منقبة ثابتة كالشمس لمعاوية رضي الله عنه وجهاده في سبيل الله: (جهاد معاوية دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم)

أ. صالح السهيل

روى البخاري ومسلم من طرق عن أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري قال: سمعت أنسا رضي الله عنه يقول:

دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنة ملحان فاتكأ عندها، ثم ضحك، فقالت: لم تضحك يا رسول الله، فقال: (أناس من أمتي يركبون البحر الأخضر في سبيل الله، مثلهم مثل الملوك على الأسرة). فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم. قال: (اللهم اجعلها منهم). ثم عاد فضحك، فقالت له مثل، أو مم ذلك؟ فقال لها مثل ذلك، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم. قال: (أنت من الأولين، ولست من الآخرين). قال: قال أنس: فتزوجت عبادة بن الصامت، فركبت البحر مع بنت قرظة، فلما قفلت، ركبت دابتها، فوقصت بها، فسقطت عنها فماتت.

قلت: هذا إسناد كالشمس، أبو طوالة في الدرجة العليا من الوثاقة، وثقه أحمد وابن معين وابن سعد والترمذي والنسائي، ولم يطعن فيه احد.

والحديث فيه منقبة ظاهرة لمعاوية رضي الله عنه، كما قال ابن عبد البر والمهلب وأقره ابن حجر، بل بيان لجهاده بنفسه في سبيل الله، واستبشار النبي صلى الله عليه وسلم به، وتحقيقه ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في منامه، ورؤيا الأنبياء حق، فإن بنت قرظة هي فاختة، زوج معاوية رضي الله عنه، وكونها مع أم حرام يدل على أن زوجها معاوية رضي الله عنه راكب معهم البحر مجاهداً في سبيل الله تعالى، لأنه كان من عادتهم اخذ زوجاتهم معهم في الغزو.

وقد بينت رواية أخرى أن المقصود بالغزو هنا غزو جزيرة قبرس، كما كانت تكتب، وأن ذلك كان في زمن معاوية رضي الله عنه، أي إمارته على الشام في خلافة عثمان رضي الله عنه.

ورواه مالك في الموطأ وعنه البخاري ومسلم من طريق أخرى عن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة: أنه سمع أنس بن مالك يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان، وكانت تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها يوما فأطعمته، وجعلت تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: (ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر، ملوكا على الأسرة، أو: مثل الملوك على الأسرة). شك إسحق، قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وضع رأسه ثم استيقظ وهو يضحك، فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: (ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله). كما قال في الأولى، قالت: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، قال: (أنت من الأولين). فركبت البحر في زمان معاوية بن أبي سفيان، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت.

ورواه البخاري ومسلم من طريق ثالثة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: حدثتني أم حرام:

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما في بيتها، فاستيقظ وهو يضحك، قالت: يا رسول الله ما يضحكك، قال: (عجبت من قوم من أمتي يركبون البحر كالملوك على الأسرة). فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: (أنت معهم). ثم نام فاستيقظ وهو يضحك، فقال مثل ذلك مرتين أو ثلاثا، قلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فيقول: (أنت من الأولين). فتزوج بها عبادة بن الصامت، فخرج بها إلى الغزو، فلما رجعت قربت دابة لتركبها، فوقعت فاندقت عنقها.

 وإنما قدمت الرواية الأولى لكونها ناصة على جهاد معاوية بنفسه، لا مجرد أمره بالجهاد رضي الله عنه.

وقد غنم المسلمون غنائم كثيرة من غزوة قبرس.

روى أحمد بإسناد صحيح  أن فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه كان يقول: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، فجهد بالظهر جهدا شديدا، فشكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما بظهرهم من الجهد، فتحين بهم مضيقا فسار النبي صلى الله عليه وسلم فيه، فقال: ” مروا بسم الله ” فمر الناس عليه بظهرهم، فجعل ينفخ بظهرهم: ” اللهم احمل عليها في سبيلك، إنك تحمل على القوي والضعيف، وعلى الرطب واليابس، في البر والبحر ” قال: فما بلغنا المدينة حتى جعلت تنازعنا أزمتها قال فضالة: ” هذه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم على القوي والضعيف، فما بال الرطب واليابس؟ فلما قدمنا الشام غزونا غزوة قبرس في البحر، فلما رأيت السفن في البحر وما يدخل فيها، عرفت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم.

ومنه يتبين أن قول العلماء، ومنهم ابن حجر، أنه لم يصح شيء في فضل معاوية، إنما قصدوا به التنصيص على اسم معاوية، أما ما جاء بالعموم أو التضمن كهذا الحديث، فلا خلاف في كونه من أصح الصحيح في مناقب معاوية رضي الله عنه.

واني اتساءل: ما الاولى بالقبول: هذا الحديث الذي هو كالشمس، أم أحاديث (اذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه)! وغيره من الأحاديث الساقطة المكذوبة التي رواها أهل الاهواء والكذب والدجل ولا يمكن ان يقبلها عاقل؟