مقالاتمقالات أخرى

هل صح أن فاطمة رضي الله عنها سيدة نساء المؤمنين؟

أ. صالح السهيل

روى البخاري ومسلم من حديث ‌فراس، عن ‌عامر، عن ‌مسروق حدثتني ‌عائشة أم المؤمنين قالت: «إنا كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده جميعا لم تغادر منا واحدة، فأقبلت فاطمة عليها السلام تمشي، لا والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها رحب قال: مرحبا بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم سارها فبكت بكاء شديدا، فلما رأى حزنها سارها الثانية، إذا هي تضحك، فقلت لها أنا من بين نسائه: خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسر من بيننا ثم أنت تبكين، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها عما سارك، قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره، فلما توفي قلت لها: عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما أخبرتني، قالت: أما الآن فنعم، فأخبرتني قالت: أما حين سارني في الأمر الأول فإنه أخبرني: أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة وإنه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقي الله واصبري، فإني نعم السلف أنا لك. قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارني الثانية قال: يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة.»

قلت: هذا الحديث بهذا السياق فرد غريب مطلق، مداره على فراس هذا، وهو ابن يحيى الهمداني المكتب، وثقه جمع، لكن أنكر عليه يحيى القطان حديث الاستبراء، وقال عثمان بن أبي شيبة: صدوق، قيل له: ثبت؟ قال: لا، وقال يعقوب بن سفيان: في حديثه لين، وقال ابن حجر: صدوق ربما وهم.

فمثل هذا يقبل حديثه إذا لم يخالف فيه، وقد خولف، وكما خطّأه العلماء في حديث الاستبراء فقد أخطأ هنا.

والغريب أنني بحثت عن حديث الاستبراء هذا فلم أجده! حتى في كتاب (مسانيد فراس المكتب) الذي خصصه أبو نعيم لأحاديث فراس! فيبدو أنه لشناعته لم يروه المحدثون في كتبهم.

والدليل على أن فراساً أخطأ هنا رواية من هم أوثق من فراس بمراحل الحديث نفسه بلفظ آخر مختلف لا علاقة له بالتفضيل.

فروى مسلم وأحمد وابن حبان من طرق عن عروة بن الزبير حدث أن عائشة حدثته؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا فاطمة ابنته فسارها. فبكت. ثم سارها فضحكت. فقالت عائشة: فقلت لفاطمة: ما هذا الذي سارك به رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكيت، ثم سارك فضحكت؟ قالت: سارني فأخبرني بموته، فبكيت. ثم سارني فأخبرني أني أول من يتبعه من أهله، فضحكت.

فهذه الرواية كالشمس، وهي تبين ان بشارة النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة كانت كونها أول أهله لحاقاً به، لا كونها سيدة نساء المؤمنين، فحق هذه الرواية على قواعد علوم الحديث أن تقدم على رواية فراس.

كيف وقد خالفت رواية فراس القرآن، الذي فضل مريم على نساء العالمين؟ فقال تعالى (يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين)؟ وفضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم على سائر نساء الأمة: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن)؟

أما ما رواه أحمد في فضائل الصحابة من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، إلا ما كان من مريم بنت عمران»، فإسناده ضعيف، فيه زياد بن أبي زياد وهو ضعيف.

ثم ما الذي يجعل فاطمة رضي الله عنها مفضلة على شقيقاتها: زينب ورقية وأم كلثوم؟  ألأنهن تزوجن من غير هاشمي؟ فكيف وقد روى البزار من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (خير بناتي زينب)؟ وصححه ابن حجر، وفيه يحيى بن ايوب الغافقي، وهو مختلف فيه، ولا يقل حالاً عن حال فراس بن يحيى، وليس في حديثه نكارة التفضيل على نساء الأمة او نساء المؤمنين.

وفي هذا المبحث فائدة زائدة، وهو بطلان موضوع عرضات القرآن من جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم كل سنة، والاختلاف المزعوم في آيات القرآن كل عرضة، وان الذي استقر عليه القرآن هو العرضة الأخيرة!

اظهر المزيد

‫14 تعليقات

  1. رضي الله عن فاطمه وعن نساء المؤمنين أجمع وأرضاهم
    بورڪت استاذ صالح لهذا التوضيح ، مقاله جميله جداً

  2. لايمكن للحديث ان ينسخ او يدلل على امر لم يرد في القران الكريم ؛ او يرد الامر في القران وياتي الحديث يتمم وكان القران عجز عن اتمامه
    والله سبحان وتعالى يقول (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍۢ يُؤْمِنُونَ)
    بارك الله فيك يا استاذ صالح السهيل

  3. الموالي عبثوا جيدا بدواوين الحديث وعاثوا في وجدان الأمة بهذه الاحاديث التي تعارض منطق الدين والعقل ..
    ثم كيف تكون فاطمة سيدة أمها “خديجة”
    بارك الله فيكم استاذ صالح .. طرح موفق

  4. أحسن الله إليك استاذ السهيل .. فهذا النقد العلمي الذي تقدمه لنا في مقالاتك يوضح لنا حقيقة هذه الروايات العبثية التي ملئت عقول الناس بثقافة شيعية

  5. بوركت استاذ صالح السهيل لهذه البحوث العلمية التي
    تكشف لنا هذه الاحاديث التي تقدس فاطمة زوجة علي
    ليس لأنها ابنة النبي والدليل تقديسها عن باقي أخواتها
    وكأنهم يضعون السم في العسل دون أدرك علماء وجمهور
    اهل السُنة خطورة هذا الآمر وما تنجلي عليه من افكار
    كلما تسقط قدسية هذه الاحاديث الموضوعة في كتبنا
    تحرر أهل السُنة من الأقفال الفارسية ومن هيمنة الفرس داخل بلادنا السُنية العربية

  6. مثل هذه الاحاديث وغيرها، النص غالباً هو من يدلل على ضعفه ناهيك ان فتشنا في السند، بارك الله بجودكم وزادكم من فضله.

  7. بارك الله جهودكم..
    هذه الأحاديث الملغومة بنفس الموالي الفارسية والتي تفوح حقدا وحقنا لتحويل المسار الديني والمعرفي لرفع بيت علي والحط من بيت النبي .
    واضح أنها من شعارات شيعية إيران حين يذكر عائشة بالرضى وفاطمة عليها السلام..
    فهذا باطل وإن رواه البخاري وغيره أو روي عنهم.
    لمخالفته القرآن وموافقته للفكر المنحرف الإيراني.

  8. بحث موفق وتخريج دقيق،
    ورد شافي في مفهوم تشريف وتقديم ازواج النبي ومريم على نساء العالمي وهذا بالأدلة القطعية،
    وان حديث فاطمه سيدة نساء المؤمنين ليس له دليل….

  9. عقده التقديس المشخصنه لدى بعض الأفراد تُغيب عندهم مسأله التدسيس بقول أو بتاريخ وحتى في الاحاديث
    فليس كل ماهو منقول مضمون ومؤكد ..
    بوركت استاذ صالح التفاته مهمه

  10. احسنت القول والمقال استاذ حسنين،
    أهل السنة لم ولن يستوعبوا الدرس مالم تصحح لديهم المفاهيم؟

  11. الاسباب التي جعلت التركيز على الروايات والأحاديث دون القرآن الكريم هو عصمة الكتب بمقولة أن كل مافي صحيح مسلم والبخاري هوصحيح هذه قدسية الكتب أصبحت ثقافة ظاهرة عند أهل السنة حتى تجاوزت شرع الله وتقدمة على القرآن الكريم بأمور عدة مهمة جداً ومنها تقديم فاطمية رضي الله عنها على سيدات نساء العالمين التي لم يشير القرآن اليها بل ذكر الله عز وجل وزوجات النبي أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ومريم عليها السلام سيدات نساء العالمين .
    قال سبحانه (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا )
    (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا )

  12. وحديث الاسْتبراء هوَ ما أخرجه عبْد الرزاق في ” المصنف ” (٧/ ٢٢٦ رقم: ١٢٨٩٧) ومن طريقه: الطبراني في ” الكبير ” (٩/ ٣٩٣ رقم: ٩٦٧٧): عن الثوري، عن فِراس، عن الشعبي، عن علقمة، عن ابن مسعود، قال: ” تسْتبرأ الأمة بحيْضةٍ “.
    كتاب تحرير علوم الحديث
    [عبد الله الجديع]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى