فتن متلاحقة منذ فتح بلاد فارس حتى اليوم
د.طه حامد الدليمي
شيء طبيعي أن لا يكون الحديث بالتفصيل عن الفتن التي أصابت الأمة على يد الفرس منذ أن فتحت بلادهم وألحقت بإمبراطورية الإسلام حتى يومنا هذا. ذلك شيء مستحيل يحتاج إلى عشرات المجلدات. بل ولن أنشغل ولو بذكر عناوينها فقط. بل ولا عناوين أحداثها البارزة. سأكتفي بعدة حوادث ذات مغازٍ بعيدة، يقاس عليها ما يعجز القلم، ويضيق الورق عن احتوائها؛ لعل (فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (ق:37). وخطابنا لا يعبأ بغير ذوي الآذان الواعية والقلوب الصاغية؛ (وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (الأنعام:36).
اغتيال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فتح العرب بلاد فارس أواخر عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بعد انتصارهم على الفرس في معركة (نهاوند) سنة (21هـ) – على الأرجح – بقيادة النعمان بن مقرِّن المزني رضي الله عنه الذي استُشهد في المعركة. وانفتح الطريق سالكاً أمام الفاتحين، وانزاح آخر عائق أمام ضم بلاد فارس للإمبراطورية الإسلامية الناشئة. يبدو أن عمر عانى كثيراً من مكر فارس وحيلها وشرورها، وأدرك أن مراس القوم في الشر أصعب مما كان يتصور؛ فقال قولته الشهيرة: (وددت لو أن بيننا وبين فارسَ جبلاً من نار). ولكن هيهات هيهات! لقد صارت بلاد النار، أي: صارت النار نفسها داخل الدولة! ما يعني أن تأجيجها صار أسهل مما لو بقوا خارجها. وكان عمر أول ضحاياها، وذلك آخر سنة (23هـ)!
يتبين من خلال الاطلاع على حيثيات الحدث، أنه اشترك في مؤامرة قتله عدة أشخاص على رأسهم الهرمزان ملك الأحواز، وجفينة النصراني، وفيروز أبو لؤلؤة المجوسي. والبعض يضيف إليهم كعب الأحبار اليهودي.
الانقلاب على الدولة وقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه
تبين للفرس أن قتل رأس الدولة لن يكون أبعد من وفاة حاكم سيتم تعويضه بحاكم آخر وكأن شيئاً لم يكن! لا بد من عمل آخر يتمكنون به أكثر من التحكم بالدولة. إحداث انقلاب جذري، واستبدال رأس الدولة برأس آخر يكون تحت سيطرتهم، وضرب الدولة ببعضها. على أن ينفذ الأمر بسرية تامة لا يرى فيها للفرس من يد أو أصبع. ومضوا يخططون للمؤامرة مدةَ اثنتي عشرة سنة حتى تم لهم ما أرادوا. أو هكذا تصوروا؛ فكان ما كان من قتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان على يد عرب معروفين؛ فقد كان الفرس يحركون (الدمى) من وراء ستار.

من مفارقات الغفلة العربية واليقظة الفارسية التي تترصد بأربعة أعين أن لعثمان – وقيل لزوجته – مولى فارسياً، مؤكد أنكم ستعجبون حد الذهول حين أكشف لكم عن هويته! أتدرون من هذا المولى؟ وسواء كان مولى لعثمان أم مولى لزوجته فالنتيجة واحدة. إنه ذكوان أخو فيروز أبي لؤلؤة.. القتيل الذي قتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب!! وتسألون: كيف يكون مثل هذا في بيت أخطر وأهم رجل في الدولة؟!!! وببساطة أجيبكم وأنا أقلب شفتي السفلى: المهم أن هذا ما حدث! وهذا ما لا تعرفه الأجيال. وهذا ما يقع رجال العرب في هوته جيلاً بعد جيل حتى الساعة! ألم تكن دولة صدام تعج بالموالي تحت ستار الانتماء إلى حزب البعث. والبعثي – كما يقول صدام حسين نفسه، والشريط منشور بالصوت والصورة على شبكة المعلومات – البعثي عنده حصانة كحصانة عمر بن الخطاب!!! وكان نتيجة هذه الغفلة العربية المتأصلة في العرب أن استأمن صدام طائراته عند إيران وذهب ليغزو الكويت مصدقاً إيحاءات سفيرة أمريكا إبرل كاثرن غلاسبي. أخيراً غزت الأمم دولة صدام على ظهور أولئك (المحصنين) فسقطت بغداد وضع حبل المشنقة في رقبته بيد ملثمَين اثنين من (حمراء الكوفة) الجدد! ولا أدري مم أعجب: أ من عثمان أم من صدام.
تاريخياً استطاع الفرس إيهام العرب أن الفعلة قام بها اليهود يتقدمهم عبد الله بن سبأ. وبذلك غطوا على دور الفرس من (حمراء الكوفة) على مر التاريخ.
اغتيال علي ونـجاة معاوية وعمرو رضي الله عنهم
ثم لما لم تأت النتائج على مرامهم خطط حمراء الكوفة بقيادة شيرويه بن سهراب آل باوندي الأسواري لقتل القادة الثلاثة: معاوية أمير الشام وعمرو أمير مصر وعلي أمير العراق. وذلك بعد أربع سنوات ونصف من مقتل الخليفة عثمان. فإذا تحقق هذا كان استيلاء الفرس على مقاليد الدولة قريب المنال. لكن النتيجة جاءت على عكس ما خططوا له وهدفوا إليه؛ إذ قتل علي وسلم الاثنان. ففاتت الفرصة.
كان ذلك دافعاً لأن يكون التخطيط هذه المرة أدق وأحكم وأكثر واقعية.
[1] – الحَرَب: طلع النخل.