هل الحرب العثمانية الصفوية عقدية أم سياسية ؟
أ. إبراهيم بلحمر
قبل التعرض لهذا البحث ينبغي أن تعلم بعض الأمور السابقة للمواجهة لتدرك علاقة العثمانيين بالصفويين، إذ لم تكن العقيدة العثمانية واضحة السنية فهي إن أظهرت أنها حنفية المذهب إلا أنها احتوت على عقائد الشيعة في طرق مغالية مثل البكتاشية والحروفية والمولوية وغيرها.
والحروفية أحد الطرق التي كان يدعمها العثمانيون ثم انقلبوا عليها لاحقا فالتحول العثماني المضاد للشيعة بدأ منذ القرن السادس عشر الميلادي على الصفويين وأتباعهم ودعاتهم في الأناضول لأنه صار مهددا للعرش العثماني نفسه.
ولو جئنا للطريقة الحروفية Hurûfilik أتباع ( فضل الله ت 1394 م ) في استراباد في إيران فقد أعلن نفسه مرسلا من عند الله وأنه مهدي اليهود والنصارى والمسلمين وقام بتفسير القرآن تفسيرا باطنيا ولم يكن يؤمن باليوم الآخر, وكان يعتمد الفارسية في تفسير القرآن. كذلك كان الأدب الحروفي بدأ على يد نسيمي وتلميذه رفيعي وهما شاعران ورفيعي كتب منظومته بشارتنامه سنة 812 هـ , ثم ظهر الشاعر قرشته أوغلو ت 846 هـ صاحب منظومة عشق نامه , وجاء بعده ويرانه بابا , وجميع هؤلاء الشعراء من مشاهير المروجين للطريقة الحروفية وقد نشأوا بين الدراويش المنتسبين للهراطقة والمتواجدين بكثرة في منطقتي الأناضول والروملي.
استطاع الحروفيون التغلغل في ايران ما قبل الصفويين فتم ملاحقتها في ايران اول القرن الخامس عشر الميلادي وكمثال تم سلخ الشاعر الأذري نسيمي حيا لأنه قال مقالة الحروفية لكن في سنة 1444 نجح الحروفيون في تكوين طائفة كبيرة لهم في عاصمة العثمانيين أدرنة وجعل مبعوث فارسي خاص بهم في البلاط , بمعنى أن الحروفيين نجحوا عند العثمانيين قبل أن يظهر الصفويون.
أشيع في الغرب بأن الحروفية نصارى وتقبل الحروفيون الفكرة بالإيجاب وعليه كان سكان أدرنة في ذلك الوقت في خوف من حملة صليبية فقام صوفية العثمانيين بإحراق المبعوث الفارسي وقطع ألسنة العديد من اتباع الحروفية ,واستمرت الحروفية طيلة القرنين الخامس والسادس عشر للميلاد ثم انصهرت لاحقا في حركة بدر الدين السماونة والقزلباش والبكتاشية.
وفي البكتاشية يظهر تأثير قوي للحروفية ومع الوقت صارت البكتاشية أهم طريقة من حيث اتشارها بعد أن استوعبت طرق ومجموعات ودراويش وابدال من القلندرية والحيدرية الذين كانوا يدعون الناس لتعاليمهم منذ القرن الرابع عشر للميلاد.
في أول إمارتهم كان العثمانيون بين تحالف وحرب مع الأسر التركمانية الأخرى أو مع الإمارة البيزنطية وحتى يتقدم العثمانيون ويسيطرون على الأرض لم يجدوا أمامهم سوى تبني الجهاد لتوظيف قبائل التركمان في الأناضول والتي كانت تتبع تشيع شعبي أكثر مما تتبع إسلام واضح المعالم لذلك كانت الحملات يرافقها دراويش البكتاشية أتباع الحاج بكتاش الذي كان من خراسان
أما سيرة الحاج بكتاش فيكتنفها الغموض فقد آمن إيمانا مطلقا بالتشيع الإثني عشري وهو مصدر إلهام عند العلوية في تركيا وألبانيا وجزء من بلغاريا حتى الآن.
أما التعاليم البكتاشية فالعديد منها يشبه التعاليم النصرانية الشعبية وهذا يدلك على تواجد بقايا الحروفية فيها , وهذا ما سمح بانتقال كثير من النصارى من النصرانية الشعبية للبكتاشية , ففي القرنين الرابع والخامس عشر للميلاد دعم العثمانيون البكتاشية فأنشئوا لهم الزوايا والأوقاف في الأناضول والبلقان وزاحمت البكتاشية العثمانية جماعة القزلباش والتي انشقت عن البكتاشية الأم لكن لن تجد ذكرا للهيئات البكتاشية في النصوص العثمانية حول الاضطهاد الذي نال المتهمين منهم بأنهم قزلباش وهو حين انقلب العثمانيون على بقايا الحروفية بعد ظهور دعوة الشاه.
وبالرغم من أن المؤسسة البكتاشية الإنكشارية من أقوى المؤسسات العثمانية إلا أنها تغيب عن وثائق الحكومة العثمانية باستثناء سجلات الضرائب , وللعلم فالبكتاشيون يتوسلون في احتفالاتهم بعلي بن أبي طالب وبقية الأئمة ال11 ويضعون سيف ذوالفقار على راياتهم, وفي بحث جان هاثادي حول تشكل فروع الإنكشارية في مصر وجد أنه من المحتمل في الحقيقة أن نشر رمز سيف ذوالفقار عند العرب في الشرق الأوسط تم على يد العثمانيين.
وقد بلغ نفوذ الحروفية سابقا أوجه حين وصلوا لبلاط السلطان محمد الثاني “الفاتح” وصاروا شعراء بلاطه, ثم حدثت ما عرف بالواقعة العجيبة.
ومختصر الواقعة العجيبة أن أتباع فضل الله التبريزي رئيس الطائفة الحروفية قد نالوا خدمة السلطان محمد الثاني “الفاتح” حتى مال له السلطان وآواه وأتباعه في دار السعادة , فنشروا طريقتهم وعلم بها الصدر الأعظم محمود باشا لكنه لم يجرؤ على التحدث مع السلطان عنهم فأخبر المولى فخر الدين أفندي والذي بدوره اختبأ في بيت محمود باشا ودعاه لدعوة شيخ الحروفية ليظهر له موافقته على قولهم فلما تكلم شيخ الحروفية خرج فخر الدين وسب شيخ الحروفية فهرب شيخ الحروفية للقصر السلطاني وفخرالدين يتبعه فاستحا السلطان أن يكلم فخر الدين والذي بدوره أخذ شيخ الحروفية لمسجد أدرنة من أمام السلطان وأمر بالنداء في الجامع ليجتمع الناس وحكم بكفر الحروفية وبوجوب قتلهم فأنزل محمود باشا العقاب عليهم
ولاحظ هنا أن السلطان محمد الثاني “الفاتح” كان معجبا بهم موافقا لهم وأن التذمر منهم إنما كان من طبقة بعض العلماء.
ومن أبرز شعراء الحروفية الشاعر الشاه إسماعيل الصفوي , كما حظي الصفويون ولوقت طويل كما حظي البكتاشيون بعطايا العثمانيين ووصالهم حتى القرن الخامس عشر حين اتجهوا نحو الغلو المفرط المهدد للسطلة العثمانية إذ لم ينبز العثمانيون أتباع الصفوية بالقزلباش إلا بعد سنة 1501 م وهي سنة استيلاء العثمانيين على تبريز.
وإن عدنا للبكتاشية فقد توطدت بين التركمان الرحل وهي الوريث الشرعي للبابائية وخلال النصف الثاني من القرن الخامس عشر للميلاد تعرض هؤلاء التركمان البكتاشية لتأثير طريقة جديدة ظهرت من الشرق وهم أتباع صفي الدين الأردبيلي فمال لها التركمان وأصبحوا يعرفون باسم القزلباش ( العمائم الحمراء ). وصار الشاه اسماعيل الصفوي يحرض القزلباش بأشعاره التركية فقاموا بعمل ثورة ضخمة في جنوب غرب الاناضول وبالرغم من انتصار جالديران الذي قام به سليم الاول إلا أن حركة القزلباش لم تهدأ.
إن شعائر واعتقادات القزلباش أتباع الشاه لا تختلف كثيرا عن البكتاشية غير انهم كانوا متعصبين في تشيعهم وتوصلوا لابتداع طريقة خاصة بهم مزجت بين التقاليد العشائرية الخاصة واعتقاداتهم الشامانية بالبكتاشية.
ويختلف القزلباش عن البكتاشية في توارث الزعامة فالقزلباش لا يعترفون الا بمن هو من ذرية الحاج بكتاش والذين اشتهروا باسم جلبي رؤساء لطريقتهم.
وهكذا يظهر لك أن أصل النزاع الصفوي العثماني إنما هو نزاع بين داعٍ من الدعاة وهو الشاه إسماعيل المدعوم من العشائر التركمانية التي دعمت وصوله وهي 7 عشائر روملو وشاملو واستاجلو وتكه لو وذلقادر وأفشار وقاجار ورغبة هذا الشاه في الاستيلاء على سلطان ومُلك العثمانيين بعد أن انقلب عليهم.
العثمانيون وإن كونوا دولة وأقاموا خلافة على جميع بلاد الاسلام إلا أنهم لم يكونوا اصحاب مشروع حضاري كما كانت الدولتين الاموية والعباسية وعنصريتهم الشديدة دفعوا ثمنها غاليا بفقدان دولتهم ولاء الامم التي انضوت تحت لواء العثمانية .. هذا عدا ما شاب عقيدة الدولة من بدع وخرافات
العثمانيون كما الصفويون اما الاختلاف الذي بينهم فليس إلا على مدى تشدد كل فريق تجاه العرب
بارك الله فيكم استاذ ابراهيم تغريداتك ومقالاتك تصب في صالح الوعي السني
مسدد استاذ ابراهيم على هذا البيان الدقيق
بارك الله فيك على هذا البيان الدقيق لفساد عقيدتهم ..
أحسنت استاذ وهذه الحقيقة لا بد يدركها المنخدعين بتركيا اليوم
الاتراك ينتمون أكثر الى عرقهم لذا فعنصريتهم تجاه العرب شديدة
التشيع فارسي وليس تركي الدولة العثمانية كانت شديد العداء مع الفرق الباطنية والشيعة نعم فيها بعض الانحرافات لكن تبقى دوله اسلامية سنية طيب الخليفه بايزيد الساعقة
ياغوز سليم دمر الدولة الصفوية
الترك منذ جاؤوا إلى هضبة الاناضول وهم يقاتلون من أجل عنصرهم ولاقامة دولةلهم .. الاسلام لم يغير فيهم الا قليلا
صدقت وأحسنت في تتبع عقيدة القوم وما هم عن العقلية الفارسية ببعيد
مقال رائع يظهر حقيقة العثمانيون
و مصالحهم السياسية المشتركة
فلم يغير الإسلام من عنصريتهم
ضد العرب والمسلمين، بوركت أستاذ إبراهيم بالحمر
وفق الله كل العاملين المخلصين
احسنت اخي مقال رائع وفيه تفاصيل يحتاج الجميع لمعرفتها خاصه المتأثرين بالاتراك الذين يعتبرون اردوغان خليفه لهم مع انه لم يقدم سوى الدمار للمسلمين.
بوركت استاذ ابراهيم معلومات مهمة حجبت عنا لعقود وماصدر الينا هو التزوير والتلفيق
٤٠٠ عام عندما حتل الترك العرب خلف كل الويلات من الجهل والجوع والتخلف الحضاري والاقتصادي والتهميش والقتل
مهما كان الأعجمي الذي يدعي أنه حريص على الإسلام فهو في نفس الوقت ضد مبادئ الإسلام مصلحة الأعجمي فوق كل شيء
العربي مالم يحكم نفسه بنفسه أصبح ضحية للآخرين
مقال يكشف حقائق غامضه
حياك الله استاذ ابراهيم
مقال يغير النظره أتجاه الدولة العثمانية الخائبة لدى أهل السنة الذي يعتبرونها دولة فاتحة.
التمدد العثمانيون قائم على مصالح شخصية (خاصة) لا مصلحة عامة على الرغم أنها دولة مخترقة بالكامل وتتحرك بأفكار من يريد التوجه ضد العرب .
ولا يوجد فرق بين العثمانيين و الصفويين { العجم}{الفرس} عدت تحركات من أجل هدف واحد ضمن مصلحه مشتركه