الرد على الدكتور صهيب السقار في صوم عاشوراء
أ.صالح السهيل

وقع الدكتور الفاضل في المصيدة التي وقع فيها غيره من التراثيين وهم يردون على الحداثيين، وهي مقارظة التدنيس للتراث بالتقديس المبالغ فيه.
وهذه المصيدة هي التي يفرح بها الحداثيون، ويجهدون لاستدراج التراثيين اليها، لأنها أشد الخطط تأثيراً في تحقيق اهدافهم.
ومن هذه الجهة كان التراثيون الذين هم على بابة الدكتور وعبد الله رشدي وغيرهما أقرب لمقاصد الإلحاد، وادخال الشك في عقول المسلمين.
والأصل في مثل هذه المطالب التفريق بين القطعيات والظنيات، وعدم مقاربة المسائل بدوغمائية زائدة، وانزال كل مسألة وزنها الحقيقي في مراتب الثبوت، وإفساح المجال للآراء الأخرى.
ومسألة صيام عاشوراء من هذا الباب، ومع ذلك شرع الدكتور في تناولها بلهجة وثوقية قاطعة، مستبعداً على القدماء الوهم في هذا الصدد، وساخراً من المنكرين المعاصرين، وكأنه لا يعلم أن فيها اختلافاً قديماً بين العلماء، فقد استقر اكثرهم على الاستحباب، لكن الذي كان عليه عائشة وعبد الله بن مسعود وابن عمر عدم استحباب صيامه، وان الاستحباب منسوخ.
روى الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها انَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ،
فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كَانَ رَمَضَانُ الْفَرِيضَةَ، وَتُرِكَ عَاشُورَاءُ، فَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْهُ
وروى الشيخان عن علقمة قال: دَخَلَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ. وَهُوَ يَأْكُلُ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! إِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ: قَدْ كَانَ يُصَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ. فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ، تُرِكَ. فإن كنت مفطرا فاطعم.
وروى مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ “إِنَّ هذا يوم كان يصومه أهل الجاهلية. فن أحب أن يصوه فَلْيَصُمْهُ. وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ”. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَصُومُهُ، إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ صِيَامَهُ.
والغريب ان الدكتور في غمرة حماسه في الدفاع عن رأي الجمهور، تنكب عن كل هذه الأحاديث، وذهب الى تثبيت حديث ابن عباس ان رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ. فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا، يَوْمَ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
“مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟ ” فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ. أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ. وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ. فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا. فَنَحْنُ نَصُومُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ” فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّرَ بصيامه!
لكن الدكتور سرعان ما نقض غزله من بعد قوة انكاثا، وخالف هذا الحديث الذي ينص على ان النبي صلى الله عليه وسلم (صام) يوم عاشوراء، وجاء بما لا أعلم من قال به قبله، فقد زعم الدكتور ان النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون كذلك (لم يصوموا) يوم عاشوراء ولا مرة واحدة، لأنه في السنة الثانية فرض صوم رمضان، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بعد فرضه يأمر بصيام غيره!
والدليل الذي استدل به الدكتور على مدعاه هو ما رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة كان رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ. وَيَحُثُّنَا عَلَيْهِ. وَيَتَعَاهَدُنَا عِنْدَهُ. فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ، لَمْ يَأْمُرْنَا، وَلَمْ يَنْهَنَا، وَلَمْ يَتَعَاهَدْنَا عِنْدَهُ.
وكما ترى، ليس في الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم عاشوراء، فضلاً عن ان المسلمين لم يصوموه، ولكنه نفي الامر والتعاهد، وكان بإمكانه الاستدلال بأحاديث عائشة وابن مسعود وابن عمر السابقة، لولا انها تناقض ما انتهض الدكتور لتقريره اصلا!
والذي أوقع الدكتور في هذه المناقضة دفعه التناقض عن حديث ابن عباس عَنْهُمَا الآخر الذي يَقُولُ:
حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فإذا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ. قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فهو لا يرى ان هذا الحديث يناقض حديث الامر بصوم عاشوراء اول الهجرة، مع ان هذا الحديث يذكر ان النبي قال ذلك في اواخر العهد المدني!
وقد كان الاوفق للدكتور الالتفات الى ان هذا الحديث في اسناده يحيى بن ايوب، وهو ليس في الدرجة العليا من الوثاقة، فيرد ما يستنكر منه.
ثم الم يتفكر الدكتور كيف لا يروي موضوع موافقة اليهود الا صحابة لم يدركوا تلك المرحلة المبكرة بعد الهجرة، فروايتهم مرسلة، مثل ابن عباس الذي كان بمكة صغيراً اذ ذاك، وابي موسى الاشعري الذي كان في الحبشة او عند قومه؟ اما الذين أدركوا تلك المرحلة مثل ابن مسعود وابن عمر فلم يرووا من ذلك حرفا!
اليست هذه قرينة تشفع لعدم الاخذ برواية ابن عباس وأبي موسى في حالة هذا الاختلاف والتناقض والتشاكس؟ هذا إذا كان يرى قول الباقلاني والإسفرايني بعدم الاخذ بمرسل الصحابي شنيعاً لا يمكن الأخذ به!
ثم لا يخلو: اما ان اليهود اعتدّوا بالأشهر القمرية في احتساب يوم عاشوراء، وهذا بعيد، واما انه صادف في ذلك اليوم العاشر من محرم اليوم الذي يحتفلون به حسب تقويمهم، وعليه فيكون يوم عاشوراء تلك السنة مجرد موافقة لا علاقة لها بالحادثة.
ونحن ننزه النبي صلى الله عليه وسلم عن موافقة اليهود او اخذ دينه منهم.
والخلاصة ان الذي أرجحه ان صوم عاشوراء كان تدريباً اراد النبي صلى الله عليه وسلم ان يدرب به الصحابة على الصيام كي يمرنوا على الصيام بعد ذلك، ثم نسخ بعد فرض الصيام في رمضان، فلم يعد النبي صلى الله عليه وسلم يأمر به ولا يذكره.
بارك الله بجهودك أستاذ صالح السهيل
السلام للجميع ورحمة الله .. وبعد .
في الخلاصة الذي اشار اليه هو نفس ما ذهب اليه د. طه الدليمي بل هو أكد ذلك من خلال الشرح السابق ، وخلص الى ان ما قاله الشيخ طه هو الحق وهو ليس صيام ١٠ محرم لا بواجب ولا مستحب .. بل هو لا يوافق احاديث صيامه ليوم نجاة موسى وقومه .. وشكرا للاستاذ .
شيء يشعر الإحباط بتعارض الأحاديث وارتباكها بسبب كثرة المرويات بهذا الباب! هذا يدخل تحت قاعدة- ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. لماذا لايوجد اختلاف في شهر رمضان الآيات القرآنية من دون الأحاديث صريحة بصيامه واضحة وضوح الشمس. شكرا استاذ صالح السهيل
تحليلات واضحة وأدله دامغة عن أشكاليات صوم عاشوراء والتقويم اليهودي الذي يختلف عن العربي خير دليل على إبطال حديث صيام عاشوراء ذكرها الدكتور طه الدليمي حفظه الله في الحلقة الماضية وهذه ضربة قاضية لحديث صيام عاشوراء
حي الله جهود أستاذ صالح اسهيل
جزاكم الله خيرا استاذنا
بوركت جهودك استاذ صالح ????
بارك الله فيك وفي جهودك فقد جعلتنا نعرف أن الموضوع يدور بين الظن واليقين ليس إلا.
الله يفتح عليك على هذا البحث وتدقيق في هذه المسألة،
لماذا هذه الروايات وتضخيم حتى يبقى شيعون الفارسي وراء الكواليس