الضحك في زمن البكاء
د. طه حامد الدليمي
كثيراً ما لا يجد المرء أمامه إلا أن يضحك حيال مشهد مؤلم، فيه من التناقض والسفه ما فيه. أحياناً لا يكتفي حتى يقهقه ثم يضرب بكفيه إحداهما على الأُخرى. وأحياناً تستمر القهقهة وتتصل حتى ينقطع النفس، ليتكرر المشهد الحزين في موجات متلاحقة لا تنتهي حتى تعود؛ فنقول: لقد وصل الأمر حد الجنون.
وأنظر إلى ما تشهده الساحة السنية في العراق، فأرى من التناقض ما أرى! العنفوان ورعدة الجبان، والصحوة وتثاؤب الغفوة، والوعي واستشراء الغفلة، وغنى الجمهور وفقر القيادة، وتململ الضحية ودموع الجلاد، والمسير وفقدان البوصلة، وقرب الهدف والنكوص عنه، والتقدم وقيود التخلف، والعمائم وغياب الدين، والزعامات وفقدان القيادات، ووجود الفرصة مع حصاد الغصة والخيبة والخسارة وعظم التضحيات مع تفاهة النتائج.
وكمْ ذا بمصرَ من المُضحكاتِ ولكنَّهُ ضحكٌ كالبُكا
وإذا ما وصل التخبط والهوان وفساد الرأي بأهل السنة أن يشكوا أمرهم ويرفعوا مطالبهم إلى (أكابر مجرميها) وأخبث ماكريها فلا أجد أمامي للحفاظ على توازني وعقلي إلا أن أضحك، وقد أقهقه ألماً، مستعيذاً بالله جل جلاله من أن ينزل بنا غضبه أو يحُل علينا سخطه. وإلا فقل لي بربك كيف يستقبل سنة العراق مجرمي جيش المهدي وقادته وسطاء في سامراء والرمادي والموصل وغيرها من ربوعنا العزيزة؟ ويرضوا بأن يظهر مجرم كحاكم الزاملي على شاشات الفضاء يفتل عارضيه ويمسح شدقيه ويقول مخاطباً ذلك الجمهور العزيز في سامراء: “سنرفع مطالبكم إلى سماحة السيد مقتدى الصدر، وإلى مجلس النواب”؟!
أربٌّ يبولُ الثُّعلُبانُ برأسِهِ لقد ذلَّ من بالتْ عليه الثعالبُ
وأتذكر قول العزيز جل في علاه: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) (6)! ألا بئس العائذ وبئس المَعاذ!
هل بقي أحد من السنة، والشيعة كذلك، لم يعلم أن جيش المهدي بقيادة التيار الصدري وعلى رأسه كبيرهم الذي علمهم العهر، هم أكثر من أجرم بحق سنة العراق بكل أنواع وألوان وأشكال الجرائم، وتعدت جرائمهم العراق إلى سوريا ولبنان واليمن والبحرين والكويت؟
كل هذه الأفعال التي بلغت عنان السماء يُمسح عليها بجملتين نفاقيتين ملغومتين قالهما مقتدى! لقد ظننا أن زمن السذاجة والانخداع، والتملق والانبطاح – بعد كل الذي جرى – ولّى إلى غير رجعة. فإذا الحدث يفصح لنا عن أن المَلة ما زالت تحت الرماد، وأن الحيارى ما زالوا يقودون المسيرة!
فأي خبال؟ وأي جنون؟ وأي رقاعة؟ وأي سفاهة؟
قهقهات في مجلس عزاء
دعونا إخواني نقهقه مع ذلك المشهد الرقيع المجنون على إيقاع هذه الحكم الرائعة، لو كان لها حمَلة! التي صاغها أحمد شوقي شعراً على لسان الحيوان. حكم ترسم حقيقة المشهد السني في العراق، حتى كأن (كاميرا) قدرية تلتقط المشهد المستور وراء الحراك المنظور:
أَبو الحُصَينِ جالَ في السَفينَه يَقـولُ إِنَّ حالَـهُ ااستَحـالا لِكَونِ ما حَلَّ مِنَ المَصائِـبِ وَيُغلِـظُ الأَيمـانَ لِلدُيـوكِ بِأَنَّهُم إِن نَزَلوا فـي الأَرضِ قيلَ فَلَمّـا تَرَكـوا السَفينَـه حَتّى إِذا ما نَصَفوا الطَريقـا وَقالَ إِذ قالوا عَديـمُ الديـنِ فَإِنَّما نَحـنُ بَنـي الدَهـاءِ وَمَن تَخافُ أَن يَبيـعَ دينَـه |
فَعَرَفَ السَميـنَ وَالسَمينَـه وَإِنَّ مـا كـانَ قَديمـاً زالا مِن غَضَبِ اللَهِ عَلى الثَعالِبِ لِما عَسى يَبقى مِنَ الشُكوكِ يَرَونَ مِنهُ كُلَّ شَيءٍ يُرضي مَشى مَعَ السَمينِ وَالسَمينَـه لَم يُبقِ مِنهُم حَولَـهُ رَفيقـا لا عَجَبٌ إِن حَنَثَت يَمينـي نَعمَلُ فـي الشِـدَّةِ لِلرَخـاءِ تَكفيكَ مِنهُ صُحبَةُ السَفينَـه |
والضحك كثير لأن أسباب البكاء كثيرة ومثيرة، فأكتفي بواحدة كي لا ننزلق في الضحك والقهقهة أكثر فتتواصل حتى تبلغ الجنون:
بَينا ضِعافٌ مِن دَجاجِ الريفِ إِذ جاءَها هِندي كَبيرُ العُرفِ يَقولُ حَيّا اللَهُ ذي الوُجوهـا أَتَيتُكُم أَنشُـرُ فيكُـم فَضلـي وَكُـلُّ مـا عِندَكُـمُ حَـرامُ فَعاوَدَ الدَجـاجَ داءُ الطَيـشِ فَجالَ فيـهِ جَولَـةَ المَليـكِ وَباتَ تِلكَ اللَيلَـةَ السَعيـدَه وَباتَتِ الدَجـاجُ فـي أَمـانِ |
تَخطِرُ في بَيتٍ لَها طَريـفِ فَقامَ في البابِ قِيامَ الضَيـفِ وَلا أَراهـا أَبَـداً مَكروهـا يَوماً وَأَقضي بَينَكُم بِالعَـدلِ عَلَـيَّ إِلّا المـاءُ وَالمَـنـامُ وَفَتَحَت لِلعِلجِ بـابَ العُـشِّ يَدعو لِكُـلِّ فَرخَـةٍ وَديـكِ مُمَتَّعـاً بِــدارِهِ الجَـديـدَه تَحلُـمُ بِالـذِلَّـةِ وَالـهَـوانِ |
||
حَتّـى إِذا تَهَلَّـلَ الصَبـاحُ صاحَ بِها صاحِبُها الفَصيـحُ فَاِنتَبَهَت مِن نَومِها المَشـؤومِ تَقولُ ما تِلكَ الشُروط بَينَنـا فَضَحِكَ الهِندِيُّ حَتّى اِستَلقى مَتى مَلَكتُم أَلسُـنَ الأَربـابِ |
وَاِقتَبَسَت مِن نورِهِ الأَشبـاحُ يَقـولُ دامَ مَنزِلـي المَليـحُ مَذعورَةً مِن صَيحَةِ الغَشـومِ غَدَرتَنا وَاللَـهِ غَـدراً بَيِّنـا وَقالَ ما هَذا العَمى يا حَمقى قَد كانَ هَذا قَبلَ فَتحِ البـابِ |