مقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

الغُثائية في المشاريع 

أ. معاوية الميلب

 الغُثَاءُ بالضم والمد: ما يجيء فوق السيل مما يحمله من الزبد والوسخ وغيره. [1]

والجمع: أَغْثاءٌ، وغُثاءُ الناس: أَرذالُهم.

هذا وصف بيّن لصفات من لا ينفع في مشروع، فكثرة الأعداد لا تعني صحة المشروع.

فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن العدد عنده يشكل حالة استبشار, بقدر ما يستبشر بالفرد الفاعل, فابن مسعود على دقة ساقيه هما أثقل من جبل أحد عند الله, وخرج عليه الصلاة والسلام من مكة ببضعة مئات بعد ثلاثة عشر عامًا من عمر دعوته.

وبغض النظر عن كلام العلماء في حديث ثوبان -رضي الله عنه- الذي قال فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت”.

فإنني أستثمر كلمة منه أجعلها في قالب اصلاحي (الغُثائية في المشاريع).

 فقال قائل: (ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟) وهذا محور السؤال, فرد عليه ما يستحق الجواب: “بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل”.

وأنطلق من هنا إلى المصيدة التي توقع في شراكها الأحزاب والتجمعات والمشاريع, وهي جمع الأعداد, وهذه حالة غثائية لا تعني غير أرقام حسابية, وهو جمهور آني ينتهي يوم لا يجد نفعًا من تلك الأحزاب والتجمعات والمشاريع.

أما نحن في مشروع التيار السني فمشروعنا رباني منتج, ينظر للفرد والشخص باعتماد القَدم لا القِدم, ولا ينظر للعدد.

ويهمنا نظرنا إلى نبينا صلى الله عليه وسلم, وهو يخرج بنفر من الصحابة -أغلبهم من الشباب- يؤسس لدين عالمي, قلبوا به الطاولة على أكبر إمبراطوريتين في ذلك الزمان الفارسية والرومانية.

وعمل صلى الله عليه وسلم مع أصحابه على تأسيس تلك الدولة الحضارية التي أورثها الله الأرض, والتي ما زالت تستنشق الهواء, وسيورث الله الأرض لأتباعها ولو بعد حين.

فمشروعنا يرتبط وينضبط بذلك الهدي الرباني.

ومن الأقدار التي جعلها الله –سبحانه وتعالى- تنفع المشروع وتسمو به هي محكمة الغربال (غربال الزمن) والتي نميز بها الصحيح من السقيم, والمفيد من الغث.

أما الذين تدينهم محكمة الغربال هم: الأفراد الغثائيون. أما المصنفون في قائمة الغثائية فهم: الزمنيون (العاطفيون) والمنزلقون في شهوات الدنيا ومظاهرها, وقليلوا الصبر وقصيروا النظر, والمتكئون على غيرهم, والذين تترنح عندهم الثقة والطاعة.

فهؤلاء غثاء وعناصر خفيفة تطفوا على السطح وتتبدد بمرور الزمن, وتطيش في أي ميزان: }فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ{ (الرعد:17).

وفي مقال للدكتور طه الدليمي -حفظه الله- تحت عنوان: دروس في القيادة وعوامل النصر, يقول فيه:

“الثقة والطاعة، هما الركنان اللذان تنبني عليهما العلاقة السليمة من الشعب تجاه القائد. والثقة تتعلق بثلاثة أمور:

  • الثقة أو الإيمان بالفكرة والمنهج والقضية التي يتبناها القائد
  • والثقة بدينه وخلقه ونزاهته
  • والثقة بكفاءته وأهليته للقيادة

فما لم يتأكد التابع من توفر هذه الشروط مجتمعة في شخصية القائد، فلا ينبغي ولا يصح ولا يجوز له أن يتبع قائداً لم يتيقن من حيازته على واحد من هذه القيم الأساسية في شخصيته. وذلك يعتمد على التاريخ والتجريب والسؤال من أهله.

ومتى ما تأكد التابع من ذلك وأعطى العهد على الوفاء لم يحل له أن ينكث لأدنى سبب، ثم يروح يختلق المعاذير، بل تجب عليه الطاعة في ما يحب وما يكره (في المنشط والمكره)” انتهى.

فالقلة أو الكثرة ليس عنصرًا أساسيًا من عناصر النصر أو التمكين, بل قد تكون الكثرة مصابة بمرض الغثاء, وضعف المناعة الفكرية, وهذا عنصر ضرر وفساد وهزيمة, ما لم يُعالج.


.[1] النهاية في غريب الحديث والأثر ٣٤٣/٣، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير ٦٠٦هـ تحقيق طاهر أحمد الزاوي – محمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية – بيروت، ۱۳۹۹ هـ – ۱۹۷۹.

Show More

13 Comments

  1. أما نحن في مشروع التيار السني فمشروعنا رباني منتج, ينظر للفرد والشخص باعتماد القَدم لا القِدم, ولا ينظر للعدد👌👌👌👌
    احسنت واجدت استاذ معاوية بوركت يمناك

  2. نعم لقد انطلق النبي برسالته برجل وامرأة ،فكان الصِدّيق الصَديق المخلص الذي جاء بالاتباع ،وخدبجة التي كانت هي المَخدع الذي يأوي إليه الرسول وعندها يضع سره واعباء ما بلغ به فكانت هي الزوجة والام ،وهكذا انتشر الإسلام بانفس قليلة ولكن كانت ثقتهم بقضيتهم وبقائدهم كبيرة .

  3. في موقف حدث مع خالد بن الوليد رضي الله عنه ، عندما قيل له: ما أكثر الروم وما أقلّ المسلمين ، وكان ردّه بغاية الحكمة والايمان ، فقال : بل ما أقلّ الروم وأكثر المسلمين إنما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال.

    وهذا من أبلغ ما قد يُقال! ، هذا العمل إنما عمل مع الله ومعاهدة له ، فله ميزة الاستمرارية لأنه خالص لوجه الله لا يتوقف على أحد! فمهما طال فنهايته نصر من الله.

    المشروع يتبنى كل من له قدرة ومقدرة بأن يقدم وقته وحياته لهذا العمل الربانيّ فهو ليس بتجارة خاسرة ولا دنيوية ، ولكل زمان رجل وصحابته يسيرون على خطى الأنبياء ، يدعمون قائدهم لخدمة أمر عظيم اصطفاهم الله له!

  4. الكمية التي لا نوع فيها! لا قيمة مؤثرة لها! والنوع الذي كميته قليلة هو أقْيَم وأَفْيَد وأَنْتَج،، نسأل الله ان يهيئ لهذا الفكر والمشروع النوعية والكمية الكافية التي تنهض به وتسير به بين الناس رفعة لهذا الدين واهله،، ونحن على هذا سائرون ان شاء الله.
    بوركت اخي استاذ معاوية على هذا القلم وعلى هذه الاضاءات.

  5. أحسنت أستاذ معاوية، إذا العمل يجب أن يكون في كيفية تطوير الأفكار وبناء الأشخاص حتى نتخلص من غثائيتنا، والعمل يكون فردي وجماعي، فلا يصح أن نعتمد غلى غيرنا في تطوير افكارنا، بل يجب على كل شخص أن يبذل جهد لا بأس به في تطوير نفسه، وتكوين ثقافة عامة حصينة .

  6. نعم انا في هذا المشروع الرباني لا ننظر للعدد وأنما ننظر للشخصية الفعالة فيه وأقول لمن يتزحزح عن هذا المشروع الرباني عبارة استنتجتها من كتاب نظرات في القيادة للقائد الرائد د.طه الدليمي (من لم ينفعه نور الوحي أدبته سياط القدر)
    بارك الله فيك يا أبا يزيد

  7. جزاك الله خير الجزاء على هذه المقالة، وبارك الله فيكم ووفقكم وسددكم

  8. الكم لا يغني عن النوع… ففرد نافع مؤثر يعمل ضمن مشروع خير من الف فرد لا يملكون مشروع يعملون به…

  9. أحسنت واصبت أبا يزيد
    نحن بحاجة اليوم لكل عامل
    خالي من الغثائية الوهمية
    “يبقى الطريق هو الطريق ..
    وإنما تتفاوت الأقدامُ في الإقدامِ”

  10. قال تعالى: {إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار} (ص:46). والإخلاص في الدعوة إلى الله، هو تجريد القصد لله سبحانه، وطلب مرضاته دون سواه، وهو روح الأعمال، وأساس قبولها عند الله. ولا يتحقق الإخلاص في الدعوة إلا عندما يستشعر الداعية أن قصده رضا الله، ويتجرد من الانقياد وراء حظوظ النفس، ونوازع الهوى، ومطالب الذات، ويحرر نفسه من قيود الرياء، وطلب الشهرة، أو المدح، أو الظهور، أو السمعة، أو حب التصدر والرئاسة والجاه، ويتخلص من السعي خلف شهوة المال والجاه، وطلب المنزلة في قلوب الناس، أو السعي وراء أي متاع من متع الدنيا، وجعل الدعوة وسيلة له.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button