الحجة القامعة، لمن قال: أن سن عائشة عند زواجها كانت التاسعة؛ والرد على حاتم العوني وغيره في ذلك.

أ. صالح السهيل

من الامور التي يحرص عليها المقلدون التوكيد على زواج نبينا صلى الله عليه وسلم على بنت صغيرة لم تعِ خطورة الزواج، لكونها في التاسعة من عمرها، كما روى ذلك البخاري وغيره.

وهذا يؤكد صدق المقولة التي تنص على أن عدواً عاقلاً خير من صديق جاهل.

وسأبين فيما يلي أن تلك الرواية باطلة جملة وتفصيلا، وأن ما دندن حواليه حاتم العوني وغيره لاستنقاذها من النكارة مجرد استكثار بروايات المدلسين والضعفاء.

فقد روى البخاري ومسلم من حديث هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة قالت:( تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وانا بنت ست سنين.. فأتتني امي وانا في الارجوحة ومعي صواحب لي فصرخت بي فأتيتها لا أدري ما تريد… فلم يرعني الا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى، فأسلمتني اليه وانا يومئذ بنت تسع).

فتأمل حفظك الله، وتفكر فيما لو اراد كافر الطعن بنبيك، والزعم أنه تزوج بنتاً صغيرة تلعب بالارجوحة، ودون حتى أن يستأذنها أو يخبرها، فهل يمكنه الاتيان بأعظم من ذلك؟

وهذا الحديث رواه هشام بن عروة، وما هذه بأولى مصائبه، إذ لما استقدمه العباسيون الى العراق، واجروا عليه الجرايات، صار يحدث بالمنخنقة والنطيحة وما أكل السبع، فمرة ينسب الى نبيه السحر، ومرة ينسب إليه الزواج بالصغار، وكل هذا بصيغة العنعنة عن ابيه، وهو اصلا مدلس فلا تقبل عنعنته حتى يصرح بالسماع.

ولا يهمنا بعد ذلك أن يروي عنه العراقيون أو المدنيون، فإن المدنيين قد رحلوا الى العراق للسماع منه كما لا يخفى.

فماذا فعل العوني؟ جاء بما زعمه متابعات لهشام أو لعروة، وزعم أنها صحيحة ثابتة، فلنرَ المتابعات التي ذكرها:

أما متابعات هشام، فقد ذكر متابعة الزهري  عند مسلم، ويكأن الدكتور المحقق في الحديث لا يعلم أن الزهري مدلس معروف جدا بالتدليس، وقد وصفه بذلك الطحاوي والدارقطني، وقد عنعن، فلا تقبل روايته حتى يصرح بالسماع.

أما متابعات عروة فهي كما يلي:

١- متابعة الأسود لعروة، وهو يرى فيها عنعنة الاعمش المدلس أيضا.

لذلك ذكر مسلم الروايتين في آخر الباب.

٢-متابعة ابن ابي مليكة عند النسائي في الكبرى (٥٣٤٥)، وفيها الاجلح بن عبد الله، ضعفه الاكثرون، ولم يوثقه الا قلة، لذلك ضعفه صاحبا التحرير.

٣- متابعة يحيى بن عبد الرحمن عند ابي داود (٣٨٦٧)! وليس احمد كما قال العوني، وفيها محمد بن عمرو بن علقمة، خرج له البخاري ومسلم مقرونا، مما يدل على عدم احتجاجهما به، والاكثر على ضعفه.

٤- متابعة ابي سلمة، عند النسائي في الصغرى (٣٤٠٤) وفيها يحيى بن ايوب الغافقي، ضعفه الاكثر، وقال الدارقطني: في بعض حديثه اضطراب، وهو جرح مفسر، لذلك قال ابن حجر: صدوق ربما أخطأ.

٥-متابعة القاسم بن محمد عند الطبراني في الكبير ٢٣/٢٢ وزعم ثبوتها!

قلت: انى لها الثبوت وفي اسنادها الحسن بن سهل الخياط، لم يوثقه سوى ابن حبان في الثقات ٨/١٨١؟ ومعلوم مذهبه في توثيق المجاهيل.

٦-متابعة عبد الملك بن عمير، عزاها العوني الى الطبراني ايضا، واقول: بل هي عند ابن سعد في الطبقات ٨/٦٥، فلماذا تبعد النجعة؟ وعبد الملك بن عمير مدلس، ذكره ابن حجر في الطبقة الثالثة من المدلسين ص٤١، وقد عنعن.

وفات العوني شاهد للحديث عن ابي عبيدة عن ابيه ابن مسعود عند النسائي في الكبرى (٥٣٥٠) وقد رواه النسائي مرسلا عن ابي عبيدة ورجح الرواية المرسلة على المسندة، والمرسل من اقسام الضعيف.

فالحمد لله كثيراً على أن هدانا لتبرئة رسولنا صلى الله عليه وسلم من هذا الهراء.