اختراق أم اتفاق ……… أمني ؟
تفجير مبنى مجلس محافظة صلاح الدين
عند ظهر يوم أمس (الثلاثاء 29/3) وصلتني رسالة من سامراء تقول: إن مبنى مجلس محافظة صلاح الدين تعرض لهجوم مسلح كبير، والأخبار ما زالت مبهمة.
هُرِعتُ إلى التلفاز لأستطلع جلية الخبر! لكن التفاصيل لم تتبين إلا بعد ساعات. ورجعت مذهولاً من هول الكارثة، أعجب من جهل الجاهلين وجرم المجرمين! حزيناً على حال العراقيين وما يحل بهم، وعلى أبرياء فقدوا وآخرين أصيبوا، ويزداد الحزن،، وينغر الجرح، ويعمق الأسى؛ فبعض الذين قتلوا أعرفهم، أعزاء شرفاء، لهم مواقف تعنو لها الجباه، تصلح أن تكون أوسمة على الصفحات الأُولى من تاريخنا المجيد.
أفادت الأنباء في وسائل الإعلام المختلفة أن مجموعة مسلحة يبلغ عددها حوالي (10) أفراد، ترتدي الزي العسكري الرسمي، بعضها يتمنطق بأحزمة ناسفة، اقتحمت مبنى محافظة صلاح الدين، واحتلته قرابة منتصف النهار اثناء اجتماع للمجلس وأطلق عناصرها النار داخله، كما اشتبكوا مع قوات حرس المقر واحتجزوا عدداً من الرهائن، ثم انفجرت أثناء الاشتباك سيارة مفخخة تركها المسلحون أمام المقر. وسقط عدد من الأشخاص بين قتيل وجريح بينهم نائب المحافظ وخمسة من معاونيه. ويقال إن غالبية الذين سقطوا هم من القوات الأمنية التي اقتحمت مبنى المجلس لتحرير الرهائن المحتجزين فيه. وفي تفاصيل لاحقة ذكر أن ثلاثة (وبعضهم قال: ستة) من المهاجمين فجروا أنفسهم بأحزمة ناسفة ما أدى إلى سقوط مزيد من القتلى والجرحى بين الموظفين والمراجعين من المدنيين! وكان من بين الضحايا الصحفي صباح البازي مراسل قناة العربية، وهو في الوقت نفسه يعمل مراسلاً لوكالة رويترز.
فرضت السلطات المحلية حظراً للتجوال في عموم المدينة، واستدعت القوات الخاصة التابعة للفرقة الرابعة من الجيش العراقي التي اقتحمت المبنى بمشاركة قوات أميركية, طبقا لمصادر أمنية, وذلك بعد أربع ساعات من اقتحامه من قبل المسلحين. وقال قائد القوات البرية العراقية الفريق الركن علي غيدان في تصريحات صحفية إن المسلحين لم يجروا أي اتصالات مع الأجهزة الأمنية، ونفى أن تكون هناك مطالب معينة تقدموا بها. وفي خبر يثير الشك ذكر ضابط في الأجهزة الأمنية – فضل عدم ذكر اسمه – في اتصال هاتفي مع الجزيرة نت، أن قوة أمنية كبيرة اقتحمت المبنى وقتلت جميع الموجودين داخله، ورجح أن المسلحين قد فجروا أنفسهم بعد سماع دوي انفجارات عنيفة مع بدء عملية الاقتحام من قبل الأجهزة الأمنية.
أخيراً – ومن تجميع بعض الأخبار على بعضها – وصل عدد القتلى إلى ما يقرب من سبعين شخصاً، والجرحى تجاوز المئة!!! ومن بين القتلى خمسة من أعضاء مجلس المحافظة، منهم مسؤول اللجنة الأمنية عبد الله جبارة، والدكتور واثق السامرائي ومهدي العران. كذلك العقيد عماد نوفان مدير شرطة النجدة في المحافظة ومعاونه اضافة الى ثلاثة ضباط اخرين، وعدد من الصحفيين. ومن بين الجرحى نائب محافظ صلاح الدين احمد شنداخ وخمسة من مرافقيه.
كيف حدث ما حدث ؟!!!
لنترك جزئيات وقائع الحدث، ولننظر فيما يلي:
- توقيت الحدث: في منتصف النهار.
- مكان الحدث: مقر الحكومة المحلية، فالمكان أكثر المناطق تحصيناً، ويعج بأنواع القوى الأمنية، المزودة – كما يفترض – بأحدث الوسائل المتطورة الكاشفة عن الأسلحة، وتكثر فيها السيطرات العسكرية ونقاط التفتيش. فكيف تمكن المهاجمون من اختراق كل هذه الحواجز بأسلحتهم المتنوعة دون أن تتمكن تلك القوى من كشفهم؟!
- المحافظة ترابط فيها الفرقة الرابعة للجيش (العراقي) المرتبطة مباشرة بنوري المالكي، أسوة بالرمادي وديالى والموصل. والمحافظات الأربع أشد المحافظات العراقية سخونة ورداءة أمنية، ما يشير بأصابع الاتهام إلى تورط فرق المالكي بمجريات الأحداث الكارثية فيها. وقد كشفت مظاهرات 25 شباط/فبراير الماضي على لسان محافظ الموصل أثيل النجيفي عن علاقة آمر الفرقة الثانية اللواء ناصر الغنام بأحداث القتل والحرق والشغب الذي حصل هناك.
لماذا مجلس المحافظة ؟
عند ربط أجزاء خريطة الأحداث ببعضها، والرجوع قليلاً إلى الوراء، إلى زمان تداعيات أحداث المظاهرات الأخيرة وما جرى في سامراء من مطالبات أهلها الحكومة بالكف عن المحاولات المكشوفة لتشييع المدينة، نجد أن مجلس محافظة صلاح الدين كان له دور كبير في إسناد مطاليب قضاء سامراء ضد حملة التشييع التي تقوم بها الحكومة.
أحد أعضاء مجلس المحافظة الدكتور واثق شاكر السامرائي، وقف موقفاً بطولياً يوم الجمعة الأولى من جمع المظاهرات، فقد أفادت مصادرنا من داخل مدينة سامراء أن قيادة العمليات العسكرية في المدينة فرضت حظراً للتجوال قبل صلاة الجمعة، وقامت عناصر من الشرطة التابعة للعميد رعد بحصر الناس القادمين من حي المعلمين والاحياء المجاورة، ووضع الحواجز أمامهم وتهديدهم بالضرب بالنار، فتحاشت الجموع التقدم خوفاً من القتل وظلوا محصورين حتى جاء عضو مجلس المحافظة د. واثق شاكر، فقام بخرق الحاجز وصرخ بوجه الجنود قائلاً بأعلى صوته: “اضربوني إن شئتم” وتقدم فتبعه الناس الى ان وصلوا الجامع الكبير وأدوا الصلاة، ثم انطلقت من بعدها المظاهرات في أرجاء المدينة.
فإذا علمنا أن علماء الشيعة يصرحون بأن تحرير سامراء من أيدي السنة أولى من تحرير بيت المقدس من اليهود، أدركنا ماذا يعني الوقوف في وجه المخطط الحكومي لتشييع سامراء لدى الحكومة الشيعية وإيران. هل توقفت أمام هذه العبارة التي جاءت على لسان ضابط في الأجهزة الأمنية – فضل عدم ذكر اسمه – في اتصال هاتفي مع (الجزيرة نت): “أن قوة أمنية كبيرة اقتحمت المبنى وقتلت جميع الموجودين داخله”([1])؟!
لا أريد أن أتساءل عن سر التعتيم الإعلامي العربي على هذه الأحداث الدموية الهائلة في العراق، خذ على سبيل المثال أن شريط الأخبار في قناة العربية ليس فيه شيء عن هذا الحدث الكبير سوى خبر عن مقتل مراسلها صباح البازي، وربما لولا أن الفقيد يعمل مراسلاً لديها لما تطرقت إلى ما حصل بشيء!
إنما أريد أن أسأل: هل ما حدث هو نتيجة اختراق أمني كما قالت أجهزة الحكومة؟ أم هو ثمرة فعل تم الاتفاق عليه بين جهات إجرامية حكومية وعبثية تجمعها عقيدة تكفيرية واحدة ولكن باتجاهين مختلفين؟
_________________________________________________________________________________
- – ارجع إلى الرابط التالي:
http://www.aljazeera.net/Mob/Templates/Postings/NewsDetailedPage.aspx?GUID=BDD46369-235E-452C-9B6B-B150621A9D7F ↑