صناعة الإحباط .. وميلاد الجيل المنتحر
د. طه حامد الدليمي
الفرق بين النصر والغَلَب
الأمل إيمان وطاقة ونشاط، والقنوط كفر وحسرة وقعود. وللإسلام منهجه في غرس الأمل وجني ثماره الطيبة، وللثقافة السائدة منهجها في غرس اليأس وحصاد أشواكه المرة.
إن كنت تقصد النصر فللنصر شرطان في الإسلام:
1. الثبات على الحق.
2. والصبر عليه مهما كانت النهايات.
وقد جاء التعبير عن ذلك بصيغ متعددة.. منها:
– (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر:1-3).
– (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ) (الأنعام:57).
هذا هو النصر. أما الغلَب أو التغلب على العدو فشيء آخر. المؤمن منتصر دائماً وأبداً، حتى وإن هُزم أمام العدو في ميدان المعركة أو في ميادين الحياة الأُخرى، ما دام مقيماً في ذاته على الحق. أما الغلبة فليست فعلاً فردياً قط، إنما فعل جمعي نسقي، لن تتحقق نتيجته ما لم يقم بها المجموع مؤدياً كلٌّ فرد من أفراده ما عليه من مهمة ضمن حركة جماعية منسقة منتجة. فإذا تخلى المجموع عن أداء هذا الفعل، فعلى الفرد أن يقوم بما عليه بمفرده أو بمن معه على قاعدة (أدِّ ما عليك ثم ما عليك). بهذا الأداء يكون منتصراً وإن تغلب عليه العدو! تأمل هذه الآيات:
– (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر:51). مع أن كثيراً من المرسلين والمؤمنين ماتوا مستضعفين؛ فما معنى النصر الذي خص الله تعالى به هذين الصنفين من عباده؟ الجواب في الآيات الآتية:
– (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (الصافات:171-173). فعلّق الله النصر باسم الرسول مجرداً. أما الغلبة فعلقها باسم (الجند) وإن لم يكن فيهم رسول. الرسول منصور أبداً وإن خسر المعركة أو قُتل على أية حال. أما غلبة العدو فلا بد لها من وجود الجند المكتمل عدداً وعُدة.
المسار طويل .. والعاقبة الخطيرة للوعود السخية بالنصر بمفهومه السائد
ومن أول الطريق يصارحك كتاب الله تعالى بأن المسار طويل، والمسير صعب، والسائر في كبَد. ويبين لك أن لكل هدف وسيلته، فلا يكفي لبلوغ الهدف كونك على الحق ما لم تلتمس له أسبابه المؤدية إليه. ثم تنتظر حكم الله تعالى، ولا تستعجل النتيجة. فالعمل مع الله يجري على قاعدة (أدّ ما عليك ثم ما عليك). وذلك واضح في قصص القرآن كلها.
أما الثقافة الراهنة: منبرية وغير منبرية فقائمة على بذل الوعود سخية بالنصر، وربطه بمجرد الحق، في غفلة عن شرط الصبر. متغافلين عن المضامين الحقيقية لكلا الشرطين. فمن الحق إعداد العدة، ومن الصبر عدم استعجال المدة. الكل في عجلة من أمره. فصائل الجهاد طراً، والسياسيون جمعاً، والخطباء كلاً. الجميع ينتهج مع الجماهير خطاباً حماسياً يجعلهم يعيشون هاجس النصر على مرمى خطوة أو هو أقرب، قطعاً ويقيناً.
كم شهدت مِنصات الحراك – على اختلاف المتعاقبين عليها – في المحافظات السنية العراقية طوال 2013.. من حِلفٍ وقَسَمٍ معظَّم على أنهم منصورون يقيناً لا يعتريه ريب، وتحقيقاً لا يشوبه شك! والدليل الوحيد على ذلك هو الدعوى بأنهم على الحق. والحق عنده هو (الإيمان) مجرداً عن (النصرة). و(النصرة) عنده هي القوة بمفهومها العسكري بعيداً عن الأساس المدني. والمدني عنده هو السياسة وإن كانت في معزل عن القوة.
كذلك فعلت الحركات التي لجأت إلى السلاح حلاً وحيداً، وعلى رأسها القاعدة وتفرعاتها. لقد بذلوا الوعود الزاهية بالنصر، وتفسير النصر بمعنى التغلب على العدو، وربطه بمجرد كونهم على الحق جزماً وحسماً؛ فكانوا – بعلم عالم وجهل جاهل – سبباً أساسياً في تخريب ديار أهل السنة وتمكين الشيعة.
خبط عشواء، وحركة في عماء. بعيداً عن معرفة النفس البشرية ومحركاتها، وغيبة عن معرفة وبيان سنن الله في خلقه ودورها في استجلاب نصره. وما يقابل ذلك من معوقات في حاجة إلى إزالة، وعقبات في حاجة إلى اقتحام. ثم لا ترى بعدها غير الأشلاء والدماء، وتغول الطغام وتسيد الدهماء. وانفضاض الجماهير آيسة محبطة.
ليت المتعجلين يدركون أن الإنسان مخلوق نفساني لا جثماني. فتهيئة النفس وإصلاحها بالفكرة والموعظة، وتمرينها بالعمل الصائب واكتساب الخبرة المناسبة، ثم وضعها على سكة مشروع ترعاه مؤسسة.. أول خطوات الطريق. ولو كان المتصدرون على دراية بعلم النفس والاجتماع، وأن من لم يكن له مشروع كان ضحية لمشاريع الآخرين.. ما ارتكبوا في حق أنفسهم ولا أقوامهم هذه الإساءات والحماقات.
الطريقة المثلى في صناعة الإحباط
ما سلف خطاب مفعم بالأحلام المحلقة التي لا واقع لها خارج نطاق المنام، فإذا صحا أصحابها سقطوا من شاهق أحلامهم على صخرة واقعهم فلم يجدوا سوى حصيد أوهامهم.
هناك طريقة أسرع في النزول بالجمهور إلى درك الإحباط هي الطريقة التقليدية المنبرية القائمة على استيراد الحلم من أغوار التاريخ ثم عقد مقارنة بين الماضي الحالم والواقع المؤلم، ليصل المتكلم بالجمهور إلى أحد نتيجتين: القنوط فالقعود، أو الانفجار فالانتحار. وهذا أحد الأمثلة على هذه الطريقة..
خطيب يقص واقعة عمورية والمعتصم بأسلوب صعد بالجمهور إلى ما فوق الثريا.. ثم في لحظة واحدة نزل بهم إلى ما تحت الثرى حين ختم خطبته فقال: “لم يعد لي من سلوى سوى أن أفتش في كتب التاريخ لكي أعيش لحظات هناء وسعادة أستطيع أن أبتسم خلالها لضيف يحل على بيتي. أما إذا فكرنا في واقعنا الذي نعيش فهو واقع مؤلم. وللحديث بقية”.
إن هذا الخطاب مخالف بالكلية لكتاب الله تعالى ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم جملة وتفصيلاً! والشواهد كثيرة.. واقرأوا إن شئتم: (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) تكررت بهذا النص في القرآن الكريم خمس مرات، عدا البشارات التي جاءت فيه بلفظ (الذين آمنوا)، وتلك التي خصت الصابرين والمحسنين والمخبتين. والبشارات التي جاءت بمعناها وفحواها! وما خالف الكتاب والسنة فهو بدعة. ولا أدري هل سيؤجر الخطباء على بدعتهم هذه لجهلهم؟ أم لن يبوءوا بغير الإثم لقصور فهمهم وقلة علمهم؟!
2019/9/17
صدقت يا دكتور ..
الاسلوب الحماسي الذي ينتقي من التاريخ ما يناسب خطابه الحماسي هو اسلوب محبط وقد لا يدرك صاحبه أنه يدمر أكثر مما يبني
سددكم الله دكتورنا العزيز وحفظك من كل شر …
اصبت واحسنت في توصيف الواقع وتحرير الخطيئة التي يقع وفيها الوم دون أن يدركوا أي جدار هدموا في شخصية المتلقي
بارك الله فيك دكتور.. فعلا الخطاب الحماسي ألقى بالجمهور الى القنوط والقعود… الجمهور لا يقبل القادة الا ان يكونوا كالمعتصم او صلاح الدين وغيرهم لذلك لا يؤمن باي عمل او فكرة يأتي بها قائد على القائد ان يكون اسطوري كي تقبله الجماهير.
الخطيب القصاص يعيش اللحظه،
يبدأ بالثناء ولايات والصلوات وينتهي الاهات،
من دون ان ينضر إلى مابين يده وما خلفه؟
القرآن واقعي منزل على الاحداث
في مفهوم أدى ما عليك ولا عليك
إنك تسير في السكة الصحيحة
دون عجلة أو تهور وهذا ما بينته
لنا شيخنا الجليل لأن الأمة السُنية
منحرفة تماما عن المسار الصحيح
الذي عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم
ونحمد الله حمدا كثيرا أن رزقنا الإيمان والنصرة
الصحيح الذي يرضى الله وينجينا من المهالك
في الحياة الدنيا وفي الآخرة
في مفهوم أدى ما عليك ولا عليك
إنك تسير في السكة الصحيحة
دون عجلة أو تهور وهذا ما بينته
لنا شيخنا الجليل لأن الأمة السُنية
منحرفة تماما عن المسار الصحيح
الذي عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم
ونحمد الله حمدا كثيرا أن رزقنا الإيمان والنصرة
الصحيح الذي يرضى الله وينجينا من المهالك
في الحياة الدنيا وفي الآخرة
بارك الله فيك شيخنا
مقال يحث على الاستمرار في عملنا هذا ونسير ضمن نور الوحي والقرآن وننزله على واقعنا
وما يفعله علماء أهل السنة الان يغلق العقل ويعطل الفرد السُني دون تفكير او تدبير في شيء ويبقى في ( حالة احباط) دائم ولا يصل الى القمة وبعد ثواني نلقاه تحت الارض
نور الله عليك يا دكتور .. نورتنا بهذا الفكر التجديدي الذي به استوعبنا الاخطاء الكبيرة التي انتجت لنا كمربين نتائج عكسية ظننا أننا كنا نحسن إلى الجيل بهذه الحماسة والتعبئة النفسية ..
شكرا وشكرا لهذا الموقع الموقر ولجهودكم المشكورة د. طه
مثل خطيب المنبر كمثل الطبيب الفاشل يعطي العلاج للمريض قبل تشخيص المرض وكذلك الخطيب كلامه وخطابه يخالف الواقع والمشكلة الحقيقية التي يعاني منها المجتمع يتكلم عن الأوهام والأحلام بعيد عن الصراع الميداني داخل البلد .
والله يا دكتور الواقع يصدق كلامك ونحن نرى بأم أعيننا كيف انتجت هذه الحماسة المجنونة واقع بائس ..
سدد الله التيار السني وقائده الدكتور الهمام طه الدليمي
حفظك الله يا دكتور طه
هذا النصح للامة سيثمر في جيل حي واعي يمتثل لأمر الله بعيدا عن تخلف الروايات والمنابر الحماسية