طه الدليمي

اترك رداً على تصحيح المسار إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى