حادث القطيف و ( المعجزة ) التي أبطلها ذرق
د. طه حامد الدليمي
في أواخر رمضان 1427 كنت في مهوى الأفئدة ومهبط الوحي أؤدي شعائر العمرة، ونقضي حقوقاً للقضية وجبت كما وجبت للعبادة حقوقها. وفي صباح الأول من شوال انطلقت من الفندق مع صديقي (أبو نزار) باتجاه الحرم الشريف كي نصلي العيد في رحابه الطاهرة. وجدنا مجلساً في آخر محيط الحرم مما يلي الجبل، وقعدنا هناك نتربص صوت الإمام بالصلاة.
كانت حمامات للحرم الحبيب في تلك اللحظات الشفيفة تحوّم في السماء فوق رؤوسنا. وصديقي (أبو نزار) ينظر إليها بشغف. كان شاباً شاعراً بالطبع وإن لم يقل الشعر، رقيق الحس، متدفق الشعور. وبينما هو لكذلك إذ التفت إليّ وقال:
- تدري؟! هذه الطيور مهما حلقت فوق هذه المنطقة فلن يذرق طائر منها على رأس أحد من المصلين.
ثم أردف قائلاً: معجزة!
وبادلته نظرة بنظرة لكنها باسمة، وضحكة قوية تكاد تنفجر عنها، لكنني استمسكت نفسي لأقول:
- تدري؟! معجزتك هذي تبطل بذرق!
نظر إليّ باستغراب، لكنه سرعان ما أدرك ما رميت إليه حين رآني أضحك، وضحك لكن بقوة، فتبعته بضحكة أقوى منها وأنا أقول: “عابت هيچ معجزة”!
يوم أمس امتلأت حسابات تويتر بالمغردين، وفيسبوك بالكتاب، وتزاحمت شاشات الفضاء بالضيوف والمراسلين وهم يستنكرون حادث القطيف كأنهم في مباراة أيهم يسبق فيها ليفوز بكأس (النهائي)!
لست أشمل بكلامي هذا الذين تناولوا الحدث باعتدال واحترام، مركزين على الجانب السيئ منه؛ فالمنكر منكر: هنا أو هناك. ولا الذين تكلموا عن جذوره وبصماته التي يمكن لمحها من بين خطوطه المتعرجة المتداخلة، واحتمال أن يكون مؤامرة دبرتها إيران، لطالما فعلت مثلها في العراق. إنما أقصد أولئك الذين تصيبهم الحمى كلما وقع في الجانب الشيعي تفجير أو قتل أو حادث ربما لم يسفر سوى عن جريح واحد، وكأنهم ينفون عن أنفسهم تهمة (الإرهاب) أو تهمة (الإخوانية). وتشتد الحمى فتتحول إلى حميمية و(أخوية دينية) و(لحمة وطنية)، وكلام طويل عريض عن الأُخوة الشيعية السنية، وكأن المجازر التي فلقت بها رؤوس سنة العراق على مدار اثنتي عشرة سنة، وسنة سوريا منذ أربع سنين، وما يجري في اليمن من مصائب.. كل هذا قام به (مناعيل والدين) قدموا من الفضاء البعيد.. البعيد جداً جداً!
أين كانت هذه الحمى يوم (مجزرة الحويجة) تلك الملحمة التي نحر فيها قرابة تسعين من شباب السنة وشيوخهم، وجرح أكثر من مئة تلقوا الموت في ساحة الاعتصام بصدورهم العارية، واستقبلوه محمولاً على المصفحات والهمرات والدبابات وليس في أيديهم سوى العصي الخشبية والحديدية! بعضهم جرحى تم إعدامهم بعد أسرهم بالحراب والرصاص، وبعضهم دهسته السيارات العسكرية، وبعضهم قتل أثناء المواجهة غير المتكافئة. وكانت تلك الشراذم المعتدية – وفيهم جنود يرطنون باللهجة الفارسية – تشتم أبا بكر وعمر وعائشة قبل أن تبدأ هجومها، وبعد أن قضي الأمر قامت المليشيات بإحراق الخيام، ليعيدوا بهذا المشهد الوحشي إلى الأذهان الأسطورة الشيعية عن مقتل الحسين ، والتي يمثلها الشيعة كل عاشوراء، وتنتهي بإحراق الخيام!
أتمنى من أولئك الطبالين أن يحصوا لنا كم مجزة مثل (مجزة الحويجة) ارتكبها الشيعة بحق السنة بين العراق والشام واليمن وربوع السنة في بلوشستان والأحواز ومهاباد، وهم سكوت صموت!
شيء واحد كان ينقص أولئك الطبالين.. قصيدة عاطفية تضج بالحمى والحميم عن قصة الحب العذري التاريخي بين السنة والشيعة! وأن عسى أن يتعطف عليهم الشيعة بنظرة رضا شحت بها عيونهم المتوحشة طالما تملقها أولئك الطبالون فلم يرجعوا منها بغير البصاق والذراق! لأن هذا هو استحقاقهم من قوم لهم طباع إبليس لا يذل إلا من تملقه وأطاعه!
ولمن يريد شاهداً على سطري الأخير فليقرأ بيان مقتدى الصدر، مقتدى الذي لطالما تغنى بوطنيته المخذولون وطبل لها المزمرون. فقد هدد في بيانه الحكومة السعودية بربيع عربي قادم في حال تكرار الحادثة، واتهم أطرافاً حكومية بأنها وراء التفجير، وتوعد بتدويل القضية، وتباكى على حياة (أتباع أهل البيت) وحقوقهم المهدورة في المملكة.
لقد بطلت كل معجزات كلامكم أيها المطبلون، الذي أردتم به وجه فلان وفلان، وتملقتم به الشيعة وإيران! باختصار.. لقد ذرق عليكم مقتدى!
23/5/2015