أحاديث شيعية في مصادر سنية وقفة مع قاعدة التحسين بتعدد الطرق
د. طه حامد الدليمي
علم الحديث – كبقية العلوم – فرضته الحاجة ووضعه البشر.
معظمه قواعد عقلية لم تكن كلها مما اجتمعت عليها عقول العلماء. وكأي منتج بشري يعتريه النقص ولا بد، فإن علم الحديث فيه فراغات وفيه زيادات، لم يتم تلافيها حتى الساعة، ولا أظن ذلك ممكناً على سبيل الكلية؛ والسبب أن مشاكل الحديث أكبر من قواعده التي وضعت لتنتظمها وتعالج على أساسها. ومنها مشاكل له أصل صحيح لكن تنتج عن سوء استعمال القاعدة.
خذ مثلاً قاعدة التحسين بتعدد الطرق.
لا أظن علماء الحديث الأقدمين كانوا يستعملون هذه القاعدة كما بات يستعملها المتأخرون، الذين أسرفوا كثيراً في تطبيقها حتى لو كان المتن لا يعقل، أو كان غاية الضعف! وقد فتح هذا الصنيع باباً لأحاديث شيعية أن تتسرب إلى عقول السنة وثقافتهم ودينهم. لنأخذ حديثاً واحداً كمثال للتطبيق، ثم نعرض لأحاديث غرست التشيع في الثقافة السنية عولجت بالطريقة نفسها.
حديث رد السلام على كل من سلم عليه صلى الله عليه وسلم في قبره
قال الألباني (صحيح الترغيب والترهيب:2/293): عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله وكل بقبري ملكاً أعطاه الله أسماء الخلائق، فلا يصلي علي أحد إلى يوم القيامة إلا أبلغني باسمه واسم أبيه: هذا فلان ابن فلان قد صلى عليك”. وصححه بقوله: حسن لغيره.
والحديث – كما قال الألباني – رواه جمع، قال ابن حجر: رووه كلهم عن نُعيم بن ضمضم، وفيه خلاف، عن عمران بن الحميري؛ ولا يعرف. وقال الذهبي: لا يعرف. وقال: ونعيم بن ضمضم ضعفه بعضهم. وقال السخاوي: بل هو معروف. وذكره ابن حبان في (ثقات التابعين). انتهى. وقد حسنه الألباني بتعدد طرقه.
متن الحديث
أما متن الحديث فشديد النكارة لا يقبله العقل البتة؛ فإن الناس يصلون اليوم على النبي في اليوم الواحد مليارات المرات. ونص الحديث يلزم منه أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع أسماء المصلين والمسلّمين عليه، ويرد هذا العدد المهول من السلام عليه، ويردد في كل لحظة ملايين المرات: “عليكم الصلاة.. عليكم السلام”. وهذا ليس في قدرة مخلوق. وهو – دون شك – من خصائص قدرة الإله. قال سبحانه: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (الأنعام:59). فكيف يسمع مخلوق أسماء ملايين الخلق وسلامهم، أو يعلمها ثم يرد عليهم في وقت واحد؟ ولو كان سند مثل هذا النص نظيفاً لما كُلفَتْ عقولنا قبوله، فكيف والسند مخروم، وإنما يجمع سند ضعيف إلى مثله ليقال بعد ذلك: حسن لغيره. والحسن لغيره من أقسام الصحيح، فيصحح بهذه الطريقة ما تنكره العقول بداهة!
لكن لنصبر حتى نرى أسانيد الحديث.
نُعَيم بن ضمضم وعلي بن القاسم الكندي
قال الدارقطني (مَنْ تَكلَّم فيه الدَّارقطني:3/136، ابن زريق): نُعيم بن ضمضم ضعيف. وقال الذهبي (ميزان الاعتدال:4/270): ضعفه بعضهم.
وقال العقيلي: (الضعفاء الكبير:3/248): علي بن القاسم الكندي عن نعيم بن ضمضم، إسناد شيعي، فيه نظر، ولا يتابعه إلا من هو دونه أو نحوه. حدثناه إبراهيم بن عبد الله قال: حدثنا سعيد بن محمد الحرمي قال: حدثنا علي بن القاسم الكندي قال: حدثنا نعيم بن ضمضم، عن عمران بن حميري الجعفي قال: قال عمار بن ياسر: (وذكر الحديث).
وقال السيوطي (اللآلئ المصنوعة:1/362): قال العقيلي: علي بن القاسم شيعي فيه نظر لا يتابع على حديثه. وفي (الميزان): قال أبو حاتم الرازي: ليس بقوي. وفي (اللسان): ذكره ابن حبان في الثقات وقال: روى عنه الكوفيون.
البخاري وتلميذه العقيلي والذهبي وغيرهم يضعفون الحديث
قال البخاري (التاريخ الكبير:6/416) في ترجمة عمران بن حميري برقم (2831): عمران بن حميري. قال لي عمار بن ياسر، رضي الله عنهما: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله أعطى ملكا أسماع الخلائق، قائم على قبري”. قاله أبو أحمد الزبيري، حدثنا نعيم بن جهضم، عن عمران. لا يتابع عليه”.
ونعيم بن جهضم هو نفسه نعيم بن ضمضم. وفي قول البخاري توهين لعمران بن حميري. وعمران لا يُعرف كما قال ابن حجر. وقال الذهبي (ميزان الاعتدال:3/236): عمران بن حميري عن عمار بن ياسر، لا يعرف حديثه: إن الله أعطاني ملَكاً. قال البخاري: لا يتابع عليه.
رواية أحمد وأبي داود
حسّن الألباني في (صحيح الترغيب والترهيب:2/293) ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أحد يسلم علي؛ إلا رد الله إلي روحي حتى أرد عليه السلام). وقال: رواه أحمد وأبو داود.
ورواية أحمد وأبي داود فيها يزيد بن عبد الله بن قسيط اختلف في توثيقه. ففي (تهذيب التهذيب للذهبي:11/342-343): قال ابن معين: ليس به بأس. وقال النسائي: ثقة. ووثقه ابن سعد. وذكره ابن حبان في الثقات، مع قوله: ربما أخطأ.
لكن وهنه الإمام مالك وقال: الرجل ليس هناك. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي لأن مالكاً لم يرضه. انتهى. وشكك شعيب الإرنؤوط (مسند أحمد:14/404) في سماع يزيد من أبي هريرة وقال: وسنده جيد إن كان يزيد بن عبد الله سمعه من أبي هريرة. على أنه حسّن الحديث في تحقيقه لسنن أبي داود.
وروى الألباني (السلسلة الصحيحة:4/43-45) الحديث نفسه بلفظ: “أكثروا الصلاة علي، فإن الله وكل بي ملكاً عند قبري… الحديث)، ثم حكم عليه بالحسن متْبعاً إياه بلفظ “إن شاء الله”. مع إقراره بأن في سنده:
– راوياً (بكر بن خداش) قال فيه: ترجمه ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وأورده الحافظ ابن حجر في “اللسان” برواية جمع آخر عنه وقال: ربما خالف. قاله ابن حبان في “الثقات”.
– وراوياً آخر (محمد بن عبد الله بن صالح المروزي) قال الألباني: لم أعرفه.
وقال: والحديث قال السخاوي في “القول البديع”: “أخرجه الديلمي، وفي سنده ضعف”. لكن ذُكر له شاهد من حديث عمار بن ياسر (وهو الحديث الذي تناولته في بداية البحث، الذي ضعفه البخاري وغيره). ثم قال بعد أن ذكر مصادره وأسانيده الضعيفة: فالحديث بهذا الشاهد وغيره مما في معناه حسن إن شاء الله تعالى.
فمثل هذا الحديث الذي لا يعقل، ولم يرد بسند واحد نظيف، بدل أن يضعّف، يُحَسن بتعدد الطرق. وما هي إلا طرق سلكها الشيعة إلى حمانا.
أحاديث شيعية تصحح بالطريقة نفسها
هكذا جرى تصحيح كثير من الأحاديث الملتاثة بالتشيع، فتسللت إلى عقول الأمة وأوهنت من ثقافة مجتمعاتها، فجعلتها رخوة تتقبل التشيع وتأتلف مع الشيعة.
خذ مثلاً حديث: (إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض).
الحديث فيه الأعمش، وهو مولى فارسي متهم بالتشيع. يرويه عن حبيب بن أبي ثابت. ذكر الألباني تصحيح الحاكم له (وهو متشيع يسب معاوية وأبا سفيان) وسكوت الذهبي عنه، وقال: وهو كما قالا لولا أن حبيباً كان مدلساً وقد عنعنه (إذن هو ليس كما قالا!). لكنه لم يتفرد به، فقد تابعه فطر بن خليفة عن أبي الطفيل. ثم قال الألباني: أخرجه أحمد (وذكر آخرين) وإسناده صحيح على شرط البخاري. وقال الهيثمي في “المجمع9/104”: “رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة”.
كيف يكون على شرط البخاري وفي إسناده مدلس وقد عنعن، وفي إسناده مولى شيعي محترق هو فطر بن خليفة أيضاً؟!
وانظروا كيف يجري توثيق هؤلاء الشيعة الفرس الكذبة، وكيف يختلف عليهم العلماء وأحدهم لا يساوي فطر دويبة! قال الذهبي عن فطر بن خليفة (ميزان الاعتدال:3/363-364): مولى عمرو بن حريث المخزومي. وثقه أحمد وغيره. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال ابن سعد: ثقة إن شاء الله.
وقال الدارقطني: لا يحتج به. وقال أبو بكر بن عياش: ما تركت الرواية عنه إلا لسوء مذهبه. وقال أحمد: كان فطر عند يحيى ثقة، ولكنه خشبي مفرط. وقال أحمد بن يونس: كنت أمر به وأدعه مثل الكلب. وروى عباس عن ابن معين: ثقة شيعي.
وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن فطر بن خليفة. فقال: ثقة صالح الحديث، حديثه حديث رجل كيس إلا أنه يتشيع.
وقال النسائي: ليس به بأس. وقال مرة: ثقة حافظ كيس.
وقال الجوزجاني: زائغ غير ثقة.
قال عباد الرواجني في كتاب المناقب: أخبرنا أبو عبد الرحمن الاهاعي وغيره، عن جعفر الأحمر، سمعت فطر بن خليفة في مرضه يقول: ما يسرنى أن مكان كل شعرة في جسدي ملك (كذا) يسبح الله لحبي أهل البيت.
هذا والمتن منكر ينضح بالتشيع، رواته شيعة، مخالف للكتاب، ولما رواه الإمام مسلم.
وقد صحح الألباني بتعدد الطريق عدداً من الأحاديث الضعيفة التي تنضح بالتشيع. مثل حديث (أول من يغير سنتي رجل من بني أمية). وحديث (قاتل عمار وسالبه في النار)… وغيرهما. وقد تناولت الحديثين في مقال سابق.
21/5/2017