من دفتر الذكريات الأليمة (2)
اليوم الثالث عشر للحرب على العراق
هيأتها للنشر في 1/4/2011
اليوم هو 1/4/2003.. أي اليوم الثالث عشر للحرب.
في بعقوبة نحن الآن، وفي حي المعلمين تحديداً. أوينا إلى بيت يعود لشاب من عشيرة (المجَمَّع) اسمه (فراس)، في الصف الأخير من كلية الشريعة، وفي الأيام الأولى لزواجه، أخلاه من عائلته وتركه لنا بأثاثه القديم والجديد! فنزلناه ليلة أمس (الاثنين 31/3/2003) ونزل قريباً منا الأخ أبو ضياء في حجرة شبه منعزلة في باحة بيت لشاب يدعى أحمد الجنابي صهر الأخ المقدم المتقاعد (ن ج)، على أن يلحق بنا ليسكن معي في البيت نفسه الأخ أبو إبراهيم هذا اليوم. لنكون ثلاث عوائل في بيت واحد: عائلتيّ الاثنتين، وعائلة صديقي أبي إبراهيم. وما زالت الحرب تدور مِطحنتها، والقصف على بغداد يشتد، والضحايا من المدنيين يتساقطون.
المقاومة كذلك تشتد من قبل الجيش وفدائيي صدام ومليشيات الحزب يسندهم الحرس الجمهوري الذي بدأ ينجر شيئاً فشيئاً إلى ساحة المعركة، وصار ينتشر في البساتين المجاورة للمدن يتخفى بين أشجارها، وفي داخل المدن نفسها يحتمي بين بيوتها، وهذا يشكل خطورة كبيرة على المدنيين؛ فرأيت من الأسلم أن أرحِّل الأهل خارج منطقتنا حذراً من أن تتحول إلى ميدان للقتال.
الأمور ما زال فيها بصيص أمل؛ فالعدو إلى الآن لم يجرؤ على أن يدخل مدينة من المدن الكبرى مثل البصرة أو الناصرية أو كربلاء سوى بعض الإنزالات لقوات محمولة جواً هنا وهناك، والتي تمنى عادةً بالفشل.
أخبار عن احتلال مدينة أبو الخصيب في البصرة سمعناها من بعض الإذاعات العربية والأجنبية كإذاعة لندن ومونتي كارلو. وهي إذاعات تمتاز بالتعتيم الإعلامي والمغالطات وإطلاق الأكاذيب، وقد احتشدت لخدمة الحلفاء. في الوقت الذي منعت القوات الغازية وسائل الإعلام المدنية فيه من متابعة سير المعارك وأحداث القتال. وتصريحات العدو لا تكاد تعترف بخسائر، إلا خسائر طفيفة يقولون عنها في الأغلب: إنها حدثت عن طريق الخطأ!
قلت: نعم.. صدقوا؛ لأنهم يسيرون في الطريق الخطأ، فلا بد أن تكون خسائرهم بطريق الخطأ أيضاً.
في معارك الصحراء حول النجف تكبد العدو على يد الجيش خسائر فادحة من القتلى والأسرى. وقد أخبرني مصدر أثق به يوم الأحد الماضي أن عدد الأسرى الذين جلبوا إلى بغداد وصل إلى (450) أسيراً، لكن العراق لم يعلن عنهم لأسباب سياسية.
السفن الحربية الصليبية ما زالت قوافلها تترى عبر قناة السويس! تقول الحكومة المصرية: إن قناة السويس ممر دولي لا نملك حق التصرف فيه طبقاً لمعاهدة القسطنطينية!
قبل أربعة أيام قام أحد الجنود العراقيين – وهو نائب ضابط في الجيش – بتفجير سيارة صغيرة كان بداخلها في وسط دبابات وآليات مهاجمة فدمر – حسب البيان العراقي – دبابتين وناقلتين وقتل أحد عشر جندياً، اعترف العدو بمقتل أربعة فقط منهم، وصار يصرخ بوقاحة: هذا إرهاب مخالف لقواعد الحرب! ولا أدري عن أي قواعد وتقاليد وأخلاقيات يتحدثون؟!
خمسة آلاف متطوع عربي ومسلم دخلوا العراق حسبما أعلن وزير الخارجية العراقي، ومكتب لبنان لحزب البعث السوري فتح أبوابه لتسجيل المتطوعين. كما فتحت الحكومة العراقية سجلات بأسماء الاستشهاديين من العراقيين. سمعت يوم أول أمس أن مئة وخمسة وتسعين شخصاً من مدينة الثورة سجَّل اسمه ضمن تلك السجلات! يظهر أن المسألة دعائية. الشيعة في حالة ترقب وحذر، يخشون من التمرد لئلا يحصل لهم ما حصل في الحرب السابقة سنة 1991.
الأمل بالله تعالى لا بغيره. وذنوبنا كبيرة وكثيرة، فإن نصرنا فبفضله، وإن كانت الأخرى – فوالله – بعدله. ولله عاقبة الامور .
الثـلاثـاء
1/4/2003
بعقوبة/حي المعلمين