عند باب المسجد بعد صلاة العصر يوم الاثنين الماضي التقيت (أبا عمر).. أحد الأصدقاء من سوريا الشقيقة، وكان من عادته كلما التقينا أن يسألني عن آخر أخبار الشيعة في العراق والمنطقة، ورأيي فيها. قال:
“ما قولك في ما حصل في البحرين اليوم”؟
كنت في أشغال متتابعة اليومين الماضيين عن متابعة الأخبار إلا لماماً. فقلت مستفهماً ومتوقعاً أن شيئاً ما غير عادي قد حدث:
- “أيش حصل اليوم؟ هل من جديد”؟
قال:
- “هجوم غوغاء الشيعة على الجامعة”!
وقبل أن يكمل كلامه قاطعته قائلاً:
- “ممتاز! هذا – وإن كنا لا نرضاه ولا نتمناه – سيعجل بنهايتهم. العرب تقول: (إذا أرادت النملة أن تموت دعت الله أن ينبت لها أجنحة). قبل أكثر من عشرين عاماً بدأنا نحذر من خطر إيران وشيعتها في بلادنا. وشيئاً فشيئاً صار يتضح أمامنا عمق الخطر وجذوره وامتداده، وبتنا على شبه يقين أن هذا الخطر سيكون هو القضية الأولى القادمة، ليس في العراق فحسب وإنما في المنطقة كلها. وسيغطي على خطر أمريكا واليهود، وهذه هي الحقيقة، وعندها ستكون نهايتهم؛ لأن الجميع سيتحد ضدهم، والشيعة لحماقتهم لا يدركون هذا، ولا يستشعرون لغرورهم أنهم ليسوا على قدر المواجهة، فيقعون في الفخ المنتظر بإذن الله تعالى. فدعهم وما يغوغئون”.
ضحك صاحبي وقال:
- “هل سمعت أن قوة من درع الجزيرة تحركت من السعودية ودخلت البحرين”؟
فأردفت مبتهجاً:
- “لا والله ما سمعت!
ها ؟ أما قلت لك قبل لحظات ؟! الحمد لله، هذا هو الحل. هؤلاء لا يعرفون غير لغة القوة، وهم دائما يجلبون المصائب على أنفسهم”.
ودعت صاحبي وأنا فرح. عدت بعد صلاة العشاء إلى البيت لأمتع ناظري بمشاهد أرتال العجلات العسكرية وهي تتوالى من المملكة السعودية إلى مملكة البحرين، يطرز المشهد منظر البحر الرائع.. بحر الخليج العربي الحبيب.
ما الذي يجري في البحرين
الشيعة في كل بلد يشكلون بطبيعة “عقيدتهم وعقدتهم” ظاهرة (دولة داخل دولة). وهذا يسبب خلخلخلة في الأوضاع السياسية والاجتماعية، تؤدي حتماً – عاجلاً أو آجلاً – إلى التصادم والاحتراب بين الفريقين أو (الدولتين). وهكذا في سلسلة ودوامة من الفتن والقلاقل لا تنتهي أبداً ما دام الفريق السني يهرب من تشخيص المشكلة الحقيقية، ويعتبر الشيعة مواطنين عاديين حالهم كحال بقية الشركاء في الوطن.
في البحرين يمكن رصد هذه الظاهرة دون صعوبة. يساعد على بروزها عدة عوامل، منها: كثافة التواجد الشيعي في البلد، فنسبة الشيعة هناك، وإن كانت تقل عن نسبة السنة، لكنها تقاربها. ومنها قربها من جارة السوء إيران. ومنها أن أصول كثير من الشيعة البحرينيين إيرانية وليست عربية.
أطلق الشيعة مظاهراتهم هناك بدعوى “المظلومية”، والمطالبة بالحقوق المهضومة، وادعوا أن مسيراتهم سلمية. ثم ارتفعت أصواتهم بالصراخ أن مجازر ارتكبت ضدهم من قبل القوى الأمنية.
لا شك بأن الحقيقة غير ذلك، وهي في جزئها الأكبر معكوسة تماماً. لقد نقلت كاميرات التلفزة حالات عديدة من الاعتداء الوحشي والتخريب قام بها المتظاهرون على المواطنين والشرطة والمؤسسات. وفي لقطة لا تزول من البال على قناة (وصال) الفضائية شاهدنا سيارة تدهس شرطياً ساقطاً على الأرض، تبعتها سيارة أخرى لتدهسه معها، ثم دارت السيارة الأولى دورة كاملة لتعود وتدهسه ثانية! في عمل يعبر عن حقد دفين وشذوذ نفسي سادي، ولا عجب؛ فالحقد عند الشيعة عقدة متأصلة في نسيج التركيبة النفسية، والمظلومية ليست واقعاً معاشاً، وإنما هي آيدلوجيا تسندها عقيدة وعقدة. وإذا أردت دليلاً سريعاً فالشيعة يعتبرون أول ظالم لهم هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه. بمعنى أنه لو كان الشيعة تحت حكم الصديق والفاروق لاتهموهم بالظلم، وصرخوا بالمظلومية!
دعوة ولي عهد البحرين إلى الحوار ذهبت أدراج الرياح، وقد جوبهت من قبل جمعيات الشيعة السياسية بالرفض، ترافق ذلك بوضع شروط تعجيزية.
تبين من الشعارات وصور الخميني و(الولي الفقيه) وأعلام إيران المرفوعة، وبعضهم طالب بـ(جمهورية إسلامية في البحرين)، ومن التصرفات الرعناء التي ارتكبها المتظاهرون وعمليات القتل والتخريب.. تبين بجلاء أن القوم سادرون في غيهم، وأن بغيتهم ليس الإصلاح، وإنما إقامة نظام طائفي شيعي تابع لإيران أو مندمج معها. وعندها سيحصل لسنة البحرين ما حصل لسنة العراق أو أشد!
ضربة معلم
دخول القوات السعودية إلى البحرين يوم الاثنين الماضي بالتزامن مع قوات إماراتية، تبعتها قوات أخرى من بقية دول مجلس تعاون الخليج العربي بطلب من الحكومة البحرينية تحت مظلة (درع الجزيرة) كانت “ضربة معلم”، لم تكن في حسبان إيران التي تخطط لتسيد المنطقة وملء الفراغ بعد الانسحاب الأمريكي الوشيك من العراق، فصارت في موقف لا تحسد عليه؛ فهي أمام خيارين أحلاهما مر: إما التدخل العسكري المباشر، وهذا له عواقب وخيمة لا قبل لها بها قد تأتي على النظام نفسه، وإما الوقوف مكتوفة الأيدي أمام بروز قوة جديدة في المنطقة أثبتت اليوم أنها غادرت ذلك الزمن الذي كانت فيه تتبع سياسة الاحتواء والتعايش مع المشكلة والتهدئة على طول الخط. وهذا سينعكس سلباً على قدرة إيران على إثارة عملائها في المنطقة لخلخلة الاستقرار في الدول السنية المجاورة. فلم يكن لديها من خيار سوى الزعيق والاحتجاج على ما وصفته بالمجازر التي ترتكبها السلطات بحق المتظاهرين ودخول قوات أجنبية إلى المملكة. ندد الرئيس محمود أحمدي نجاد بما وصفه بالغزو العسكري للبحرين! كما استدعت وزارة الخارجية الإيرانية يوم الأربعاء سفيرها في البحرين مهدي آغا جعفري. وقال علي أكبر صالحي وزير الخارجية الإيراني: إن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي في حال أي تدخل سعودي لإبادة الشيعة في البحرين. اللطيف في الأمر أن المعارضة الشيعية وصفت ما حدث بأنه حرب إبادة.
في خطوة جريئة قامت السلطات البحرينية باعتقال أربعة من زعماء المعارضة، وأعلن الجيش منع التجمهر والتجمع أو عقد المسيرات أو الاعتصامات في كافة أنحاء البحرين.
صدمة الشيعة خارج البحرين
صدم الشيعة في الخارج مما جرى في البحرين!
وهذا أول الغيث، وستتبعه صدمات وصدمات بإذن الله جل وعلا حتى يعودوا إلى جحورهم، ويدركوا حجمهم الذي هم عليه، وما هم بمدركين لولا ذلك. فهاجوا وماجوا، وعلى رأسهم كبيرهم علي السيستاني، إذ دعا السلطات البحرينية إلى وقف العنف المستخدم ضد المواطنين الذين وصفهم بـ(العزل)!!! تبعه مقتدى الصدر ليدعو أتباعه للتظاهر مساندة لـ(الشعب البحريني). وشهد مجلس النواب العراقي احتجاجات شيعية صاخبة، ساندهم فيها بعض النواب السنة على طريقة (إذا نبح الكلب كان ذيله أشد اهتزازاً من رأسه).
الشيء نفسه حصل في لبنان إذ خرجت مظاهرة احتجاجية في بيروت ضمت قيادات حزبية و(رجال دين) سنة وشيعة. وحذر مركز القاهرة لحقوق الإنسان من أن أحداث البحرين من شأنها تهديد السلم الأهلي في ذلك البلد وتحويله إلى ساحة دموية ترتكب فيها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. ما يشير إلى ارتباط المركز بإيران.
في الكويت نظمت مظاهرة نسائية أمام السفارة البحرينية احتجاجا على (الإجراءات الصارمة) المتبعة ضد المحتجين. بينما قال النائب محمد هايف المطيري: إن إيران لها يد فى ما يحدث فى مملكة البحرين إذ تحرض عبر مسؤوليها بعض أفراد الشعب البحريني على الانقلاب على الشرعية المتمثلة بالأسرة الحاكمة البحرينية. وأعاد إلى الأذهان ما صرح به حسين شريعتمداري مستشار المرشد الأعلى علي خامنئى فى عام 2007 بأن البحرين محافظة إيرانية!
وفي مدينة القطيف شرقي السعودية نزل مئات من الشيعة إلى الشوارع تضامناً مع شيعة البحرين، مرددين هتافات: “البحرين حرة حرة، درع الجزيرة برة”!
هذا هو الحل
القوة هي الحل، وهذا أول بوادره. ثم يأتي من بعد ذلك الحوار. وهي طريقة ربانية أشار إليها القرآن العظيم في التعامل مع اليهود بقوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة : 63]. فكان الميثاق والحوار تحت التهديد بجبل الطور مرفوعاً فوق رؤوسهم.
نرجو أن تتطور الأمور أكثر بخطوات إصلاحية، نرى على رأسها:
- توحيد دول الخليج العربي، لا وحدة اندماجية، وإنما وحدة كونفدرالية تنبثق عنها هيئات عسكرية واقتصادية وسياسية مشتركة، وغيرها من الهيئات التي تجعل دول الخليج بمثابة دولة واحدة قوية ترهب كل من يطمع بتهديد جزء من أجزائها.
- تهجير كل من يثبت أن أصله إيراني وفي الوقت نفسه يثير الفتنة والقلاقل في البلد.
- عدم مكافأة المشاغبين بالعفو عنهم طمعاً في رجوعهم عن غيهم؛ فإن الشيعي لا يفهم مثل هذا التصرف إلا على أنه علامة ضعف تزيده لجاجة في عتوه ونفوره. ومن شواهد هذا القريبة قيام ملك البحرين خلال الأيام القليلة الماضية ضمن مساعي التهدئة وتشجيع الحوار بالعفو عن شبكة تنظيمية مسلحة كانت الأجهزة الأمنية البحرينية قد أعلنت في 13/8/2010 عن تفكيكها، تضم زعماء وأعضاء في حركات شيعية هي “حق” و “أحرار البحرين” في لندن، و”تيار الوفاء الإسلامي”. غير أن البلاد دخلت فور العفو عنهم في احتجاجات عنيفة ومشكلات من الفوضى والتخريب وتقويض الوحدة الوطنية وأحداث عنف وتخريب للممتلكات.
- يسند ذلك القيام بخطوات إصلاحية سياسية واقتصادية، وكذلك دينية واجتماعية، ونحن مستعدون لتقديم خبرتنا في هذا المجال؛ فإن لنا نحن (مؤسسة القادسية) في العراق تجربة في التعامل مع الشيعة هي أقدم وأعمق وأنضج التجارب في المنطقة، ولا غرو فإن العراق يمكن تمثيله بـ”مطبخ التشيع” من بين الدول جميعاً.