مقالاتمقالات أخرى

هذا معاوية الحقيقي! (2)

أ. معاوية الميلب

  تتمة للجزء الأول من مقالتي في حقيقة من كتب عن أمير المؤمنين معاوية – رضي الله عنه- وكان مما جاء فيه: أكثر الروايات المشينة على أمير المؤمنين معاوية والأمويين جمعها كل من البلاذري والطبري وكان مدارها على ثلاثة كذابين: يحيى بن لوط وسيف بن عمر والواقدي. أفلم يكن من بد للبلاذري والطبري إلّا أن يسودا أوراقهما من هؤلاء الرواة أو ممن شاكلهم من المجروحين!

وكأنهما لم يعتدا بقوله -تعالى-: ﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ‌إِن ‌جَآءَكُمۡ ‌فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ..﴾ الحجرات:6, ولا قوله -صلى الله عليه وسلم-: “‌كَفَى ‌بِالْمَرء إثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ”.

لقد كسف هؤلاء المؤرخون شمس تاريخنا وأظلماه عن غفلة منهما –هذا إن أحسنا الظن بهما- أو هذا حال من لا قضية له.

أما الجزء الثاني لمقالتي فقد جاء للتوسع قليلا في الموضوع نفسه, وهذا لمقتضيات الواقع الذي غفل عنه كثير، وكذلك لمقتضى خطر تزييف الحقائق والتزوير في تاريخنا, فقد اخترقنا في مقتل عظيم حين تم تشويه صورة عظمائنا, وهذ مما أّثّر على ثقافتنا وهويتنا.

ليست الرواية مزورة فحسب بل حتى تحليلها!

في الحقيقة أن الروايات والمصادر التاريخية التي أوردها البلاذري والطبري قدمت معاوية لمحكمة التاريخ، وأن التاريخ قد حكم عليه بدلالتها. وبالتالي بناءً على هذه المصادر التاريخية غير الحيادية والتي تفتقد للمصداقية قامت المؤسسات الشعوبية الفارسية، والمستشرقين غير الحياديين، وحتى كثير من المؤرخين العرب – بغفلة منهم أو تواطؤ- بمقاضاة معاوية, وتحليل هذه الروايات بما يتوافق مع مضمونها، واشتغلوا على مغالطة تاريخنا, وراحوا يتكلمون حتى في نوايا معاوية، وأن إسلامه كان مصلحيًا –حسب افترائهم- فقط للحصول على السلطة والتمسك بها، وأنه أسلم لينتقم من الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أسقط والده من مكانته الاجتماعية بين قريش والعرب!

والحقيقة أن هذه إسقاطة فارسية شعوبية ساقطة, واضحة وفاضحة.

وأستذكر هنا حكمة رائعة تقول: “كل مياه البحر لا تقدر على إغراق السفينة إلّا إذا تسلل الماء إلى داخلها”

ومن الواضح أن الفرس قد أدركوا معنى هذه الحكمة جيدًا، أدركوا أنهم لا يقدرون على إغراق سفينة الإسلام -إن صح التعبير- إلّا إذا أدخلوا شيئًا غريبًا في داخلها، فأوجدوا الشيعة، فكانوا المطية الأولى التي امتطاها الفرس لاحتلال أرض العرب وغزو الدين العربي الإسلامي الذي انبثق من هذه الأرض المباركة، وأسقط امبراطوريتهم التاريخية. وقد أوجدوا كثيرًا من الأدوات في حربهم على الإسلام منها دسّ الروايات في التاريخ وبقية المعارف, ولهذا نرى الفارسيات منثورة في تراثنا, بل حتى في الكتب الحديثية والتفاسير!

يقول الدكتور طه الدليمي: “القرآن هو الكتاب الوحيد الخالي من التشيع”, وما إن ينطلق الباحث السني – بقليل جهد- في النظر في المعارف الإسلامية سرعان ما يجد مصداق قول الدكتور –حفظه الله-.

هذا الدس في الروايات يهدف لتشويه صورة العرب عمومًا, وخصوصًا أولئك القادة الأفذاذ الذين ساهموا في إسقاط إمبراطورتيهم المجوسية, وهذا ما تسبب باضطراب ثقافي عند أهل السنة.

محنتنا الثقافية مع التاريخ

لا أتجنى إن قلت: ثَمّة مؤسسات جهدت في تجهيل أهل السُنّة وذودهم عن دراسة التاريخ على حقيقته, فضلا عن كون التاريخ السني غدا تحقيقه على المتخصصين فرض كفاية، وقد شرّعت هذه المؤسسات قوانينًا كثيرة, وروّجت لها لتجريم كل من يريد فتح (الصندوق الأسود أو أضابير الدعاوى التي أقيمت في محكمة التاريخ) ومن هذه القوانين:

– تلك دماء طهر الله أيدينا منها فلا نلوث ألسنتنا بها.

–  هل تكلم بهذا أحدًا من قبلك؟

–  من أنت؟

وهذه من أبخس القوانين أو القواعد التي ظلمت الحقائق وزيفت التاريخ، وجعلت كفة الشيعة ثقيلة في كتب التاريخ، وكفة السُنة طائشة مضطربة. وقد ساعدت هذه القوانين في تقهقر البحث العلمي في التاريخ –وغيره- وتركه لأعدائنا لتشريحه وتخييطه كيفما يشتهون، وقد وضعوا ما يحلوا لهم من الأمراض في جسم تاريخنا؛ ثم منعونا من معالجته, وهذه تسببت لنا في محنة وفوضى ثقافية خطيرة، بل تسببت في فتح ثغرة دخل منها التشيع لثقافتنا السُنيّة. فالفوضى الخلّاقة التي صنعها الفرس بعد مقتل أمير المؤمنين عثمان –رضي الله عنه- لم تقتصر على الجانب السياسي بل امتدت إلى الثقافي, وهذه أخطر.

لا بد من قراءة التاريخ على حتمية تنقيته من الدسائس والموضوعات, وكتابته برواية سُنيَّة متجردة، وإلا فتركه ببلاياه ذنبنا الجمعي الذي لا مغفرة له، وسيُبقي صورة عظمائنا في ذاكرتنا غير واضحة المعالم أو بالأحرى مشوّهة، وبالتالي سنفتقد هويتنا, ونحن نعلم أن للهوية دور كبير في صناعة التاريخ, والتاريخ له دوره في بلورة الهوية؛ لأن التاريخ هو الذاكرة, والهوية تقوم على الذاكرة.

 قبل أن أغادر مقالتي بجزأيها أقول لك أخي السني: حين يتحرر عقلك من اللوثات الفارسية الشيعية التي حيكت في الكوفة أو في زمن العباسيين عموما، وتقرأ بأسلوب “سُنّي متجرّد” يختلف عما هو سائد، ويخالف في قوانينه قواعد الجمود وتقييد العقل النقدي؛ عندها ستعرف من هو الرجل العظيم معاوية.

اظهر المزيد

‫16 تعليقات

  1. جزاكم الله خيرا اخي معاوية
    على هذا المقال الذي تبين فيه كيف دس الفرس
    من تزوير على عظماء الأمة ومنهم سيدنا معاوية
    حتى أصبح ثقافة في المجتمع الشيعي وحتى تسللت شيئاً فشيئأ إلى المجتمع السني والكارثة شيوخ الدين يرددونها بدون فلتر تمحيص وتدقيق!
    جزا الله خيرا الدكتور طه الدليمي الذي رسم لنا الطريق السني الخالي من لوثات التشيع
    ونسأل الله الثبات والتوفيق والقبول

  2. أشتى السني -مما يزيد على ألف عام-على هذه الروايات وتدفَّأ بها، واستعذب سمَّها، ولسائل أن يسآل علامَ نسم فلانًا بالمؤرخ والباحث في التاريخ والمحقق وكثيرون هم بيد أنهم لم يثبتوا لنا إلا قواعد رسخت في أهل السنة قناعة قبول حطب الليل الذي حزمناه ضغثًا تنوء به ظهورنا. حتى إذا ولد من يحرق هذا الضغث ويسقطه عن كواهلنا هجمت شرذمة المتعالمين، وأحفاد المؤولين، وأذيلةُ الداسين يصِدُّون وصدق الله في كتابه لما ذكر أننا سنواجه من هؤلاء: {ولما ضُرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصِدُّون}، فهذه حقيقة كشفها القرآن أمام المجددين. وهذا نماذج مكرورة تتمتع بكونها ضحية وفي الوقت نفسه يُمارس عليها كل أصناف الاستعباد الفكري والثقاقي والجسدي.
    شكرًا أبا هند.

  3. كثير من علماء أهل السنة صاروا يبتعدون عن الخوض بالأمور التاريخية بسبب تهمة النصب، هذه التهمة الداخيلة.
    وهم بتفكيرهم الخائف المرتجف هذا كرّسوا الجمود وقيدوا العقل الجمعي لأهل السنة.

  4. أعتقد أن شخصية في تاريخنا الإسلامي، من الرعيل الأول من الصحابة الذين تربوا على يدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد نالها من التشويه والدس والافتراء والظلم، ما ناله معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنهما- حيث امتلأت معظم المصادر التاريخية بعشرات الروايات الضعيفة أو المكذوبة و في العصر الحديث تلقف المستشرقون و من شايعهم، و تأثر بآرائهم من المنتسبين إلى الإسلام هذه الأباطيل، بل كانت مغنماً تسابقوا إلى اقتسامه ما دامت تخدم أغراضهم للطعن في الإسلام، و النيل من أعراض الصحابة.

    1. يعاني مجتمعنا من مرض التصلب الذهني، وإلا فكيف بصحابي وقائد عظيم مثل معاوية -رضي الله عنه- تشوّه سيرته ويقف أهل السنة معقودي الألسن وعدم رد هذه المهازل التاريخية!

  5. فعلاً نحن بحاجة لمن يتخصص بدراسة التاريخ والروايات ليخرج لنا بتاريخ منقى ومصفى بعيداً عن لوثات الشيعة والموالي..
    بوركت استاذ معاوية

  6. حياك الله أستاذ معاوية المليب مقال يدعو إلى وعي أهل السنة ونتشالهم من شبهات الشعوبية الفارسية الماكره التي تسربت إلى تاريخ قادتنا العظماء من بني أمية وخاصةً أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الأموية

  7. بسم الله الرحمن الرحيم
    جزى الله الاستاذ معاوية خير الجزاء
    بينت أمور مهمة في مقالتك بل وحتى في تعليقك بين التعليقات واستعير هنا تعليقك: (كثير من علماء أهل السنة صاروا يبتعدون عن الخوض بالأمور التاريخية بسبب تهمة النصب، هذه التهمة الداخيلة.
    وهم بتفكيرهم الخائف المرتجف هذا كرّسوا الجمود وقيدوا العقل الجمعي لأهل السنة)

  8. نحن بحاجة ماسة كما قال الدكتور من تسنين السنة وتحصين امنهم الثقافي من لوثة الشعوبيين والفرس وارجاعهم الى سنيتهم ومنهجهم الصحيح قبل تسنين الشيعة

اترك رداً على ام وائل إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى