مقالاتمقالات أخرى

حقيقة قتل معاوية رضي الله عنه لحجر بن عدي

أ.صالح السهيل

اعلم أن من أكثر الشبهات المثارة على معاوية رضي الله عنه قضية قتله لحجر بن عدي رحمه الله سنة 51 للهجرة.

وحسبك من هذه الشبهة ان المخالفين لم يجدوا إنساناً قتل صبراً في عهد معاوية رضي الله عنه الطويل المديد إلا حجر بن عدي! فراحوا ينسجون حوله الأساطير والأضاليل، حتى وضعوا بعض الأحاديث المختلقة في فضل حجر، وأحاديث أخرى تتنبأ بأن قتله سيكون في أرض عذراء!

ومنشأ هذه الشبهة إناطة قتل معاوية لحجر بأمر لا يستوجب القتل، مثل حصبه زياد بن أبيه بالحجارة لما أطال خطبة الجمعة، أو عرض معاوية عليه البراءة من علي رضي الله عنه، ورفضه ذلك.

ويوهم أرباب هذه الشبهة الناس أن معاوية قتل حجراً بناءً على هواه وتشهيه وتنفيذاً لسورة غضبه! وليس بمحاكمة فيها قضاة وبينات وشهود وتهمة معتبرة يحاسب بناء عليها!

والحقيقة أنه لا يصح أن تكون أي من التهمتين السابقتين هي السبب المباشر لقتل حجر.

أما التهمة الأولى، فقد رواها ابن سيرين، وهي ثابتة عنه، ولكنه أخبر حسبما سمع، وذكر مظهراً واحداً من مظاهر القضية، ولم يحط خبراً بحيثيات القضية كلها، وكان شاباً حينها، لا يتجاوز التاسعة عشرة من عمره.

ثم هو كان في البصرة، أما المحاكمة فجرت في الشام.

أما التهمة الثانية فهي تهمة باطلة لم تثبت أصلاً من قبل إسنادها، لأنها من رواية الكذاب الهالك الرافضي أبي مخنف لوط بن يحيى عند الطبري وغيره، ومن المؤسف أن يغتر بها كثير من علماء السنة قديماً وحديثا!

وأبو مخنف – عليه من الله ما يستحق- هو الذي روى أن أحد من قتلوا مع حجر دُفن حيا! ولا يصح ذلك ولا يثبت، وإن اغتر به من اغتر دون تحقيق!

ولا يثبت كون حجر بن عدي صحابيا، وإن كان هذا غير مؤثر في تحرير سبب قتله، لأن أي إنسان له حرمة، سواء كان صحابياً أو حتى غير مسلم من الأصل.

 أما التهمة الصحيحة التي حكم لأجلها فقد بينتها الروايات الثابتة، وأوضحت أن حجراً قُتل بعد استشارة معاوية العلماء العدول فيه وإقرارهم.

روى أحمد في مسائل ابنه صالح قال: حَدثنَا أَبُو الْمُغيرَة قَالَ حَدثنَا ابْن عَيَّاش قَالَ حَدثنِي شُرَحْبِيل بن مُسلم قَالَ لما بعث بِحجر بن عدي بن الأدبر وَأَصْحَابه من الْعرَاق إِلَى مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان اسْتَشَارَ النَّاس فِي قَتلهمْ فَمنهمْ المشير وَمِنْهُم السَّاكِت فَدخل مُعَاوِيَة إِلَى منزله فَلَمَّا صلى الظّهْر قَامَ فِي النَّاس خَطِيبًا فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ جلس على منبره فَقَامَ الْمُنَادِي فَنَادَى أَيْن عَمْرو بن الْأسود الْعَنسِي فَقَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أَلا إِنَّا بحصن من الله حُصَيْن لم نؤمر بِتَرْكِهِ وقولك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي أهل الْعرَاق أَلا وَأَنت الرَّاعِي وَنحن الرّعية أَلا وَأَنت أعلمنَا بدائهم وأقدرنا على دوائهم وَإِنَّمَا علينا أَن نقُول {سمعنَا وأطعنا غفرانك رَبنَا وَإِلَيْك الْمصير} فَقَالَ مُعَاوِيَة أما عَمْرو بن الْأسود فقد تَبرأ إِلَيْنَا من دِمَائِهِمْ وَرمى بهَا مَا بَين عَيْني مُعَاوِيَة.

ثمَّ قَامَ الْمُنَادِي فَنَادَى أَيْن أَبُو مُسلم الْخَولَانِيّ فَقَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أما بعد فَلَا وَالله مَا أبغضناك مُنْذُ أَحْبَبْنَاك وَلَا عصيناك مُنْذُ أطعناك وَلَا فارقناك مُنْذُ جامعناك وَلَا نكثنا بيعتنا مُنْذُ بايعناك سُيُوفنَا على عواتقنا إِن أمرتنا أطعناك وَإِن دَعوتنَا أجبناك وَإِن سبقتنا أدركناك وَإِن سبقناك نظرناك ثمَّ جلس.

ثمَّ قَامَ الْمُنَادِي فَقَالَ أَيْن عبد الله بن مخمر الشرعبي فَقَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ وقولك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي هَذِه الْعِصَابَة من أهل الْعرَاق إِن تعاقبهم فقد أصبت وَإِن تَعْفُو فقد أَحْسَنت.

فَقَامَ الْمُنَادِي فَنَادَى أَيْن عبد الله بن أَسد الْقَسرِي فَقَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ رعيتك وولايتك وَأهل طَاعَتك إِن تعاقبهم فقد جنوا أنفسهم الْعقُوبَة وَإِن تعفوا فَإِن الْعَفو أقرب للتقوى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا تُطِع فِينَا من كَانَ غشوما لنَفسِهِ ظلوما بِاللَّيْلِ نؤوما عَن عمل الْآخِرَة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن الدُّنْيَا قد انخشعت أوتادها ومالت بهَا عمادها وأحبها أَصْحَابهَا واقترب مِنْهَا ميعادها ثمَّ جلس.

فَقلت لشرحبيل فَكيف صنع قَالَ قتل بَعْضًا واستحيى بَعْضًا وَكَانَ فِيمَن قتل حجر بن عدي بن الأدبر قَالَ قدم لتضرب عُنُقه فَقَالَ لَا تطلقوا عني حديدا وادفنوني وَمَا أصَاب الثرى من دمي فَإِنِّي ألتقي أَنا وَمُعَاوِيَة بالجادة قَالَ أَبُو الْمُغيرَة كَانَ ابْن عَيَّاش لَا يكَاد يحدث بِهَذَا الحَدِيث إِلَّا بَكَى بكاء شَدِيدا.

قلت: واسناد القصة صحيح، رجالها ثقات، وإسماعيل بن عياش ثقة في روايته عن الشاميين، وهذا منها، وشيخه شرحبيل بن مسلم وثقه أحمد وابن معين في رواية، فيقدم التوثيقان على تضعيف ابن معين له في الرواية الأخرى.

وجاء عند ابن عساكر في القصة ذاتها: فقال ابن عياش: فقلت لشرحبيل بن مسلم: كيف صنع بهم؟ قال: قتل بعضا وخلى سبيل بعض، فقلت لشرحبيل بن مسلم: ما كان شأنهم؟ قال: وجدوا كتابا لهم إلى أبي بلال  أن محمدا وأصحابه قاتلوا على التنزيل فقاتلوهم أنتم على التأويل .

فهذه القصة تبين ما يلي:

أولا: أن قتل حجر كان على ملإ من العلماء، وكلهم أقروا بجواز قتل حجر، وإن فضلوا العفو والاستحياء.

 وأعظمهم أبو مسلم الخولاني، التابعي المخضرم، العابد الزاهد المجاهد، صاحب الأحوال والكرامات المعروفة، ولم يكن يداهن معاوية يوما.

وعمرو بن الأسود العنسي كان من العلماء الثقات العابدين مجابي الدعوة، وهو من رجال الصحيحين، وفيه قال عمر رضي الله عنه: من سره ان ينظر الى هدي محمد فلينظر الى هذا.

وعبد الله بن مخمر الشرعبي كان قاضي القضاة في عهد معاوية.

وعبد الله بن أسد القسري، وهو والد خالد الوالي الشهير، وكان مجاهداً يغزو الروم، ولما قام ابن الزبير التحق به، فلما قتل عفا عنه عبد الملك.

ثانيا: ان التهمة كانت تآمر حجر وأصحابه مع الخارجي أبي بلال مرداس بن حدير، الذي كان يحارب الدولة الأموية بالسيف، فالتهمة هي الحرابة والخروج على الحاكم، وللردء والذي يقدم المساعدة فيها حكم المباشر، والحاكم مخير فيه بين العقوبات الواردة في آية الحرابة على رأي كثير من العلماء.

وكان ممن شهد على حجر القاضي المتفق على وثاقته وعدله شريح الذي استقضاه عمر على الكوفة، وأقره علي، وظل قاضياً فيها ستين سنة.

روى ابن عساكر بإسناد صحيح عن الشعبي أن شريحا كان يؤم قومه، فاتهموه في حجر، يعني حجر بن الادبر، فتقدم ذات يوم، فقالوا له: تأخر، فالتفت إليهم، فقال: أكلكم على هذا؟ قالوا: نعم، فتأخر ولم يتقدمهم.

وفي الختام: الحكم الذي قضي به على حجر حكم بحسب الظاهر، وقد يكون حجر بريئاً منه في حقيقة الأمر، فقد ظل حجر يؤكد على وفائه لبيعة معاوية بعد أخذه، روى ابن أبي شيبة والحاكم والطبراني بإسناد صحيح عن أبي إسحق السبيعي قال: رأيت حجر بن عدي حين أخذه معاوية وهو يقول: «هذه بيعتي لا أقيلها ولا أستقيلها سماع الله والناس» ، ولكن الحاكم يحكم بحسب الأدلة والشهود، ولا يؤاخذ بغير ذلك، لهذا قال معاوية لما عاتبته عائشة رضي الله عنهما على قتل حجر: ( إنما قتله الشهود).

اظهر المزيد

‫6 تعليقات

  1. رضي الله عن معاويه وعن بنو اميه لتصديهم للباطل ودفاعهم عن الحق فهم طيلة حكمهم لم يستطع الفرس وذيولهم النيل من دولة الاسلام

  2. كُل حاكم تحدث امور بحكمه يجب التعامل معها بالسيف
    وهذا يحدث في كُل زمان وهذا ما قام به امير المؤمنين
    الصحابي الجليل معاوية ابن ابي سفيان
    لتمكينه دولة العرب المسلمين
    جعلت الحاقدين يبحثون عن كُل ثغرة تسيئ لهذا الرجل العظيم لكونه اخمد فتن الحاقدين ..واقول ما فائدة هذه الاحاديث وهي تسيئ لمؤسس دولة الأمويين
    هي تعطي صورة سيئة لمن يقرأ عن هذا القائد العظيم
    بوركت جهودك وانت تبحث في كتبنا وتكشف احاديث
    الشعوبين.

  3. جزيت خيرا شيخنا الحبيب والطيب د. طه على توضيح هذي المفاهيم لقد كان معاويه بن ابي سفيان رضي الله عنه كان يستمر في مواجهه الباطل والتصدي له واتباع الحق لقد كان معاويه حاكما عضيماً وهذا زاد من الحاقدين حقدا وسبب ذلك الحقد مواجهته للمؤسسه العميقه الخبيثة له.

  4. دائماً أتهامات الفرس تسير بتجاه رموزنا وقادتنا وخاصة ًًمعاوية أمير المؤمنين رضي اللّه عنه مؤسس الدولة الأموية يزرعون هذه التهم الكاذبة في مصادر كتبنا بأفواه أعجمية وأقلام عربية ومع الاسف تمر هذه الأكاذيب مرور الكرام على الجميع إلا من رحمهم الله لتشويه تاريخنا العظيم على يد الفرس الخبثاء وأعوانهم العملاء
    (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)
    ( وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ )

  5. رضي الله عن سيدنا معاوية كان ملك دولة بلغت أقاصي الأرض وهو في حكمه عادل ،ولولا عدله ما دانت له الأمم،اما الشيعة فاهم ابعد الناس عن الحق ومالهم وحجر بن عدي فهم أكره الناس لاصحاب النبي وأتباعه .

اترك رداً على نهاوند محمد إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى