الشيعة الحدث .. واستغلال الحدث
أهم من الحدث
أهم من الحدث استغلال الحدث..
هذه حقيقة يجهلها الكثيرون من عميان السياسة والدين والمجتمع. ومن علِمها منهم تبقى مسافة كبيرة تفصل بين بعضهم وبين تحويل العلم إلى عمل، والمعرفة إلى ممارسة فاعلة في الحياة باتجاه الهدف.
لكن الشيعة لهم شأن آخر.. إنهم أساتذة هذا الفن.. وفرسان ميدان تطبيق هذه الحكمة العظيمة، حتى وإن اقتضى الأمر الخروج عن جادة المشروع والمعقول. بل ليس لديهم أصلاً خطوط فاصلة، ولا حدود يتقيدون بها وهم يسخرون طاقاتهم إلى آخر قطرة في سبيل استغلال الحدث بأي وسيلة كانت أو تكون. الكذب والتزوير والسرقة والادعاء بعض أدواتهم الفاعلة، ومنها سرقة التأريخ، وجهود الآخرين، ونسبة الأحداث المفيدة لهم، ورمي التهم والجرائم التي يرتكبونها على غيرهم، واختلاق القصص والحكايات المشوشة والمشوهة ورمي الآخرين بها، مع ادعاء عريض للمظلومية والاضطهاد، وتباكٍ لا يملون من تكراره، وولولة وتمسكن يستدرون به حتى عطف الضحية! وما إلى ذلك من الوسائل والأساليب. ناهيك عن استغلال الصحافة والإعلام والمطبوعات والنشريات، أضف إليه الطرق المستمر لأبواب المحاكم لتسجيل الدعاوى وتقديم الشكاوى، والدوران بين المحافل والمنظمات والهيئات المحلية والدولية.
في زمن الحكومة السابقة للاحتلال وجدنا أهل السنة يسمعون في بعض المناطق سب الصحابة بآذانهم ينطلق من مكروفونات الحسينيات الشيعية، ولم أرَ أو أسمع أحداً منهم قدّم في يوم ما شكوى إلى الجهة المختصة ضد هذه المنكرات الشرعية المغلظة، والتي هي في الوقت نفسه جرائم يعاقب عليها القانون. بينما نحن نترضى عن سيدنا علي
وأهل بيته، وتقارير الشيعة علينا بالأكوام لدى دوائر الأمن والحزب تتهمنا بالتهجم على “أهل البيت” وسبهم! لقد أوصلوا أهل السنة إلى حالة لا يطمعون فيها بأكثر من سكوت الشيعة عنهم؛ فهم يتطيرون من إثارتهم أو تهييجهم حتى ولو بتقديم شكوى قانونية لدى الجهات المعنية. ولسان حال الواحد منهم يقول: أنا لم أسلم وأنا بعيد عنهم، فكيف لو اقتربت منهم، أو تحرشت بهم؟! وهذه الحالة غزت نفوس المسؤولين بحيث لم يكونوا يطلبون غير رضى الشيعة وسكوتهم عنهم! وهو عكس ما يشيعه الشيعة عن الحكومة السابقة! وهو نوع من فن استغلال الحدث، أتقنه الشيعة إلى آخر قطرة.
شريط إعدام مسروق
قبل حوالي شهر جاءني أحد الأصدقاء بمقطع من فلم إعدام مجموعة من الشباب، على هاتفه الجوال، نشره أتباع التيار الصدري في وقتها على أن الضحايا أفراد من جيش المهدي أعدمتهم الحكومة، مع مناحة مؤثرة على طول الشريط. صدّقت الحكاية لأول وهلة، لكن زوجتي قالت: رأيت هذا المقطع نفسه على شاشة قناة (الرافدين) قبل أيام، عرضوه على أنه مشهد من مشاهد إعدام الأحوازيين على يد الحكومة الإيرانية!
سراق الحاضر والماضي
وهنا تبادر إلى ذهني العديد من الشواهد لأحداث قام جيش المهدي بسرقتها، ونسبتها إلى نفسه. مئات العمليات الجهادية التي نفذتها المقاومة ضد المحتل، سرقوها ووضعوها على أشرطة مرئية، لم تكلفهم سوى مونتاج وأناشيد تمجد “مقتدى” و “السيد” و “الشيعة”. ويقف مقتدى بكل صفاقة في (شباط/2006) في المقام المنسوب للسيدة زينب في دمشق ليتهم المقاومة بأنهم إرهابيون، ومزورون وسراق قاموا بإحراق دبابة أو دبابتين ثم صاروا مقاومة حبيبي. هكذا قال! والحقيقة أن هذه هي حقيقته أسقطها على الآخَر. انظر كيف يسرقون الآخرين جهودهم؟!
المقابر الجماعية التي صنعوا قبتها من حبة صغيرة. ودلت الدلائل على أنهم يستأجرون جماعات لنبش قبور لموتى عاديين، وجلب عظامهم في أماكن منتخبة يقومون بتصويرها، والإتيان بوسائل الأعلام لعرضها على العالم على أنها مقابر جماعية تعود للنظام السابق. ومن ذلك رفات الجنود العراقيين الذين دفنوا وهم أحياء في جنوب العراق على يد قوات الغزو الأمريكي في عام (1991)، وبعضهم قتل أثناء الانسحاب. ومنهم ضحايا الحركة الغوغائية الطائفية التي رافقت الغزو. كما أن هناك رفات لـ(3000) جندي عراقي جرى تبادلهم مع إيران عشية قيام الحرب الأخيرة مع أمريكا في (20 آذار 2003) وضعت في أحدى الوحدات العسكرية في البصرة، ولم يتم تسليمهم إلى ذويهم بسبب مداهمة أحداث الحرب. استغلها قادة الشيعة لصالحهم على أنها مقابر جماعية قام بها النظام السابق!
أما الجثث منزوعة الهوية التي كان يعثر عليها بالعشرات – وبالمئات أحياناً – يومياً في بغداد طيلة عشرين شهراً ونيف، على قارعات الطرق والمزابل ومكبات النفايات وثلاجات المستشفيات والطب العدلي وغيرها من الأماكن، وبعضها يشترى، ويذهب بها إلى كربلاء لتدفن في مقبرة كبيرة خاصة بعنوان ضحايا الشيعة الذين قتلهم الإرهابيون السنة، فأمر معلوم للجميع! وستمسي هذه الكذبة الكبرى مستقبلاً (حقيقة) عظمى لا يرقى إليها الشك، و (شاهداً) لا يكذب على مظلومية الشيعة والمآسي التي لحقت بهم في زمن كانوا هم فيه فرسان الجريمة. مع أن ثلاثة أرباع هذه الجثث هم من أهل السنة، الذين قتلتهم عصابات جيش المهدي، وغيرها من مليشيات الأحزاب الشيعية فـي السلطة وخارجها!
أرأيت كيف يستغل الشيعة الحدث لصالحهم؟!
أرأيت؟!
وهل تأكدت كيف أن استغلال الحدث أهم من الحدث؟
ورجعت إلى الفلم أتفحصه
ورجعت إلى الفلم أقلبه وأتفحصه. شكوك تثيرها عدة مشاهد: ألوان السيارات الحكومية. الكتابة الفارسية التي تظهر بسرعة على واجهات المحال القريبة. الضحايا يلبسون سراويل أشبه بسراويل العجم، قليلة الاستعمال في الوسط العربي في العراق. طريقة الإعدام: حبال مشدودة على أعمدة الكهرباء، أو العارضات المنصوبة عبر الطرق، وبراميل تحت أقدام الضحايا موضوعة في أحواض السيارات. إنها طريقة الإيرانيين في إعدام إخواننا العرب في الأحواز.
وظل الأمر في دائرة الشك.
قناة العربية تقع في الفخ
قبل بضعة أيام أذاعت قناة (العربية) الفضائية خبر “إعدام مجموعة من المسلحين في كربلاء نفدت ذخيرتهم فألقي القبض عليهم وأعدموا من قبل القوات الحكومية” ، في إشارة واضحة إلى جيش المهدي. مع بث مقطع مصور قصير للفلم نفسه الذي رأيناه على الهاتف الجوال. في اليوم التالي خرج الناطق الرسمي باسم الحكومة علي الدباغ على القناة نفسها ببيان يكذب نسبة الخبر إلى حكومته، ويقول: إن هؤلاء الأشخاص الذين ظهروا في الفلم أفغانيون اغتصبوا فتاة إيرانية فقامت الحكومة الإيرانية بإعدامهم.
يعصرون الزجاجة إلى آخر قطرة
هل لاحظت معي كيف تصرف الدباغ الشيعي مع الحدث؟ وكيف عصر زجاجة قنينته إلى آخر قطرة فيها؟!
لقد نفى ارتكاب الفعل الشنيع عن حكومته. هذا أولاً. فمن فعله إذن؟ دلائل الشريط تشير إلى أن الحدث جرى في إيران. لكنه لا يريد أن يتهم (حبيبة القلب) فماذا يفعل؟ أخرج الفعل إخراجاً شرعياً يبرر لها القيام به. فألقى بالتهمة على الضحايا: إنهم مجرمون اغتصبوا فتاة؛ وعليه فلا بد من إقامة الحد عليهم. إذن الحكومة الإيرانية لم تفعل غير إقامة العدل الواجب. وما عليه إذا تناسى تفاصيل الفعل: هل الفاعل محصن يستحق القتل؟ أم غير محصن لا يستحق غير الجلد. وهل القتل في حد الزنا ينفذ شنقاً؟ أم رجماً؟ فهذه إجراءات يفترض في الحكومة الإسلامية أن تنفذها على الصورة المحددة شرعاً دون سواها. لم يكتف الدباغ بهذا حتى وصف الفعلة بأنهم أفغانيون، أي سنة كما يتبادر إلى الذهن، وذلك استنفاداً للطاقة في استغلال الحدث إلى آخر قطرة. ثم صاغ الحدث صياغة، أضاف فيها بعض التوابل والبهارات، وأضفى عليها بعض التفاصيل التي توحي بصدقه فقال: إن الجناة ستة: ألقي القبض على خمسة منهم بينما هرب السادس.
وأنا أهنئ الدباغ على هذه القدرة العجيبة على دبغ الحدث أولاً! وأحسده على علاقته الحميمة بإيران ثانياً، بحيث لم يحتج إلى أكثر من سويعات معدودة لجلب كل هذه التفاصيل منها! (بيني وبينك: التفاصيل جرى تصنيعها محلياً، دونما حاجة إلى الاستيراد من الخارج).
هذا والحدث مسروق
أما أنا فأؤيد الدباغ في أن الحكومة الإيرانية هي صاحبة الفعل. ولكنها ارتكبته في حق إخواننا العرب في الأحواز السليبة. بالطريقة التقليدية المعتادة لديها في أسلوب تنفيذ الإعدام فيهم. وأرجو من المشاهد أن يدقق في حالة الضحايا في اللحظات الأخيرة قبل التنفيذ. إنهم يستقبلون الموت برباطة جأش، وثبات قلب لا تكون إلا للقلائل أصحاب القضايا العادلة. رأيت اثنين منهم – وربما جميعهم فعل هذا – يضعون حلقة حبل المشنقة في رقابهم بأيديهم دونما تردد أو خوف، كأنهم يرتدون ربطات عنق في احتفال بهيج. ويتحدثون مع بعضهم، ويقفون بثبات نادر كأنني أرى فيهم الرئيس صدام يوم واجه الموت وحده بين أولئك الأقزام. إن هذا المشهد البطولي يدل بوضوح على أن هؤلاء الذين أعدموا واجهوا الموت في سبيل قضية سامية بالنسبة لديهم، هي التي منحتهم هذا التماسك أمام أكبر وأصعب تحدٍّ يواجهه الإنسان في حياته.. الموت! وليسوا هم مجموعة صعاليك صائعين، انتهكوا عرض فتاة، لا يختلف الجاني عن غيره في أن ما فعلوه بها جريمة بشعة، أصحابها في أدنى درجات الوضاعة والسفالة. فمن أين يستمدون – والحالة هذه – مثل هذا الثبات والتماسك النفسي النادر العجيب؟!
انظر كيف استغل الشيعة كل طرف منهم الحدث لصالحه؟! وفسره بالطريقة التي تحلو له؟! واستثمره ضد خصمه؟! جيش المهدي نسب الضحايا إلى نفسه؛ استغلالاً لمبدأ “المظلومية”، الذي يعتاش عليه الشيعة منذ أن كانوا، وما زالوا. والناطق الحكومي استغله كما بينته في السطور السابقة!
ألم أقل لك: إنهم أساتذة هذا الفن؟ وفرسان الميدان؟
بقي أن أقول: أين نحن من الأحداث التي تعصف بنا: صناعةً واستغلالاً؟ وإذا كان الأستاذ محمد قطب يقول: “اليهود لا يصنعون الأحداث، وإنما يستغلونها”، فأنا أقول ومن سنين عديدة: نحن لا نصنع الحدث، ولا نحسن استغلاله. فهل – بعد كل الذي حل بنا – ثمة بارقة أمل تكذبني؟ وحالة جديدة تؤملني؟
أيها القوم..! عودوا إلى وعيكم. وراجعوا أنفسكم . وأسرعوا وسارعوا؛ فمن لم يسبق
الأحداث، سبقه الأحداث.