موانع القيادة/ 2
أ. عبدالرحمن المهندس/ التيار السني في العراق
لا زلنا نستعرض أبرز الموانع التي تحول بين سنّة العراق وبين الخروج من المأزق الخطير الذي يتهدد وجودهم ودينهم وهويتهم، فضلاً عن غياب دورهم الحقيقي في قيادة العراق وانقاذه من إيران وشيعتها وميليشياتها.
وقد تقدّم الحديث في المقال السابق عن موانع (الفكر السائد) وبيّنتُ فيه بعض (العيوب) التي تجعل من هذا الفكر منتهي الصلاحية وعاجزاً كل العجز عن قيادة هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق. وفي هذا المقال سنقوم باستعراض ثاني أهم موانع التمكين وهو:
موانع القيادة
ليس من شك في أن سنّة العراق لا قيادة لهم تمثلهم، وتدفع عنهم الأذى والظلم الذي وقع عليهم من الشيعة، أو أن تحمي وجودهم من المحو والفناء ومصالحهم وحقوقهم من النهب والضياع، فضلاً عن حماية ثقافتهم وهويتهم ودينهم من التبديل والتحريف. وكل ذلك يعود الى ضعف وهُزال الزعامات السنيّة وفقدانهم لعناصر القيادة الراشدة.
ونحن هنا إنما نستعرض ملامح هذا الضعف بغية تشخيص الداء والوقوف على مواطن الخلل في منظومة القيادة السنيّة في العراق ، وسأحاول في سلسلة من المقالات اللاحقة باْذن الله تعالى بيان النموذج الأمثل للقيادة الرشيدة التي يحتاجها سنّة العراق للخلاص من استبداد الشيعة وطغيانهم، وإعادة دورهم القيادي في حكم العراق.
مزايا الضعف واحدة أيضاً!
ومع اتساع الخلاف والتنازع والتفرّق بين قيادات “البيت السنّي” إلا انهم ومع ذلك يتشابهون حد التطابق التام في ملامح الضعف والخَوَر والهُزال، وعلى سبيل المثال لا الحصر نستعرض بعضاً منها:
١- قباطنة .. وسفينة غارقة
تعدد القيادات وتنوعها يُعد نقطة قوة لأي جماعة أو مكوّن بشري، وليس مطلوباً أن يتفق القادة على كل شيء، فمن الطبيعي أن تتعدد زوايا النظر للواقع والتحديات، وكذلك تعدد أساليب المواجهة والخطاب وبرامج العمل، هذا مما لا بأس فيه وهو مطلوب، لكن بالنسبة للزعامات السنيّة فالأمر مختلف! قيادات دينية وحزبية وعشائرية وعائلية تتحكم في مصير سنّة العراق، مفرّقين تنخر بهم النزاعات ويكيد بعضهم ببعض، لا فكر يهديهم ولا قضية تجمعهم، التنسيق بينهم مفقود، يبحثون عن مصالح فئوية وجهوية، وسنّة العراق من حولهم في طوفان الشيعة يغرقون.
٢- قيادة لحظية.. في زمن الأزمات
القيادة في العراق لا تصنعها التجارب والتحديات والأزمات والمواقف الصعبة، إنما تصنعها صناديق الانتخابات ودكاكين السياسة، والصفقات والعلاقات، فهي نتاج ظرف لحظي آنيّ، يقبع من خلاله المسؤول على مكتبه اربع سنين منشغلاً بالعقود والوفود وعدّ النقود. ثم يتعاقبون، فينشغل اللاحق بما انشغل به سلَفُه، هذا اذا لم يتكرر السابق في نسخة اخرى! دكاكين معروضة للإيجار، في مزاد البرلمان، يتنافس عليها “كبار التجّار” ! ثم تُحال الى ” تجّار صغار” الى أجل معلوم، وهكذا دواليك يتعاقبون على إدارة دكاكينهم!
٣- أهداف كثيرة.. لكن في مرمانا
سليم الجبوري أحد قيادات الحزب الاسلامي( الجناح السياسي للإخوان المسلمين في العراق) يومَ كان رئيساً للبرلمان، وفي كلمة القاها في معهد السلام بواشنطن أكّد على تأييده الكامل لمشاركة قوات الحشد الشعبي ( الشيعي) في استعادة السيطرة على الرمادي والموصل..!
لا تعجب أيها القارئ!
فالقوم يتوهمون أنهم يحققون أهدافاً وانجازات! نعم إنهم يفعلون! لكن ليس في صالح السنّة في شيء! مثلما فعلوا بأملاك الوقف السنّي، والدستور، وقانون الأحزاب، وقوانين مكافحة الاٍرهاب، وقانون المتضررين من النظام البائد، واجتثاث البعث، وغيرها من القوانين، والآن يشرعنون دمج الميليشيات الإجرامية الإرهابية والتي تديرها ايران ومساواتها لتكون جزءً من كيان القوات المسلحة العراقية! هل رأيتم خبالاً كهذا في عقل إنسان؟! بل الأدهى! حين وافقوا على قانون التوزيع السكاني وجعلوا نسبة السنّة العرب السنّة٢٠٪ من تعداد سكان العراق، فخسروا مكانتهم وجعلوا من أنفسهم في خانة الأقليات!
٤- زعامة بلا جمهور
الجمهور غير الاتباع، إذ الجُمهور من كل شيء معظمه، والجُمهور من الناس جُلّهم، وسنّة العراق .. قيادة بلا جمهور، أو جمهور بلا قيادة!
واذا كان لكل حزب أو جماعة اتباع وانصار فهذا لا يعني أن لهم جمهوراً يرتبط بهم ويتبنى افكارهم ويناصر قضاياهم ويستجيب لتوجيهاتهم ويقف خلفهم لتحقيق مصالحهم.
كما أن الجمهور لا يقاسُ قياساً كمّياً فنقول؛ الحزب الفلاني سيفوز بالانتخابات لأنه يمتلك (١٠٠) الف صوت من الاتباع والمناصرين! فالعلاقة بين القيادة والجمهور ليست كمّية تحددها الأعداد والأرقام إنما هي علاقة نوعية تقوم على أساس القيم والثوابت والمصالح المشتركة والتي ينادي بها القادة للتأثير في الجمهور وتحفيزه وتوجيهه نحو الغايات الكبرى وهذا لا يتأتّى الا من خلال القيادة بالفكر والقضية والمشروع، وفهم حاجات الناس وتطلعاتهم وآمالهم، والشعور بما يعانون ويقاسون من ظروف ومخاوف ومخاطر.
٦- قائد منزوع الدسم
وجود القدوة مطلوب لتحفيز أي مجتمع أو جمهور، وما يمتاز به القائد (الراشد) هو قدرته البالغة على التأثير وتوجيه حركة الجمهور نحو الأهداف الكبرى التي يسعى الى تحقيقها.
لم يحضَ القادة السنّة بأي إعداد نفسيّ أو فنّي ليكونوا قادة على مستوى من الهيبة والتأثير والتحدي الخطير الذي يواجهون من جهة الشرق والغرب، ولم يسبق أن خاض أولئك النفر المتكرر منذ أعوام تجارب قيادية كبيرة وناجحة مع خصوم كشيعة إيران وغيرهم، كما ليس لهؤلاء من عناصر قوة تمكّنهم من تحويل الهزائم الى نصر ودفع شر الشيعة عن مناطق اهل السنة على اقل تقدير !
وهنا نحن نسأل .. لماذا؟
والجواب؛ أنّ زعامات اليوم قيادات منزوعة الدسم! لا يحملون من معاني القيادة وحقيقتها ووصفها الا العناوين!
زعامات لا تحسن إنتاج الافكار والبرامج والخطط، ولا إدارة الازمات، ولا قدرة لديهم في حشد الجمهور السني والتأثير فيه أو توجيهه، زعامات فاقدة للهيبة والاحترام وتقدير الجمهور، بل يُلعنون صباح مساء على ألسنة المهجرين والمعذبين والمحرومين، قيادات مستأجرة وصائدو مناصب ووظائف، متقلبو الولاءات لمن يدفع زيادة، ونماذج متعثرة غير قابلة للتطوير، مصابة بالجمود والتكلس والعجز التام عن فهم الواقع الجديد، أصحاب منهج ترضوي حتى مع أشرس خصومهم ( الشيعة)! لغتهم صفرية لائية لا للاحتلال .. لا للعملية السياسية .. لا للإقليم ..لا للتقسيم .. لا .. لا .. لا
ولعل في ما ذكرت من ملامح الضعف في شخصية الزعامات والقيادات السنية ما يكفي لبيان وتشخيص الخلل في ثاني أهم ركن من اركان التمكين لسنّة العراق، ومن أراد التوسع فله أن يدع عقله للتأمل في حال جميع الأحزاب والجماعات والهيئات والمجامع وغيرها ويتفحص حال قادتها وزعاماتها وينظر بعين البصير الناقد الى النتائج والمخرجات طيلة السنوات البائسات التي مرت على اهل السنة في العراق. ولعلنا نُفرد مقالاً كاملاً لبيان منهجية المشروع السني في إعداد القيادات وتمكينهم وتأهيلهم لمواجهة العدو الشرقي وجارة السوء إيران وشيعتها.