التشيع صناعة سنية .. شيوخ القارورة مثالاً
د. طه حامد الدليمي
قبيل احتلال العراق أصابت بعض شيوخ بغداد المعروفين حمى الخطابة عن رواية (مقتل الحسين) الفارسية بنسختها (السنية) الترضوية. ولمن لا يعلم فإن الفرس وضعوا للحوادث المشهورة التي يدور عليها تاريخ تشيعهم المزيف نسختين: نسخة شيعية نفضوا فيها كل ما في صدورهم من هَدَر. ونسخة سنية مخففة يجملونها بأسانيد كي تنفق لديهم. تدسسوا بها إلى كتب التاريخ والأقاصيص والنوادر وحتى كتب الحديث، لا سيما تلك التي يكتبها جامعها بالسند ويترك مهمة التحقيق على غيره، أو دخلت بفعل (فاعل خير) إلى مصادر السنة.
والخطباء – كالقصاصين في تراثنا- شغوفون بالتحدث بما يثير السامعين ويحرك مواجيدهم، وكثيراً ما يلجأ من يعاني من النقص المزمن في الأداء – ومعظم الخطباء يعانون من ذلك – إلى غرائب القصص يسد به نقصه ويستر عجزه.
لقد تسيد الشيعة في عهد (السيد الرئيس حفظه الله ورعاه) وزارة الأوقاف وجميع الوزارات ومنظومة الحزب والأمن والمخابرات والاقتصاد ودوائر الدولة كلها، فكان (مقتل الحسين) عند أولئك الخطباء وسيلة لتحقيق مكسبين: كسب عطف هؤلاء الشيعة اتقاء شرهم وطمعاً في (برهم)، وكسب عاطفة السنة عند الخطبة يوم الجمعة وفي المحاضرات. وكان الشاطر منهم يلعب بعواطف المصلين والحاضرين ويرقق صوته بالحكاية حتى يتهدج ولا يدعهم وهو يتوسل الدمعة منهم حتى يستلها من عيونهم. ويخرج المصلون بعدها وهم يعجبون من جمال الخطبة؛ أليسوا قد (خشعوا) فبكَوا؟ لقد مر بهم زمن لم تدمع عيونهم!
أرأيتم كيف أن التشيع صناعة سنية؟
أحد الشيوخ (ترقى بعد الاحتلال فصار رئيساً للوقف السني).. هذا كان ديدنه وديدانه في يوم عاشوراء من كل عام يطل علينا صباحاً عبر الإذاعة الرسمية ليقرأ لنا (المقتل) الفارسي بنسخته السنية، قائلاً للناس: أنا انقل لكم الروايات من المصادر الموثوقة مثل تاريخ الطبري وابن كثير. وهذا تدليس بدرجة كذب. فالمتكلم أول من يعلم أن معظم ما يرويه الطبري في ذلك لا يصح، وكثير مما يرويه ابن كثير كذلك.
ويظل الرجل طوال شهر محرم (يجاهد) في سبيل قارورته وهو يدور بها بين منابر بغداد ومقابرها.
في أحد العاشورات كنت ذاهباً إلى جامع المحمودية الكبير، وما إن اقتربت من المسجد حتى سمعت هذا الشيخ يحكي للناس من خلال مكبرات الصوت سالفة (القارورة). قلت: قاتل الله من وضع هذه الحكاية على ألسنتكم!
رواية القارورة
روى هذه الحكاية عبد الله بن أحمد في زيادات (المسند) والطبراني وغيرهما عن أم سلمة وابن عباس. وهي رواية تالفة متناً وسنداً. وهذا أحد متونها وأسانيدهاالمظلمة:
عن أم سلمة قالت: (كان الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما يلعبان بين يدي النبي في بيتي، فنزل جبريل فقال: يا محمد، إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك. فأوما بيده إلى الحسين فبكى رسول الله وضمه إلى صدره ثم قال (أي لأم سلمة): وديعة عندكِ هذه التربة فشمها رسول الله وقال: ويح كرب وبلاء. قالت: وقال رسول الله يا أم سلمة: إذا تحولت هذه التربة دماً فاعلمي أن ابني قد قتل. قال: فجعلتها أم سلمة في قارورة ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول إن يوماً تحولين دماً ليوم عظيم).
قبل كل شيء أقول: أيصدق هذه الرواية الخرافية في متنها التافه إنسان لديه مسكة عقل؟!
أما السند ففيه عمرو بن ثابت بن هرمز رافضي خبيث. مولى فارسي أجمع علماء حديث على تركه وكذبه. يكفي ما قاله فيه أبو داود صاحب (السنن) في (سؤالات أبي عبيد الآجري ص211-213): “رجل سوء قال: لما مات النبي : كفر الناس إلا خمسة وجعل أبو داود يذمه”. ومما قاله فيه: “رافضي خبيث”.
يرويها (ابن هرمز) هذا عن الأعمش (وهو مولى فارسي من طبرستان، ثقة، لكنه يدلس تدليس التسوية وهو أشنع أنواع التدليس، وقد عنعن، ولم يصرح بالتحديث).
ملاحظات
الأولى: أم المؤمنين أم سلمة فقد ماتت سنة 59 هـ. أي قبل مقتل الحسين بسنتين. قال ابن كثير: (قال الواقدي: توفيت سنة 59 وصلى عليها أبو هريرة). ولم يكن عند من قال بوفاتها سنة 61هـ سوى رواية القارورة الضعيفة.
الثانية: هل انتبهتم إلى كلمة (أمتك)! وجعل الأمة في كفة والحسين في كفة. ماذا تختار: الحسين أم الأمة التي تقتل الحسين؟
الثالثة: ومع هذا المتن الفارسي الذي لا يخفى وضعه من قبل ذلك الكذاب الرافضي الفارسي ابن هرمز. تجد من المشتغلين بالحديث من يصححه! وهذا يدلك على أن العلم قد يفترق عن الوعي. وأن كثيراً من العلماء تشغله الحركة عن المسار. فيذهل بالسند وتجميع الشواهد لتصحيح التوالف، ولا يدري أن الرواية تصب في مسار التشيع وخدمة المشروع الفارسي. فيكون مثله ولا يدري (كمثلِ الحمارِ يحملُ أسفاراً)!
وهذا أحد الدلائل على أن التشيع صناعة سنية. أقصد شارك السنة بصناعتها. ولولا ظهور هؤلاء الوثيرة ما عبر الشيعة إلينا.
23/8/2016