مقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

تركيز نظر الجمهور على (الإسرائيليات) من الروايات دون (الفارسيات)

د. طه حامد الدليمي

مما يشير إلى غفلة عميقة تغط فيها الأمة أن المحدثين ركزوا على مرويات اليهود ووضعوا لها مصطلحاً هو (الإسرائيليات)، وحذروا منها كثيراً. في المقابل لم يكن اعتناؤهم بالتحذير من مرويات الفرس بالمستوى نفسه، حتى إن هذه المرويات لم تستحق منهم وضع مصطلح تستحقه، مع أن (الفارسيات) أكثر عدداً، وأكبر حجماً، وأشد خطراً وأثراً.

بين عبد الله بن سبأ والمغيرة بن سعيد البجلي

لندع مئات الرجال الفرس الذين صنعوا التشيع. وندع أصحاب المصادر الأربعة الأولى التي قام عليها دين التشيع، وهم فرس. ولنأخذ رجلاً واحداً فقط ممن ذكرنا من الفرس هو المغيرة بن سعيد البجلي، ونقارن بينه وبين عبد الله بن سبأ من حيث العقائد والأقوال التي تركاها مما يخدم التشيع، لنرى ما الذي زاد به ابن سبأ عن ابن سعيد ليفوز بهذا الاهتمام الذي بذ به الجميع؟ وما الذي نقص به عنه الثاني ليخمل ذكره إلى هذه الدرجة؟

1. المغيرة بن سعيد البجلي/ أو الكوفي

ظهر من بين الفرس الذين أسكنهم سعد بن أبي وقاص t في الكوفة رجل يُدعى المغيرة بن سعيد الكوفي. مما اشتهر به أنه كان يقول:

– الأوصياء (أي الأئمة) كالأنبياء؛ فما يجري على الأنبياء يجري على الأوصياء. وذكر أبو جعفر العقيلي العديد من مخاريق المغيرة، منها أنه كان:

– ساحراً وكذاباً.

– ويقول بالرجعة.

– وأن علياً يحيي الموتى.

– وروى بسنده عن الشعبي أنه قال للمغيرة بن سعيد: ما فعل حب علي؟ قال: في العظم واللحم والعصب والعروق. فقال له الشعبي: اجمعه فَبُلْ عليه”.

– وروى العقيلي عن الأعمش أنه قال: “أول من سمعت يسب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما المغيرة بن سعيد”. وأنه لعنه الله كان يلعنهما([1]).

– وكان يفضل علياً على الأنبياء([2]).

وقد أفاض ابن حجر العسقلاني الحديث عنه في (لسان الميزان) فقال:

– المغيرة بن سعيد البجلي أبو عبد الله الكوفي الرافضي الكذاب. وذكر من تحذير العلماء منه، وطعنهم فيه لكذبه وغلوه، وأنه كان كذاباً ساحراً مموهاً مشعبذاً حتى أجابه خلق.

– وأنه قُتل على ادعاء النبوة. وأقواله الباطلة مثل: (إن الله يأمر بالعدل): علي. (والإحسان): فاطمة. (وإيتاء ذي القربى): الحسن والحسين. (وينهى عن الفحشاء والمنكر) قال: فلان أفحش الناس. والمنكر فلان. (أي: أبا بكر وعمر رضي الله عنهما).

– وكان يدعي أن علياً يحيى الموتى. ويقسم على أن لو شاء أحيى عاداً وثمود.

– ويكذب على رجال أهل بيت علي، ويدعي أنه أتى بعض أهل البيت فسقاه شربة من ماء فما بقي شيء إلا وقد علمه. وعن إبراهيم بن الحسن قال: دخلت على المغيرة بن سعيد وأنا شاب وكنت أشَبَّهُ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر من قرابتي وشبهي وأملِه فيّ. ثم ذكر أبا بكر وعمر فلعنهما. فقلت: يا عدو الله عندي؟! فخنقته خنقاً حتى أدلع لسانه.

– وقال أبو معاوية: أول من سمعته ينتقص أبا بكر وعمر: المغيرة المصلوب.

– وكان يشيع بين الناس أن علياً أفضل من الأنبياء. ويقول: كان علي بالبصرة فأتاه أعمى فمسح على عينيه فأبصر، ثم قال له: أتحب أن ترى الكوفة؟ قال: نعم. فحُملتِ الكوفة إليه حتى نظر إليها. ثم قال لها: ارجعي فرجعت.

– قال ابن عدي: لم يكن بالكوفة ألعن من المغيرة بن سعيد في ما يروى عنه من الزور عن علي، وهو دائم الكذب على أهل البيت. ولا أعرف له حديثاً مسنداً.

– وقال ابن حزم: قالت فرقة غاوية بنبوة المغيرة بن سعيد مولى بجيلة. وكان لعنه الله يقول: إن معبوده صورة رجل على رأسه تاج، وإن أعضاءه على عدد حروف الهجاء. وإنه لما أراد ان يخلق تكلم باسمه فطار فوقع على تاجه ثم كتب بأصبعه أعمال العباد، فلما رأى المعاصي ارفضّ عرقاً، فاجتمع من عرقه بحران ملح وعذب. وخلق الكفار من البحر الملح. تعالى الله عما يقول.

– ومن مخاريقه ادعاؤه علم الغيب. قتله خالد بن عبد الله القسري مع أصحابه في حدود العشرين ومائة([3]).

2. عبد الله بن سبأ

ذكر المؤرخون عن ابن سبأ أمرين:

الأول: أنه أثار الأمة على أمير المؤمنين عثمان بن عفان. وهذا ليس له تعلق مباشر بتأسيس التشيع.

الثاني: دوره في تأسيس التشيع. فلنأت على حقيقة هذا الدور مقارنة بالمغيرة بن سعيد. لنجد المغيرة بن سعيد تفوق في ذلك على ابن سبأ تفوقاً يجعل المقارنة بينهما فيه مخجلة. وإليكم البيان:

ذكر ابن حجر العسقلاني في (لسان الميزان) من عقائد ابن سبأ ما يلي:  زعم أن القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه عند علي. يكذب على الله وعلى رسوله. وكان يقع في أبي بكر وعمر. وكان يفضل علي عليهما. وله أتباع يقال لهم السبئية يعتقدون إلهية علي بن أبي طالب وقد أحرقهم علي بالنار في خلافته. وقال الذهبي: “عبد الله بن سبا من غلاة الزنادقة ضال مضل أحسب أن عليا حرقه بالنار”. وفي موضع آخر قال: “نفاه علي بعدما هم به”. وضعف ما جاء بشأنه من طريق سيف بن عمر التميمي في (تاريخ ابن عساكر) وقال: “أخرج من طريق سيف بن عمر التميمي في الفتوح له قصة طويلة لا يصح إسنادها”([4]).

قارن ما تركه المغيرة بن سعيد الفارسي بما تركه عبد الله بن سبأ اليهودي، واسأل نفسك: لماذا أبرز ذكر اليهودي وأهمل ذكر الفارسي؟

إن عامة العقائد التي سلفت أمست من المسلمات عند الشيعة اليوم. وهو مما يدل على أن تأسيس التشيع كان على يد الفرس لا على يد اليهودي ابن سبأ، الذي غاية أمره أن يكون واحداً ممن شاركوا فيه. وقد شارك بعض العرب في بناء التشيع مثل الشريف المرتضى وأخيه الرضي، لكن التأسيس لم يكن لهم. أما أن يكون ابن سبأ هو المؤسس فهذه شائعة أكثر منها حقيقة قائمة على مستند علمي. والبحث المعمق يشير إلى أن هذا من مكر الفرس حتى لا يعلم دورهم في ذلك، على قاعدة (يقتل القتيل ويمشي في جنازته).

هذا على فرض أن ابن سبأ يهودي لا يمت للفرس بصلة. أعني أن السؤال: لماذا أبرزوا ذكر اليهودي وأهمل ذكر الفارسي؟) يبقى دون جواب! وإذ ثبت أن الرجل فارسي أيضاً فإن السؤال الثاني (لماذا أبرزوا دين الرجل اليهودي وأخفوا أصله الفارسي؟) يبقى كذلك دون جواب!!  


[1]– الضعفاء الكبير، 4/177-179، أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي (ت 322هـ)، تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي، دار المكتبة العلمية – بيروت، الطبعة الأولى، 1404هـ – 1984م.

[2]– الكامل في ضعفاء الرجال، 8/72، أبو أحمد بن عدي الجرجاني (ت 365هـ)، الكتب العلمية،  بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، 1418ه – 1997م.

[3]–  لسان الميزان، 6/75-78، ابن حجر العسقلاني.

[4] – لسان الميزان، 3/289، ابن حجر العسقلاني.

اظهر المزيد

‫3 تعليقات

  1. ومع ذلك يقولون ان المفيد هو او من أسس دين التشيع في أواخر القرن الرابع وهم أسسوا له منذ القرن الاول . صدقت شيخي عندما قلت عن الشيعه (المتقدمين مشعولين صفحه اكثر من المتأخرين)فها هو المغيرة بن سعيد البجلي وهو يكتب للشيعه دينهم من من لعن للصحابه وتأليه لعلي بن ابي طالب وتفضيل له على انبياء الله سبحانه.وبكل امانه نحن لانلوم الشيعه متقدميهم ومتأخريهم الذين عملوا لنشر هذا الدين الباطل الهمجي الاجرامي لكننا نلوم متقدمينا ومنأخرينا كيف سمحوا لهؤلاء الدجاجله ان يمروا مرور الشياطين على تراثنا بل إنهم مروا من خلالنا واخترقونا حد النخاع .
    يجب علينا تصفية تاريخنا من سموم الفرس وشيعتهم وتنقية سيرة عظمائنا الذين مستهم اليد الفارسيه السوداء بدءا من ابو بكر الصديق رضي الله عنه الى يومنا هذا شاء من شاء وأبى من أبى والله الموّفق .

    1. سؤال كبير جدا دكتورنا…تعمد اظهار الخطر اليهودي على الفارسي ..شاهدنا نتائجه واقعا
      إذ ان الظلم والإجرام الفارسي بحق اهل الاسلام تعدى الحدود قولا وعملا
      وانا والله لم اسمع بذكر المغيرة بن سعيد البجلي الا من خلال متابعتك دكتورنا…كتب الله اجرك وجزاك عنا خيرا

  2. جواب لأن الفرس اعتمدوا التخفي وإبراز عدوا ثاني إمام الأنظار وكذلك العرب ينظرون لليهود أنهم العدوا الأول
    لما ذكره الله في قرانه الكريم ولم ينتبهوا للعدوا الداخلي
    وهم المنافقين والمشركين وخطرهم المحيط بهم داخليا وخارجيا وهناك اسباب كثيره مثل تقديس الكتب والروايات الضعيفة دون بحث أو جهد يفضح هذه الاكاذيب ونفياها من تاريخنا وتنقيته
    بوركت جهود المخلصين لتصحيح المفاهيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى