مقتلهم في حماقتهم (2)
الملف الأمني في محافظة الأنبار
لخص أجدادنا حكمة عظيمة في بيت من الشعر يقول:
ما يبلُغُ الأعداءُ من جاهلٍ ما يبلغُ الجاهلُ من نفسِهِ
ليس جهل الشيعة ناتجاً عن غباء؛ فعقولنا وعقولهم – من حيث الِخلقة – سواء. إنما عن خصلة متأصلة فيهم ألا وهي الحمق. وهذا يجعلهم دوماً يفقدون ما عليه يحصلون بعد بذل الجهد ودفع الأثمان.
من حماقات الشيعة التمادي في الإساءة متى ما وجدوا أنفسهم في لحظة ما القدرة على فعلها دون أن يضعوا في بالهم شيئاً اسمه النظر في العواقب. وهذا راجع إلى شخصيتهم السادو- ماسوشية، وإلى عقدة (الصفاقة) التي يتمتعون بها. بينما العاقل يضع في حسابه النظر في العواقب والمآلات؛ فالله تعالى علمه ذلك في آيات كثيرة منها قوله الشريف: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف:128). وغرس ذلك في خلقته وفطرته السليمة، ولذلك هو يقدم الآخرة على الدنيا: (وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى) (الضحى:4)
انظر إلى هذه الحماقة التي تتبدى صارخة من خلال هذه السطور:
تحملت محافظة الأنبار الثقل الأكبر من حمل الاحتلال وضريبة تحرير العراق. وبعد تقديم التضحيات الباهضة سبع سنين – وما زالت – لم تجد سنداً من الخارج يمكن أن يعين أبناءها على مقاومة عدو الداخل، ويمنحهم الطاقة للاستمرار أكثر لحصد نتائج مقاومتهم التي كانت موجهة لعدو الخارج. فكان لا بد لهم من أن يأخذوا نفساً، ويخففوا من سرعة حركتهم في ذلك الاتجاه من أجل إعادة الحسابات وترتيب الأوضاع، وربما تعديل مسار الحركة.
طيلة هذه المدة كان الشيعة – في عمومهم – يقفون مع المحتل ويبنون قوتهم في ظله ويتمددون في حضنه، حتى وصلوا إلى قلعة الأنبار، وقد كانوا من قبل لا يجرؤون حتى على دخول حي صغير من أحياء السنة كـ(حي البعث) في ناحية اللطيفية جنوبي بغداد!
هذا ما حصل باختصار شديد.
من آخر حماقاتهم
وهنا عاودتهم الحماقة فحدثتهم أنفسهم بالتسيد على السادة، وكما قال الشاعر:
إنَّ الزرازيرَ لما طارَ طائرُها توهمتْ أنها صارتْ شواهينا
فأرادوا تركيع الأنبار عن طريق القوات العسكرية والأمنية التابعة لنوري المالكي، وغيرها من الطرق. فخنقوا المدينة بتلك القوات، وتمادوا فصاروا يقتلون ويعتدون ويداهمون ويمتهنون كرامة الناس، ويستخدمون المغفلين والمنتفعين للقتل والتفجير. وتشن تلك القوات المسماة بـ(الاتحادية) حملات اعتقالات، بل تأتي قوات من خارج المحافظة تعتقل وتقتل من تشاء، دون علم المحافظة ولا الشرطة المحلية!
لم يكتفوا بذلك حتى طمحوا لأن يقننوا وجودهم العسكري ويجعلوه شرعياً باسم القانون، ولا عجب فنوري المالكي رئيس (دولة القانون).
آخر ما تفتقت عنه الحماقة الشيعية أن وجهت قيادة العمليات في الأنبار المرتبطة بالحكومة المركزية في بغداد كتاباً يطلب من قيادة الشرطة المحلية الارتباط بها، وعدم الارتباط بمجلس المحافظة. ووافقهم المحافظ على هذا الطلب! مع أن هذا مخالف للدستور وقانون مجالس المحافظات النافذ.
أثار هذا التمادي أهل الأنبار بكل شرائحهم، فعقد مجلس المحافظة برئاسة رئيس المجلس جاسم الحلبوسي جلسة طارئة، وصوتوا بالإجماع على رفض قرار الحكومة المركزية بارتباط الملف الأمني بقيادة عمليات الأنبار وليس بالشرطة المحلية. وقاد ذلك إلى تداعيات أُخرى من انعقاد مؤتمرات واجتماعات وتصريحات مسؤولين ونواب برلمان وشيوخ قبائل ووجهاء تركزت حول موضوعات مهمة نجملها بما يلي:
- تجاوز الصلاحيات الدستورية لمحافظة الانبار ومجلسها من قبل قيادة عمليات الأنبار (فرقة عسكرية شيعية تخضع مباشرة لقيادة المالكي، وتعمل ما تشاء في المحافظة ضاربة بالعرض كل الحدود والقوانين والأعراف والأخلاقيات).
- التجاوزات غير الدستورية التي تقوم بها قيادة العمليات والحكومة الاتحادية، والاعتقالات العشوائية، ودخول قوات من خارج المحافظة للقيام بعمليات الاعتقال.
- انتشار عناصر الجيش (الشيعي) في المدن، دون إذن المحافظ أو رئيس المجلس.
- عدم احترام قرارات مجلس المحافظة، من حيث تعيين القادة الامنيين ومديري المنافذ الحدودية. حيث أن تعيينهم من قبل الحكومة الاتحادية يعد خرقاً للدستور. ومن ذلك أن مجلس المحافظة قدم مقترحا لتعيين قائد أمني لمنفذ طريبيل خلفاً للقائد المقال من قبل الحكومة، إلا أن المجلس فوجئ بتعيين قائد امني من خارج المحافظة وبأمر من الحكومة الاتحادية دون الرجوع إلى المجلس.
- قيام قيادة العمليات باعتقال الأبرياء وإطلاق القتلة والمجرمين.
مظاهرات
ترافق ذلك بخروج تظاهرات في أحياء عديدة من الرمادي وبعض مدن المحافظة كالفلوجة للمطالبة بأمور عديدة منها إقالة قادة العمليات الامنية وخروج الجيش العراقي (الشيعي) من المحافظة، والغاء المخبر السري. اضافة الى مطالبة المحافظ بالعدول عن قراره بالتخلي عن الملف الامني. وتطور الأمر إلى خروج العشائر وقطعها الطريق القديم بين الرمادي وبغداد على إثر قيام الجيش باقتحام قرية السجارية وقتل أحد أبناء عشيرة البو فهد التي تشكل غالبية المنطقة وهو نقيب الشرطة حميد شهاب في منزله.
أعطت هذه الأنشطة والتحركات الحيوية لكل متابع انطباعاً بأن المحافظة تشهد وضعاً جديداً، وأنها على وشك انتفاضة تعيد لها هيبتها وتظهر صورتها الحقيقية. ولا نستبعد أن يعود أبناؤها إلى حمل السلاح من جديد في وجه الاحتلال الداخلي بعد أن حملوه في وجه الاحتلال الخارجي. وأنها بداية وضع قدم أهل السنة على الطريق الصحيح، طريق أن الشيعة شيعة ويبقون كذلك، ولا يمكن بحال أن ينظروا إلى الآخر بغير المنظار الطائفي التعسفي. وأن عقدة المظلومية يستحيل أن يُشفَوا منها قبل أن تصل بهم إلى غاياتهم الوهمية من سحق السنة وإذلالهم وإنهاء وجودهم. هذا هو الواقع، وهذه هي الحقيقة، وهذه هي العلة التي يأبى الشيعة إلا جر الجسد العراقي كله إليها، وهذا هو التشخيص، فليكن العلاج على هذا الأساس: هناك أزمة طائفية بل دينية – وهذا ما سيصلون إليه لاحقاً – (شيعية – سنية) عميقة لا يصح مواجهتها أو الظن بأن علاجها يكون بتجاهلها وعدم الاعتراف بها.
وهذه الخطوة المتقدمة وصل إليها الجمهور بنفسه بعيداً عن تخليطات نخبه المحنطة بمفاهيمها القديمة البالية.
الشيعة يتراجعون
على إثر ذلك قام الفريق علي غيدان قائد القوات البرية بزيارة الرمادي لتهدئة الأمور، وأعطى تنازلات كبيرة على رأسها تسليم ملف الامن الداخلي لقيادة شرطة المحافظة فيما تخرج قوات قيادة العمليات ووحدات الجيش من مدن الانبار وبشكل تدريجي وفق خطط يتم اعدادها من قبل الجيش والشرطة لهذا الغرض وتبقى قرب حدود المحافظة. لكنه جوبه برفض مطلق وتحد قوي وتهديد من العشائر. وأعلن مجلس عشائر الانبار أن زيارة قائد القوات البرية علي غيدان الى المحافظة زادت الامور تعقيداً، وقال المجلس: ان استمرار وجود قيادة عمليات الانبار في المحافظة هو تحد سافر لعشائر الانبار وابنائها وان اي حل لا يتضمن اخراج هذه القوات والغاءها بالكلية وجلاءها التام هو مناورة مكشوفة، وان كل من يتواطأ في استمرار هذا الوضع سيكون موضع ادانة.
لقد أيقظوا بحماقتهم المارد المستكين
أما قلت لكم: إن الشيعة حمقى؟!
أين هذا الوضع الجديد من وضع كانت فيه الناس ساكنة مستكينة شبه مستسلمة؟
لقد تجاوزوا قدرهم إلى حد لم يعد مسموحاً به، وها هي البوصلة التي تحدثنا عن فقدانها قبل أسابيع قليلة، بسبب الدوار الذي يعاني منه الربان، والتيه الذي عليه عموم قادتنا، بدأت تظهر للجمهور كي يحدد اتجاهه الصحيح نحو الهدف. هذا هو المطلوب. وإنها لمعركة بين الفرس والعرب.. بين المجوسية والإسلام، بين الشيعة الذي يحملون تراث الفرس وروث المجوس، والسنة الذي ورثوا مآثر أجدادهم وحملوا ميراث دينهم. ومشكلتنا في قيادات تغالط الحقيقة، وجمهور يعاني من مفاهيم قديمة. غير أن الحماقة الشيعية تأبى إلا أن توقظ هذا الجمهور وتسحبه بعيداً عن تلك المفاهيم البالية، والقيادات التائهة.
ثعالب تتجمع وأسد يتمطى
لقد فات الشيعة أن ما يمر به أهلنا في الأنبار ليس أكثر من (استراحة مقاتل). وأن الأسود هي الأسود حتى وإن تمددت في عرينها ساعة. ساعة جعلت الثعالب والضباع والسحالي تخرج من جحورها منتفخة متبجحة تظن أنها النهاية، وتتوهم أنها سيدة المكان، ناسية أن الجرذان مهما انتفخت فهي جرذان، وأن انتفاخها له حد لا يكون بعده غير الانفجار والخزي والشنار.