يا لثارات عثمان !
د. طه حامد الدليمي
اليوم هو 18 ذي الحجة.
وفي كل عام، في مثل هذا اليوم، يحتفل الفرس المجوس وشيعتهم بما يسمونه (عيد الغدير)، ويصفونه بـ(العيد الأكبر)! يزعمون أن النبي نصب فيه بعد حجة الوداع علياً خليفة من بعده على المسلمين.
الحقيقة أن هذا اليوم هو يوم استشهاد خليفة المسلمين وأمير المؤمنين عثمان بن عفان ومقتله على يد الفرس المجوس الذين كانوا يدبرون الأحداث من وراء ستار. لقد ادركوا أن سبب فشل حركتهم التي تمثلت بقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب هو العلنية التي تمت بها. فأبو لؤلؤة فيروز معروف بكونه فارسياً، وأنه من ملوك فارس.
وحيث أن الفرس شتتوا الأنظار عن دورهم في الحدث اللاحق، فقد تركوا إشارات تنبئ عن ذلك الدور لمن أراد أن يدقق ويربط بين خيوط اللعبة. لم يكن تنصيب سيدنا علي في ذلك اليوم على وجه الدقة، إنما كان ذلك اليوم هو بداية الأحداث السريعة المتلاحقة التي انتهت بتنصيبه. ولم يكن النبي هو الذي نصب علياًن إنما قتلة سيدنا عثمان هم الذين فعلوا، دون أن يعقد مجلس شورى من كبار الصحابة، وما كانوا قادرين على ذلك لو أرادوا. ولم يكن القتلة سوى الأداة أما اليد المنفذة فيد الفرس التي امتدت من وراء الظلام.
هذا هو سر كون ذلك اليوم هو يوم (العيد الأكبر) عند الفرس. لقد كان مقتل سيدنا عمر حدثاً فردياً لم تهتز له أركان الدولة. أما مقتل سيدنا عثمان فكان بمثابة انقلاب تام الأركان، انهار فيه بنيان نظام وقام بنيان آخر تمثلت فيه الخطوة الأولى التي خطاها الفرس باتجاه انتزاع السيادة من يد العرب وإعادتها إلى يد الفرس وصولاً إلى إحياء إمبراطوريتهم البائدة. وهذا هو سر عدم استقرار الدولة على عهد سيدنا علي؛ فالفرس هم سادة الفوضى، وهم مؤسسو فكرة (الفوضى الخلاقة) في كل مراحل التاريخ. ومن ثغرتها ينفذون. وحيث كانوا هم وأدواتهم المتنفذين في الدولة المنقلبة فلا استقرار ولا هدوء ولا طاعة لحاكم أو نظام. من هنا قال علي: “لا رأي لمن لا يطاع”.
لم يكن يخطر ببال الفرس أنهم كانوا يلعبون لعبة أكبر من حجمهم أمام عملاق السياسة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، كما لم يخطر ببالهم أن من سيتفق معه على نقض غزلهم أنكاثاً هو سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما! وخطف معاوية الدولة من يد الفرس وأعادها إلى نصابها الميمون ثانية. ويتبدى لنا سر آخر هو لماذا يكره الفرس سيدنا معاوية، والأمويين عموماً، هذا الكره الشديد!
أكبر مأساة دامية في القرن الأول
وإذا تركنا الأسرار التي سنجد الحدث يعج بها بمجرد تحريك العقل في أنابيشها، وهذا سر آخر منه نكتشف أصل التطير الذي غرسوه في ثقافتنا من البحث في حقيقة تلك السنوات الخمس التي استغرقها حكم سيدنا علي! هنا عقدة عقد تاريخ المشرق العربي كله!
إذا تركنا ذلك، ونظرنا إلى الحدث نفسه فإنه يمثل أكبر مأساة دامية في القرن الأول من تاريخ الإسلام.
الغريب أن الفرس سرقوا الحدث وألبسوه الحسين وعظموا من قتله أضعاف أضعاف حجمه، بينما عجزت الأمة عن أن تعطي المأساة حقها من الاهتمام.
حوصر أمير المؤمنين عثمان في داره عشرين يوماً منع فيها عنه الطعام والشراب إلا سراً. روى البخاري في (التاريخ الكبير) وغيره بإسناد صحيح عن كنانة مولى صفية أم المؤمنين قال: “كنت أقودُ بصفية بغلتها، لتردَّ عن عثمان، فلقيها الأشتر فضرب وجه بغلتها حتى (مالت)، فقالت: ردُّوني ولا يفضحني هذا الكلب”. ولما أخفقت في الوصول إلى دار عثمان، وضعت خشباً بين سطح منزلها وسطح منزل عثمان – وكانت جاره – تنقل إليه الطعام والشراب.
وعن زوجة عثمان نائلة بنت الفرافصة قالت: لما حصر عثمان ظل اليوم الذي كان فيه قتلُه صائماً، فلما كان عند إفطاره سألهم الماء العذب فأبوا عليه، وقالوا: دونك ذلك الركي. وركي في الدار يلقى فيه الوسخ. قالت: فلم يفطر، فرأيت جاراً على أحاجير متواصلة، وذلك في السحر، فسألتهم الماء العذب فأعطوني كوزاً من ماء فأتيته، فقلت: هذا ماء عذب أتيتك به، قالت فنظر فإذا الفجر قد طلع فقال: إني أصبحت صائماً. ومات في ذلك اليوم صائماً.
وبدأ الهجوم بإلقاء الحبال على أسوار منزل عثمان. والتفت عثمان الى زوجته نائلة فرأى شعرها قد انكشف فقال: شدي عليك خمارك فإن حرمة شعرك أعظم علي من دخولهم علي.
ليت شعري يا سيدي يا عثمان كيف أنت لو رأيتها بعد قليل والعلج الأجرب سودان بن حمران يمد أصابعه ويغمز أوراكها ويقول: “إنها لكبيرة العجيزة”! الله أكبر! وكان قد أهوى عليك بالسيف ليضربك فانكبت عليك واتقت السيف بيدها، فنفحت أصابعها!
وبينما كانت تُهرع لإمساك سيف رجل ثانٍ تمكن السيف من يدها فقطع أصابع يدها الأخرى وأدخل السيف في بطنك. وحين هم المجرمون بقطع رأسك ألقت نائلة عليك بنفسها، ولم يرحموا ضعفها ولا كونها امرأة، ولم يعرفوا لك قدرك، فحزوا رأسك، ومثَّلوا بك فصاحت والدم يسيل من أطرافها: إن أمير المؤمنين قد قُتل. إن أمير المؤمنين قد قُتِل.
ثم دخل رجل ورأسك في حجرها. فقال لها: اكشفى عن وجهه. قالت: ولِمَ؟ قال الرجل: ألطم حُرَّ وجهه فقد أقسمت على ذلك. ثم هجم عليها، وقد تمنعت، فلطم وجهك الشريف!
ودار المجرمون في الدار فأخذوا ما وجدوا حتى تناولوا ما على النساء. ونزع رجل ملاءة زوجتك نائلة فتنَحّت فقال: “ويح أمك من عجيزة ما أتمك”! وهذا مما يشير إلى جنسية الفعلة وأنهم ليسوا إلى العرب في أخلاقهم.
أيفعل هذا بعثمان ذي النورين؟! أو يفعل هذا بحرمه، وهو الذي كان من حيائه تستحي منه الملئكة؟!
يا لَثاراتِ عثمان !
كان مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان حدثاً مهولاً، صدمت له الأمة حتى تفرقت لمقتله مِزقاً يقاتل بعضها بعضاً! وقال فيه حسان بن ثابت:
ضحَّوا بأشمطَ عنوانُ السجود بِهِ لتسمعُنَّ وشيكاً في ديارِهمُ |
يُقَطّعُ الليلَ تسبيحاً وقرآنا اللَّهُ أكْبَرُ، يا ثَارَاتِ عُثْمانَا |
والثَّأْرُ – كما في لسان العرب – الطَّلَبُ بالدَّمِ، وقيل: الدم نفسه. يقال يا ثارات فلان أَي يا قتلته… نادى القتلة تعريفاً لهم وتقريعاً وتفظيعاً للأَمر عليهم حتى يجمع لهم عند أَخذ الثَّأْرِ بين القتل وبين تعريف الجُرْمِ. وتسميتُه وقَرْعُ أَسماعهم به ليَصْدَعَ قلوبهم فيكون أَنْكَأَ فيهم وأَشفى للناس. وفي حديث محمد بن مسلمة يوم خيبر: أَنا له يا رسول الله المَوْتُور الثَّائرُ أَي طالب الثَّأْر، وهو طلب الدم. وفي الحديث: يا ثاراتِ عثمان أَي يا أَهل ثاراته، ويا أَيها الطالبون بدمه.
نعم (يا لثارات عثمان!)، و(يا لثارات عثمان!) حتى ينتهي الشيعة عن ذلك الشعار الأثيم (يا لثارات الحسين)، ويتلاشى ذلك النعيق، وتختفي الرايات السود من الوجود.
9/9/2017