أقصوصة مبيت علي في فراش النبي ليلة الهجرة
د.طه حامد الدليمي
أولاً : أقصوصة المبيت في مصنف عبد الرزاق
قصة مبيت علي رضي الله عنه في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة رواها الإمام أحمد في (المسند:3/389)، والطبراني في (المعجم:11/246). كلاهما عن عبد الرزاق الصنعاني. ورواها عبد الرزاق في (المصنف:5/384) قال: قال معمر: أخبرني عثمان الجزري أن مِقسَماً مولى ابن عباس أخبره في قوله: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك) (الأنفال: 30) قال: تشاورت قريش بمكة فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي e، وقال بعضهم: بل اقتلوه. وقال بعضهم: أن أخرجوه. فأطلع الله نبيه على ذلك فبات علي على فراش النبي e تلك الليلة، وخرج النبي e حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون علياً يحسبون أنه النبي e. فلما أصبحوا ثاروا إليه فلما رأوا علياً رد الله مكرهم فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدري… والحديث طويل جداً وفيه من المنكرات ما لا يخفى على ذي لب!
وأما السند ففيه بلايا:
1. تفرد عبد الرزاق به. وهو شيعي من موالي اليمن بقايا الفرس الذين جلبهم سيف بن ذي يزن لطرد الحبش. وما تفرد به الصنعاني فمناكير لا يؤخذ بها. قال فيه الذهبي (تاريخ الإسلام:5/374): عبد الرزاق راوية الإسلام، وهو صدوق في نفسه. وحديثه محتج به في الصحاح. ولكن ما هو ممن إذا تفرد بشيء عد صحيحاً غريباً. بل إذا تفرد بشيء عد منكراً.إ.هـ.
وصنفه محمد بن عمرو العقيلي في كتابه (الضعفاء الكبير، 3/107) في الضعفاء ونقل عن علماء (الجرح والتعديل) من الطعن في صدقه، وأخباره أعاجيب. وقد سبق ذكر ذلك عند الحديث عن عبد الرزاق.
أضف إلى ذلك أنه وصم عبد الرزاق بالتدليس. وحاول البعض تبرئته منه لكن الأدلة عليه أقوى. وقد مر بعضها. وأضيف هنا قول العقيلي (الضعفاء الكبير:3/110): حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال: حدثنا محمد بن سهل بن عسكر قال: حدثنا عبد الرزاق قال: ذكر الثوري عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن ولوا علياً فهادياً مهدياً). فقيل لعبد الرزاق: سمعت هذا من الثوري؟ قال: لا حدثني يحيى بن العلاء، وغيره: ثم سألوه مرة ثانية فقال: حدثنا النعمان بن أبي شيبة ويحيى بن العلاء عن سفيان الثوري.
والتدليس شائع بين الموالي؛ فهو أخو الكذب المرض القومي للفرس. ولم يصرح عبد الرزاق بالتحديث عن معمر.
2. عثمان الجزري، من الموالي، لم يوثقه سوى ابن حبان: قال ابن حجر (تهذيب التهذيب:7/145): عثمان بن عمرو بن ساج القرشي أبو ساج الجزري مولى بني أمية وقد ينسب إلى جده. قال أبو حاتم: عثمان والوليد ابنا عمرو بن ساج يكتب حديثهما ولا يحتج بهما. وذكره بن حبان في الثقات. وقال العقيلي: عثمان بن عمرو الحراني لا يتابع في حديثه وقال الأزدي يتكلمون في حديثه.
3. مِقسم مولى ابن عباس: (تهذيب التهذيب:10/289). وثقه أحمد بن صالح المصري قال: ثقة ثبت لا شك فيه. وقال العجلي: مكي تابعي ثقة. وقال يعقوب بن سفيان والدارقطني ثقة. وقال أبو حاتم صالح الحديث لا بأس به. لكن ضعفه البخاري! وقال ابن سعد: كان كثير الحديث ضعيفاً. وقال الساجي: تكلم الناس في بعض روايته. وقال ابن حزم: ليس بالقوي.
فالحديث ضعيف، وهو مسلسل بالموالي، حتى معمر بن راشد الأزدي الحداني (تهذيب الكمال:28/303)، كان مولى لمولى هو عبد السلام بن عبد القدوس مولى عبد الرحمن بن قيس الأزدي، وعبد الرحمن هذا أخو المهلب بن أبي صفرة لأمه. وكان يسكن اليمن.
ثانياً : أقصوصة المبيت في مسند أحمد بسند آخر
وردت القصة في مسند أحمد بسند آخر، قال: حدثنا يحيى بن حماد حدثنا أبو عَوَانة حدثنا أبو بَلْج حدثنا عمرو بن ميمونة قال: إني لجالس إلى ابن عباس إذ جاءه تسعة رهط… إلخ. وفي متنها من المنكرات والتخاليط الكثير، مثل: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: (أنت وليي في الدنيا والآخرة). وأنه أول من أسلم من الناس بعد خديجة. وخبر الكساء والتطهير. وفيه: وشَري عليّ نفسه، لبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلم ثم نام مكانه. وأن أبا بكر لم يعلم بخبر خروج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل فسأل علياً وهو نائم يَحْسب أنه نبي الله، قال: فقال: يا نبي الله، قال: فقال له علي: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد انطلق نحو بئر ميمون فأدْركْه. قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار. وأنه قال له في غزوة تبوك: (إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي). وقال له: (أنت وليي في كل مؤمن بعدي). وقال: (سدُّوا أبواب المسجد غيير باب عليّ). فقال: فيدخل المسجد جُنباً وهو طريقه، ليس له طريق غيره. وقال: (من كنتُ مولاه فإن مولاه علي).
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في (منهاج السنة:5/34-36) بعد أن ساق الحديث: وفيه ألفاظ هي كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كقوله: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنك لست بنبي، لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي)؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب غير مرة وخليفته على المدينة غير علي. كما اعتمر عمرة الحديبية، وعلي معه وخليفته غيره. وغزا بعد ذلك خيبر ومعه علي وخليفته بالمدينة غيره. وغزا غزوة الفتح وعلي معه وخليفته في المدينة غيره. وغزا حنيناً والطائف وعلي معه وخليفته في المدينة غيره. وحج حجة الوداع وعلي معه وخليفته بالمدينة غيره. وغزا غزوة بدر ومعه علي وخليفته بالمدينة غيره. وكل هذا معلوم بالأسانيد الصحيحة وباتفاق أهل العلم بالحديث، وكان علي معه في غالب الغزوات وإن لم يكن فيها قتال.
واستمر ابن تيمية يفند دعاوى هذا الحديث الذي يصححه أحمد شاكر واحدة واحدة حتى قال: وكذلك قوله: (وسد الأبواب كلها إلا باب علي)؛ فإن هذا مما وضعته الشيعة على طريق المقابلة؛ فإن الذي في الصحيح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في مرضه الذي مات فيه: (إن أمنّ الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة الاسلام ومودته. لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر” ورواه ابن عباس أيضا في (الصحيحين). ومثل قوله: (أنت وليي في كل مؤمن بعدي)؛ فإن هذا موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث.
ثم بعد كل هذه الطامات في المتن يأتي الشيخ أحمد شاكر فيقول (المسند:3/331): إسناده صحيح، أبو بلج: اسمه يحيى بن سليم، وهو ثقة، وثقه ابن معين وابن سعد والنسائي والدارقطني وغيرهم، وفي التهذيب أن البخاري قال: “فيه نظر”! وما أدري أين قال هذا؟، فإنه ترجمه في الكبير (4/2/279-280) ولم يذكر فيه جرحاً، ولم يترجمه في الصغير، ولا ذكره هو والنسائي في الضعفاء، وقد روى عنه شعبة، وهو لا يروي إلا عن ثقة. عمرو بن ميمون: هو الأودي، وهو تابعي ثقة، وأخرج له أصحاب الكتب الستة.
وكلام الشيخ شاكر غير دقيق ولا منصف. وقد اقتنص ما أراده وترك ما لا يريده، إلا قول البخاري؛ فإنه ليس في الإمكان تركه، فذكره وشكك فيه نافياً عدم علمه بمصدره عنه. وعدم علم المرء بالشيء ليس دليلاً على عدم وجوده. وعند مراجعة المصدر الذي نقل منه توثيق أبي بلج وهو (ميزان الاعتدال:4/384) للذهبي، تبين لي أن أحمد شاكر اجتزأ كلامه فأخذ منه وترك! وهذا نص كلام الذهبي: (وثقه ابن معين، وغيره، ومحمد بن سعد، والنسائي، والدارقطني. وقال أبو حاتم: صالح الحديث، لا بأس به. وقال يزيد بن هارون: رأيته كان يذكر الله كثيراً. وقال البخاري: فيه نظر. وقال أحمد: روى حديثاً منكراً. وقال ابن حبان: كان يخطئ. وقال الجوزجاني: غير ثقة). وفيما يتعلق بتوثيق ابن معين لأبي بلج فقد ذكر ابن حجر عنه قولاً مغايراً فقال: (تهذيب التهذيب:12/47): (ونقل ابن عبد البر وابن الجوزي أن ابن معين ضعفه).
وأكمل الذهبي فقال: (ومن مناكيره: عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس أن النبي e أمر بسد الابواب إلا باب علي t). رواه أبو عوانة عنه. ويروي شعبة عنه). وهذا قول الشيعة! وبعد أن ذكر حديثه عن النبي e: (الفصل ما بين الحلال والحرام الصوت وضرب الدف) قال: (ومن بلاياه: الفسوي في تاريخه، حدثنا بندار، عن أبي داود، عن شعبة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن عمرو أنه قال: ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد. وهذا منكر. قال ثابت البناني: سألت الحسن عن هذا فأنكره) إهـ. وقوله: (ومن بلاياه) بواو العطف يعني أن ما سبقه من حديث الدف بلية من بلاياه عند الذهبي. وقد أشار إلى ذلك في موضع آخر (الميزان:4/507) فقال: (أبو بلج الفزاري هو يحيى بن أبي سليم صاحب حديث الدف في العرس).
وذكره الذهبي في الضعفاء برقم (6985) في كتاب (المغني في الضعفاء:2/737) فقال: يحيى بن سليم أو ابن أبي سليم أبو بلج الفزاري قال البخاري: فيه نظر. وقال أحمد روى حديثاً منكراً وقال ابن حبان: كان يخطئ).
لقد قفز أحمد شاكر على هذه الألغام كلها وأغمض في كل هذه البلايا مقتصراً على ما يمكن أن يُتَّكأ عليه في التوثيق، معرضاً عما يضعفه وما يشير إلى شيعيته! وهذا – لَلأسف – لا يليق بعالم مثله.
وأنا أعجب كثيراً من تساهل الشيخ أحمد شاكر في تصحيح الضعيف وولعه به، ولعل مذهبه في ذلك أشد من مذهب الشيخ الألباني! كما أعجب من هذه الغفلة العميقة عن متن الحديث وسياقه وما فيه أو ما يؤدي إليه من عقائد وأفكار وأخبار تالفة!
لقد كان الشيخ شعيب الأرنؤوط أوثق في النقل إذ ضعف الحديث بقوله (في تحقيق مسند الإمام أحمد:5/181): إسناده ضعيف بهذه السياقة: أبو بلج وإن وثقه غير واحد، قد قال فيه البخاري: فيه نظر. وأعدل الأقوال فيه أنه يقبل حديثه فيما لا ينفرد به كما قال ابن حبان في (المجروحين)، وفي متن حديثه هذا ألفاظ منكرة، بل باطلة لمنافرتها ما في الصحيح، ولبعضه الآخر شواهد.
وقال: وأما قصة تأخر خروج أبي بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة، فهي مخالفة لما وقع في الصحيح من أنهما خرجا معاً من بيت أبي بكر، أخرجه البخاري في (صحيحه) في أثناء حديث الهجرة الطويل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة. قال الحافظ ابن كثير في (السيرة النبوية:2/235): وقد حكى ابن جرير عن بعضهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق الصديق في الذهاب إلي غار ثور، وأمر علياً أن يدله على مسيره ليلحقه، فلحقه في أثناء الطريق. وهذا غريب جداً، وخلاف المشهور من أنهما خرجا معاً.
قلت: فكيف تصح مثل هذه القصة وفيها كل ما ذُكر!
بارك الله في علمك دكتور .. وسددك و جزاك عن أمة الإسلام خير الجزاء على تنقية تاريخها من شوائب ودسائس الفرس
حياك الله أيها البطل الذي لا يخشى في دين الله لومة لائم ..
انرت عقولنا وسلطت الضوء على ضلالات الشيعة والغام الشعوبية التي كثيرا ما تعثرنا بها ووقعنا في شراكها
مهم ما كتبت ,, سنستفيد كثيرا من هذا الطرح
بدأتها بأقصوصة وانهيتها ب قصة👌
جزاك الله خيرا دكتور على ازالة ركام التدليس والتزوير
من تاريخنا…من الملاحظ اصرار رواة الموالي على اقحام علي في منزلة ابي بكر وعمر وعثمان وحتى الانبياء!!
السؤال الذي دوما يراودني: امن قلة ثقات السنة نلجأ للمشكوك في ولائهم وانتمائهم..ومايثير الحفيظة اكثر،
عبارة شيعي ثقة🤦♀️ شيعي صدوق..
انا دائما اتسائل لماذا ينقلون عن من بهم تدليس ومشكوك بأمرهم.. الم يكن هناك ثقات ينقلون عنهم!!
جزاك الله خيرا دكتور على هذا المقال مع تدقيق في هذا الموضوع
يحضرني سؤال لماذا لم يذكر مبيت سيدنا علي داخل فراش النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم) في القران الكريم كما ذكر خروج سيدنا ابي بكر الصديق مع النبي محمد وقال تعالى
﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ثَانِیَ ٱثۡنَیۡنِ إِذۡ هُمَا فِی ٱلۡغَارِ إِذۡ یَقُولُ لِصَـٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِینَتَهُۥ عَلَیۡهِ وَأَیَّدَهُۥ بِجُنُودࣲ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِیَ ٱلۡعُلۡیَاۗ وَٱللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمٌ﴾ [التوبة ٤٠]
مشكلة الحديث والتفسير والتاريخ مشكلة عظيمة،لعدم التثبت عليها والتحقق،لذا كان القران المعجزة الخالد.
جزاك الله خير الجزاء وإحسنه دكتورنا
تبقى مشكلتنا الأكبر هي الأحاديث الضعيفة و الروايات المدسوسة وتأثيرها على الواقع
أنّ اختراق كتبنا من قبل الفرس لهُ أثرٍ دينياً وتاريخياً فمثل هذه الأقصوصة التي وضعت في كتبنا وسعها أهل التاريخ وعظمها رجال الدين وبالتالي هي لا تصح .
بارك الله فيك شيخنا الفاضل
جزاكم الله خير على هذا العمل المضني، فقط حتى توصلوا لنا معلومة تفيدنا في دنيانا وآخرتنا.
شيخي الغالي أليس كتاب الله مرجعنا وانت من علمتنا انه لايوجد كتاب خالي من التشيع سواه فعندما رجعت للايات وجدت ان المشركين هم من اخرجوا رسول الله صلوات ربي عليه وابو بكر رضي الله عنه جهاراً نهاراً (إذ أخرجه) الذين كفروا ثاني اثنين) يعني أخرجوهما ظلماً من ديارهم وهذا ينفي قصة مبيت علي في فراش النبي بل يقتلعها من جذورها بل يعزز صلة ابا بكر بالرسول اذ انه اقرب شخص له لدرجة ان المشركين اخرجوه مع النبي من مكه والله اعلى واعلم