مقالات

التعايش بين أهل السنة والشيعة .. رؤية موضوعية واقعية (1)

taaysh

مجموعة من المسافرين في رحبة للسيارات ينتظرون سيارة تقلهم إلى مدينة بينهم وبينها طريق طويل يخترق صحراء خالية. بين المسافرين عصابة قوية مسلحة لها تأريخ معروف بالقتل والتسليب. اختلى أحد المسافرين بمجموعة من رفاقه لُيسر إليهم قائلاً:

– تعلمون أن بين المسافرين عصابة؟ قالوا:

– نعم، وقبل أيام قاموا بسلب بعض المسافرين من قبيلتنا وقتل بعضهم. (قال):

– فكيف نأمن على حياتنا معهم؟ (فقال البعض):

– ليس كل المسافرين من هذه العصابة. بل فيهم أناس طيبون لا يرضون بالشر. (قال):

– ولكنهم، رغم طيبتهم، لن يغنوا عنا شيئاً لو أرادت العصابة الاعتداء علينا، كما لم يفعلوا شيئاً في المرة السابقة. فهم ضعفاء، وغير مسلحين، والأمر بيد العصابة. (قال البعض):

– كلامك هذا يعني أنك تقول لنا لا تركبوا معهم. فكيف نصل ولا سيارة أخرى، والوقت محرج؟ (قال):

– إن كان لا بد من الركوب معاً في سيارة واحدة، فهل يعني هذا أننا نستسلم لقدرنا هكذا قبل أن نحاول فعل شيء ندفع به غائلة هؤلاء، أو نوفر الاحتياط اللازم؟ (قالوا):

– مثل أيش؟ (قال):

– لا نركب حتى نصطحب معنا أسلحتنا نحمي بها أنفسنا، ونحمي بها بقية المسافرين. وترانا العصابة فتهابنا؛ فتسلم السيارة بمن فيها. وإن تجرأ أحدهم أو بعضهم نكون قد تهيأنا فنحسم المعركة بأقل الخسائر.

وهنا انقسم الرفاق فمنهم من قال:

– أنت تريد إثارة فتنة. (ومنهم من قال):

– ألم تعلم أن أفراد العصابة أعلنوا أن ما حصل في المرة السابقة هو من فعل بعض الجهلة منهم، وأنهم غير راضين بما حصل، ووعدوا بعدم تكراره. (ومنهم من ظل يردد):

– ليس كل المسافرين من العصابة. (ومنهم من وافق الأول فقال):

– يا جماعة نحن أمام مغامرة ربما تزهق فيها أرواحنا، ويضيع بها أولادنا وأزواجنا، فما الذي نخسره لو أخذنا بالحزم وتحوطنا للأمر، فاصطحبنا سلاحنا معنا. القوة هي الضمان الوحيد للبقاء والاستمرار مع هؤلاء. والله لن نركب مع هذه العصابة في سيارة واحدة ما دمنا غير مسلحين، ولو اضطررنا إلى الانتظار حتى نجد سيارة أخرى آمنة.

والآن أخبرني: مَن مِِن هؤلاء أقرب للحق والحقيقة، وأعرف بالمصلحة؟

هذه هي صورة المشهد (السني – الشيعي) في العراق اليوم، مع محاولة تقريب الصورة، واختصار الأبعاد إلى أقصى حد ممكن.

قضية حية ساخنة

إن (التعايش بين السنة والشيعة) قضية حية ساخنة تفرض نفسها على مكونات حديثنا في المجالس العامة والخاصة، الرسمية والشعبية وغيرها. وكثيراً ما يقال في أوساطنا السنية: إن الشيعة طائفة كبيرة في العراق، يستحيل علينا أن نتجاهلهم، أو نلغيهم من الوجود؛ فلا بد على كل حال من التعايش معهم، والتفاهم مع عقلائهم. يقال هذا رغم أني لم أجد أحداً ممن يناقش هذا الموضوع الخطير دعا إلى إلغاء الشيعة أو تجاهلهم حلاً للأزمة، أو يعتقد أن ذلك ممكن واقعاً. وغاية ما يقال هنا هو: إن كان التعايش بين الطائفتين لا بد منه، فلا يعني هذا أننا نقبل به على أية حال. حتى لو كانت حال الإقصاء والتهميش وسلب الحقوق، وحال الذل والمسكنة والهوان. أو نجبر على دخول الساحة كالعميان، دون أخذ العدة، وتوفير الشروط اللازمة لصحة الأمر وثباته ودوامه. لاسيما بعد الثمن الغالي الذي دفعناه من دمائنا وأموالنا وأمننا وخبزنا وعزة بلدنا. وبعد التجربة القاسية التي اكتوينا بنارها، وظهر في حريقها الكثير الكثير من الخفايا التي كان يتستر عليها من قبل، ويراد لها أن تستر بعد أن نال الذئب مبتغاه، ثم هو يبغي اليوم أن يظهر بمظهر الحمل الوديع.

من خلال هذه الصورة الشمولية يبدو لك أن ذلك القول المكرر ما هو إلا هروب من الحل، أو قفز على المشكلة، ومحاولة (حلها) بعدم مواجهتها؛ تنصلاً من تحمل تبعات الحل الحقيقي، وروغوان عن دفع ثمنه.

القول بمبدأ التعايش هكذا على علاته هو من هذا النوع من (الحلول).

إن البعض يتطير من محاولة رؤية الأمور على ما هي عليه؛ متحججاً أنها تعني إلغاء مبدأ التعايش. مع أنه لو تريث قليلاً، أو تخلص من بعض العوائق النفسية، لوجد الأمر على العكس مما يظن أو يقول. إن الرؤية الواضحة ترصن الحل وتثبته؛ وتجعله قائماً على ركن ركين، ومبنياً على أساس مكين. أما تلك (الحلول) والتصورات القائمة على المجاملات والأمنيات الحالمة في واقع ينضح بالخطر، فلن تجدينا شيئاً سوى أنها تصرف وجوهنا برهة من الوقت عن الحقيقة المزعجة، التي لا نريد مواجهتها لأنها تزعجنا، فنتخفف منها بالهروب إلى عالم الأحلام الجميلة، والأوهام اللذيذة بعيداً عن شمس الحقيقة اللافحة. فيكون مثلنا كمثل الذي يستعين بحقنة المخدرات عن التفكير الجدي بعلاج مرض خطير يغزو جسمه، ويهد كيانه. فلا يزداد إلا تردياً وسوءاً. ولا بد له يوماً من مواجهة المصير المزعج، كما واجهناه بعد أن كنا نتعامل معه بالمسكنات وحقن المخدرات فلم تغن عنا شيئاً.

نحن أمام أزمة حقيقية

وعلى هذا الأساس نقول:

إننا أمام أزمة حقيقية، لا يمكن تخطيها بإهمالها أو التغافل عنها، أو اللف والدوران حولها، أو بالهروب من مواجهتها. وأقول: (حقيقية) للأسباب الأربعة الآتية:

  1. العقيدة الشيعية (وأهمها الإمامة والتقليد)

2. العقد النفسية في الشخصية الشيعية

3. آثار العقدة والعقيدة على الواقع

4. دور العلماء والدعاة الشيعة في شحن جماهيرهم ضد الآخر

  1. العقيدة الدينية

أخطر ما في هذه العقيدة فقرتان: أ. (الإمامة) ب. (التقليد).

  1. خطورة عقيدة (الإمامة) على التعايش

تكمن في عقيدة (الإمامة) المخاطر التالية على التعايش بين الشيعة وأهل السنة:

  1. فهي عقيدة يكفر الشيعة على أساسها كل مسلم لا يعتقد بها، أو خالف في الاعتقاد بـ(إمامة) واحد ممن يعتقدون بـ(إمامتهم)؛ لأن (الإمامة) عندهم كالنبوة، و(الأئمة) كالأنبياء عليهم السلام. بل هي أعلى مرتبة، و(الأئمة) أفضل من الأنبياء سوى نبينا محمد . وهذا كله مصرح به نصاً في مصادرهم وألسنة علمائهم وعوامهم، قديماً وحديثاً.
  2. وهي عقيدة اجتثاثية سرطانية السلوك: لا تكتفي بتكفيرنا، حتى توجب قتلنا وسلب حقوقنا وأموالنا، ومزاحمتنا وحرماننا من كل شيء، متى ما قدروا على أي شيء من ذلك، ولو غيلة. وهنا مكمن الخطر؛ لأنها تجعل من الشيعي شخصاً يتعبد ويتدين بعدم التعايش معنا.
  3. وهي للسببين السابقين عقيدة تقبل المحتل، وتجعل نفسية صاحبها قابلة للاستعمار؛ لأنها تعميه تماماً عن رؤية الفرق بين الكافر الغازي والآخر (السني)، بل تجعل الثاني أخطر وأولى بالحرب. ولهم مقولة يشيعونها عند كل تهديد خارجي هي: (الكافر العادل خير من المسلم الجائر). وحسب اعتقاد الشيعة فإن كل مسلم جائر؛ لعدم إيمانه بـ(الإمامة). وحركة التاريخ عندهم تخضع لهذه المعادلة الجائرة. تسندها نفسية اضطهادية. فهم على الدوام يشعرون بالظلم والجور من شركائهم، ويتطلعون إلى الخلاص منهم على يد غيرهم.
  4. خطورة التقليد

وأما التقليد فيجعل الشيعي – من الناحية الاعتقادية – مرتبطاً بالفقيه ارتباطاً غير قابل للانفصام. ويتبعه اتباعاً أعمى لا يقبل الاعتراض. وهذا منصوص عليه في مصادرهم المعتمدة، ومنها كتاب (عقائد الشيعة) الذي يدرس في المراحل الأولى لحوزة النجف وقم. ففيه وغيره يرد هذا النص: (عقيدتنا في المجتهد الجامع للشرئط انه نائب عام للإمام (ع) في حال غيبته وهو الحاكم والرئيس المطلق له ما للإمام في الفصل في القضايا والحكومة بين الناس والراد عليه راد على الإمام والراد على الإمام راد على الله وهو على حد الشرك بالله)([1]). وإذا علمت أن الفقيه أو المجتهد في الغالب فارسي عجمي، أو هو عربي لكنه مستعجم، وهؤلاء يسعون دوماً وبشتى الطرق والوسائل الصريحة والإيحائية لعزل الشيعة عن مجتمعهم، وربطهم بالعدوة إيران، ويشحنونهم دوماً بالحقد على مواطنيهم من العرب والمسلمين والتربص بهم للثأر منهم: أدركت أن هذا سبب رئيس من أسباب الفرقة، وعقبة حقيقية في وجه التعايش. ما لم نتعامل معها كحقيقة واقعة، ونضع لها العلاج الناجع لن نصل إلى الغاية المنشودة.

  1. العقد النفسية

العقد النفسية التي تعاني منها الشخصية الشيعية ويأتي على رأسها عقدة النقص والاضطهاد والشك، التي تجعل النفس الشيعية معبأة بالحقد، تغلي برغبة الانتقام، مطبوعة على الشك وعدم الاطمئنان إلى كل جهد طيب ونية حسنة لدى الآخر. وهذه مجتمعة تمنع الشيعي من التعايش مع الآخر؛ لأنها تعدم عنده إرادة ذلك من الأساس، وتجعل فكره محصوراً في كيفية طرده وإزاحته، أو تهميشه ومزاحمته والسيطرة عليه.

___________________________________________________________________________________________

  1. – عقائد الإمامية الاثنى عشرية للزنجاني ، ص124، وعقائد الشيعة لمحمد رضا المظفر ، ص9 .

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى