أمة ليس في تاريخها سوى أربعة حكام راشدين .. أمة تافهة
د.طه حامد الدليمي
الشائع في الثقافة السائدة تقديس لقب (الخلافة) دون غيره من الألقاب الدالة على الرئاسة. وهذا شيء لا سند له سوى الإشاعة، وفهوم خاطئة لروايات ضعيفة، بينت ضعفها متناً وسنداً في كتاب (الخلافة المقدسة، أو الملك الراشد خلافة على منهاج النبوة).
والشائع الثقافي الآخر هو قصر لقب (الخلفاء الراشدين) على الخلفاء الأربعة (أبي بكر وعمر وعثمان وعلي) فقط دون سواهم من الخلفاء. حتى بات هذا المفهوم من المسلَّمات العلمية، وربما العقائدية أيضاً!
وما هذا سوى وهم تسرب إلى ثقافة الجمهور بسبب الدعاية والإعلام والتكرار. في الوقت الذي لا تجد الإسلام يجعل شرطاً للخلافة أو الحكم الراشد سوى هيمنة الشريعة على شؤون الحكم، وهذا هو كل ما نجده من شروط لها في القرآن العظيم. أما شكل الحكم فليس له فيه من ذكر، وإنما هو من وضع الناس وتحكمهم بآرائهم في القرآن والتشريع. وعلى هذا الأساس فإن الخلفاء الراشدين في هذه الأمة يعدون بالعشرات، وأن حصرهم بأربعة مفهوم تاريخي خاطئ، لا حكم شرعي ثابت.
هل هذه أمة خيرة ؟
وصف الله تعالى أمة الإسلام فقال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (آل عمران:110). وإن أمة ليس فيها سوى أربعة أو خمسة حكام راشدين لن تكون أمة خيرة فضلاً عن أن تكون خير أمة من بين الناس جميعاً! إن أمة كهذه لا تستحق الحياة بلهَ القيادة. وإن قصر الحكم الراشد على فترة زمنية لا تتعدى ثلاثين سنة، فيه إساءة بالغة لتاريخ الإسلام، تنسحب على الإسلام نفسه، وتجعله ديناً مثالياً غير قابل للتطبيق إلا في حالات استثنائية لا تشكل شيئاً قياساً بالتاريخ الممتد عبر الزمن.
إن هذا المفهوم فاسد وخطير؛ من حيث إنه يوحي لمعتقده بتغير سلبي كبير أصاب نظام الحكم في الإسلام بعد فترة الخلفاء الأربعة. ولهذا انعكاسه السلبي على تاريخ الأمة ورجالاتها من بعدهم.
بل هذا ما صرح به دون مواربة الأمين العام للحزب الإسلامي في العراق د. محسن عبد الحميد فقال: “والحق أن الهدف الذي رمى إليه الإسلام عندما جعل الإنسان خليفة في الحياة وكلفه بالتسخير وفضله على كثير من الخلق، لم يتحقق كاملاً في تاريخ المسلمين. فقد بدأ الاضطهاد والاستلاب المتنوع للإنسان في ظل الدول والإمارات التي قامت في العالم الإسلامي بعد عصر الخلفاء الراشدين إلى عصرنا الحالي، وسحب من الإنسان المسلم تلك الحرية الإنسانية في إطار الضوابط التي وضعها الإسلام”([1]).
مصطلح ( عهد الخلافة الراشدة ) مفهوم تاريخي لا مفهوم شرعي
عند إعادة النظر في المستندات العلمية التي اتكأ عليها هذا الإطلاق نصل إلى أن أصل هذا المصطلح بمفهومه الشائع المحدود، جاء من التاريخ فحسب؛ بسبب حاجة المؤرخين إلى تسمية اصطلاحية تحدد الفترة الزمنية التي سبقت الفترة الأموية. فالأمويون والعباسيون والعثمانيون عوائل متحدرة من أصل واحد فسهل على المؤرخ تسمية كل فترة من فترات حكم أي عائلة باسم الجد الذي تنتمي إليه. لكن الخلفاء الأربعة الذين حكموا الفترة الأولى كل واحد من عائلة، وكل عائلة من جد! وهذا جعل المؤرخ أو وضعه أمام تحد اصطلاحي لم يواجهه إزاء الفترات اللاحقة. وفي نهاية المطاف تواضعوا على مصطلح مختل ضعيف الدلالة، انتقل الخلل الذي يعاني منه إلى الوسط الثقافي للأمة، دون أن ينتبه الجمهور إلى الفرق بين المصطلح التاريخي غير المقدس، وبين المصطلح الشرعي المقدس. ومن هنا حصل الخلط بين المقدس وغير المقدس، ونتج عنه تقديس الفترة بما شابها من مشاكل وفتن، وتدنيس الفترات اللاحقة بنسبة تزيد هنا وتقل هناك رغم أن الرشاد كان يغلب عليها في معظم عصورها.
حديث (الخلفاء الراشدين ) ضعيف السند بعيد الدلالة
قد يتوهم البعض أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) يعني حصر الخلافة الراشدة بالخلفاء الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. حتى إن الشيخ الألباني وقع في هذا الوهم حين قال، بعد أن صححه بمجموع طرقه: والحديث من الأحاديث المهمة التي تحض المسلمين على التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين الأربعة”([2]). ولم ينتبه إلى أن النص لم يرد فيه تحديد عدد الخلفاء الراشدين بأربعة، ولا تحديد أعيانهم. وهذا كافٍ في عدم دلالة الحديث على قصر الخلفاء الراشدين على أربعة.
سند الحديث
أما أسانيد الحديث فأصحها ما رواه أبو داود في (السنن) فقال: حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ثور بن يزيد، حدثني خالد بن معدان، حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر ابن حجر، قالا: أتينا العرباض بن سارية، فذكره([3]).
وهذا بيان حال السند باختصار:
في السند الوليد بن مسلم: وثقه كثير من العلماء. لكن إلى جانب ذلك قالوا أيضاً:
قال ابن حجر (تهذيب التهذيب:11/154-155): قال المروذي عن أحمد: كان الوليد كثير الخطأ… قال مهنأ: سألت أحمد عن الوليد فقال: اختلطت عليه أحاديث ما سمع وما لم يسمع، وكانت له منكرات… وقال عبد الله بن أحمد: سئل عنه أبي فقال: كان رفاعاً.
والرفاع: هو الذي يرفع الموقوفات أو يسند المرسلات([4]).
وقال عنه أبو داود في (سؤالات الآجري:2/183-184): روى الوليد عن مالك عشرة أحاديث ليس لها أصل. وقال الذهبي (ميزان الاعتدال:4/347-348): وقال أبو مسهر: مدلس، وربما دلس عن الكذابين… وقال صالح جزرة: سمعت الهيثم بن خارجة يقول: قلت للوليد بن مسلم: قد أفسدت حديث الأوزاعي. قال: وكيف؟ قلت: تروى عنه عن نافع، وعنه عن الزهري، وعنه عن يحيى. وغيرك يدخل بين الأوزاعي وبين نافع عبد الله بن عامر الأسلمي، وبينه وبين الزهري قرة، فما يحملك على هذا؟ قال: أنبل الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء. قلت: فإذا روى الأوزاعي عن هؤلاء وهم ضعفاء مناكير فأسقطتهم أنت وصيرتها من رواية الأوزاعي عن الأثبات ضعف الأوزاعي. فلم يلتفت إلى قولي.
وبمثله قال أبو الحسن الدارقطني (الضعفاء والمتروكون/139): الوليد بن مسلم يرسل، يروي عن الأوزاعي أحاديث الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي مثل نافع وعطاء والزهري فيسقط أسماء الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي عن عطاء.
وإذا علمت أن الوليد مولى من موالي بني أمية، عرفت السبب الذي من أجله هو مولع بالتدليس إلى هذه الدرجة!
وفي السند عبد الرحمن بن عمرو السُّلمي: وضعفه متأتٍّ من قبل حفظه وضبطه.
وما بمثل هذه الأحاديث، فضلاً عما هو أعلى منها، تقرر مثل هذه المفاهيم الخطيرة. فكيف وقد صارت مستنداً لتأسيس وتشريع أصل من أصول السياسة بحيث حرم كل نظام للحكم سواها، هو (الخلافة)، ووضعت لها أركان وشروط منها تحريم نقل الحكم بالتوريث. مع أنها لم يرد اسمها ولا أي تشريع يتعلق بها في القرآن الكريم، بل ولا في أي حديث صحيح يصمد أمام النقد. إنما ذلك شيء وضعوه بعقولهم واجتهاداتهم. وكل ما جاء في شرعنا هو الأمر بتحكيم الشريعة؛ فإن الله تعالى لم يرد من عباده سوى على أي نظام يراه البشر صالحاً لأوضاعهم.
وفي مقال قادم – إن شاء الله – أتناول بالنقد حديث (الخلافة ثلاثون سنة). وأبين ضعفه متناً وسنداً.
2020/7/19
[1]– قواعد التكفير عند أهل السنة والجماعة، ص97، الدكتور محسن عبد الحميد.
[2]– سلسلة الأحاديث الصحيحة ، 6/527.
[3]– سنن أبي داود، 7/16، أبو داود سليمان بن الأشعث الأزدي السِّجِسْتاني، تحقيق: شعَيب الأرنؤوط ومحَمَّد كامِل قره بللي، دار الرسالة العالمية الطبعة: الأولى، 1430هـ – 2009م.
[4]– الحافظ ابن حجر ومنهجه في تقريب التهذيب، ص10، علي بن نايف الشحود.
دكتور وهنا مثال اخر، كتاب التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر المجلد ١ المكتب الإسلامي بيروت الطبعة الثامنة ١٤٢١ه – ٢٠٠٠م صفحة ١٠:
“٢- التاريخ الإسلامي: ويشمل حياة رسول الله ص والخلفاء الراشدين من بعده، وقد سار الخلفاء على النهج الذي رسمه الرسول الكريم، لم يحيدوا عنه قيد أنملة، وبعد ذلك بدأت زاوية الانحراف تظهر منذ انتهاء العهد الراشدي، وبدأ مع الزمن يزداد انفراج زاوية الانحراف شيئا فشيئا في العهدين الأموي والعباسي، حتى طغت على الدائرة كلها نهاية الدولة العباسية.”
http://www.archive.org/download/waq110790/01_110790.pdf
فتخيل!
يأتي هذا السقم في الثقافة من ابعاد القران كفهم لمصطلح الرشد والسفه وشيوع الرواية بكل عللها الاسنادية وغفلة جمهور الرواية عن علل المتن وقراءته قراءة فاحصة على علم الاجتماع وعلم النفس وقراءة التاريخ قراءة تتفحص في اهل الاهواء الخوارجية والميول البدوية وبطاقات الموالي من كل البلاد الاعجمية ودراسة الامن الثقافي في غاياتهم واهدافهم .
ولو ذهبت تسأل هؤلاء الموالي عن معنى الرشد لذهب الى عبادة الخليفة وورعه في مطعمه ومأكله فقط مع ان هذا واجب على كل مؤمن ملكا كان ام مرؤسا وذهب عن عقله عن معنى الرشد هو الامن من الخوف والاطعام من الجوع والرقي بالحياة بربانية تدين لله بجمال وهيبة فهم لايرون قصور قرطبة من الرشد ولا الدرهم الذي صنعه معاوية بن ابي سفيان والحجاج بن يوسف الثقفي الذي جاء برشد نافس فيه الصحابة وهو جعل القارات الثلاث تتعامل بالدينار العربي الاموي .
معلومات قيمة!
انطلقوا يا أبناء القادسية في فضاء التجديد، وإعادة كتابة التاريخ برؤية سنية!
هذه الطوام وغيرها لازالت تدفعنا للتساؤل عن حجم الكارثة الفكرية التي تسببت بها دواوين التاريخ والحديث ومن يتأمل في نتاج هذه الدواوين وما احدثته من فساد في ثقافة الامة وفكرها يشعر أننا أمة تتآمر على نفسها ..فكيف نقبل بهذا العبث والتحقير لتاريخ أمة العرب!
الدعوة إلى إعادة قراءة التاريخ وكتابته ونقد دواوين الحديث واعادة كتابة ضوابطه ليس ترفا فكريا ولا هو من اعمال الرفاه بل واجب وضرورة..
هكذا أستاذنا تطل علينا ربيعاً أخضر..
مثل هذه الأحاديث حياكة فارسية وتلاوة شعوبية .. هدفها..
١_زرع فكر اعور بأن العرب عاجزون عن القيادة الرشيدة المهدية سوى الفترة التي انتهت بالحسن وفيها غبش ودغش.
٢_رجوع العرب للخلف والتخلف القبلي الذي جعل الحكم عائلي ووراثي..
٣_ القبول بروايات مغلفة بقدسية بلا سند ولا وحي معتمد بل حكايات متهالكة (سكراب التاريخ ومرويات المخانيث) غايتها شيطنة الأمة أفرادا وزعامات كون الأمة قبلت .. الحكم الوراثي..ولذا أراد الحسين بخروجه إرجاع الأمة لجادة الصواب كما زعموا..
وهذا بالمناسبة ثقافة أعراب العجم من السنة وأما الشعية فلايعدون عندي ضرطة حمار..
٤_. طرد الاموين من كل خير فعلوه ومن كل معلم عمروه ولعمر الله معلوم لكل عاقل أصيل أن أفضل فترة عاشتها الأمة فتحا وعمارا وانتشارا هي أيام حكم الأمويين .. ومعالمهم تشهد إلى يومنا هذا ويوم يقوم الأشهاد.
الإنسان دائماً ما يجنح للمثاليات ويبتعد عن الواقع، ولذا فإنه يتكلم عن زمن الخلفاء الأوائل ويجعل منه مقياسا ثم يحاكم بقية الخلفاء عليه.
فلا هو استند لنصوص القرآن الكريم في التسمية ولا هو أتى بصحيح السنة!
محسن عبد الحميد وغيره من السهل عليهم أن يكتبوا المثاليات عن الحكام السابقين، ولكنهم مع أول تجربة للحكم سجلوا أفشل تجربة!
لذا فإن على المسلم أن لا يصدر أحكامه طبقا لآراء مسبقة لم يتبين صحتها فإن هذه الآراء المسبقة إحدى البلايا التي جنت – ولا زالت- تجني علينا.
كما تفضلت دكتور حفظك الله أن الأمة تقدس فترة زمنية محددة فقط كي يتسنى للطاعنين أن يذموا ويطعنوا كيف شاؤا في العهد الأموي والعباسي والأندلسي وغيره ٠
كل هذا مدروس من قبل الفرس وطابورهم الخامس وعلى رأس هذا الطابور شيخ الدين ذي اللحية الطويلة ) حتى اصبحت ثقافة سائدة ترددها الأجيال ومنها نشأت الفصائل التي تطالب باسترجاع الخلافة( على منهاج النبوة)