مقالاتمقالات أخرى

هل حقاً كل ما يؤذي فاطمة رضي الله عنها يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم؟وما علاقة ذلك بالحديث الذي جمع النصب والرفض من اقطابهما؟

أ. صالح السهيل

لا ينكر فضل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، ومكانتها، ولكن هل تصح المبالغة في تقديسها وإضفاء العصمة عليها؟ بحيث يطلق ان كل ما يؤذيها يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ما يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم فهو يؤذي الله، وبالتالي فهي مقدسة معصومة من الخطأ؟

الحقيقة أن كل من يطلق هذه الدعوى يغفل عن سياق الحديث الذي وردت فيه تلك الدعوى، وما فيه من المشكلات الإسنادية والمتنية.

روى البخاري ومسلم عن ابن أبي مليكة القرشي التيمي؛ أن المسور بن مخرمة حدثه؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وهو يقول “إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم، علي بن أبي طالب. فلا آذن لهم. ثم لا آذن لهم. ثم لا آذن لهم. إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم. فإنما ابنتي بضعة مني. يريبني ما رابها. ويؤذيني ما آذاها”.

ورويا من طريق علي بن الحسين أنهم حين قدموا المدينة، من عند يزيد بن معاوية، مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما، لقيه المسور بن مخرمة. فقال له: هل لك إلي من حاجة تأمرني بها؟ قال فقلت له: لا. قال له: هل أنت معطي سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه. وايم الله! لئن أعطيتنيه لا يخلص إليه أبدا، حتى تبلغ نفسي. إن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل على فاطمة. فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس في ذلك، على منبره هذا، وأنا يومئذ محتلم، فقال “إن فاطمة مني. وإني أتخوف أن تفتن في دينها”.

قال ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس. فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن. قال “حدثني فصدقني. ووعدني فأوفى لي. وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما. ولكن، والله! لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله مكانا واحدا أبدا”

أقول: هذا الحديث فيه المشكلات التالية :
أولا :كما يتضمن فضيلة لفاطمة رضي الله عنها يتضمن غمزاً من قناة علي رضي الله عنه بأنه أراد أن يتزوج بنت أبي جهل على فاطمة، وأنه أراد ان يخلف وعده للنبي صلى الله عليه وسلم، لذلك رفض بعض الشيعة هذا الحديث، وحكم بوضعه، ومنهم الشريف المرتضى، واتهم المسور بالنصب.
وشن عداب الحمش هجوماً شديداً على ابن شهاب والمسور لروايتهما هذا الحديث! واتهمهما بالحط على علي والثناء على صهر النبي صلى الله عليه وسلم الأموي!

أقول: الحقيقة أن ابن شهاب خرج من عهدة هذا الحديث، لأنه توبع عليه كما رأيت، فإعلال الحديث به ووصمه بالنصب مجرد تنفيس من عداب الحمش، لا علاقة له بالبحث العلمي!
ثم ان ابا العاص بن وائل، زوج زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم، عبشمي وليس اموياً كما زعم الحمش، فهو ابو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، اما الامويون فهم ابناء امية بن عبد شمس.

أما اتهام المسور بالنصب، فهذا يتمشى على رأي الشيعة، لأن المسور كان من جند ابن الزبير، وابن الزبير ناصبي عند الشيعة.

فتأمل كيف اننا حين ننفي هذه الفضيلة المزعومة لفاطمة رضي الله عنها، فإننا ندافع في الوقت نفسه عن علي رضي الله عنه، الذي هو أول من تعرض لإغضاب فاطمة على وفق هذا الحديث، وبالتالي تعرض لغضب النبي صلى الله عليه وسلم! ونبرئه من ارادة إخلاف وعده للنبي صلى الله عليه وسلم.

ثانيا: هذا الحديث يتضمن حادثة يفترض أنها اشتهرت، وأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب بها على المنبر، فهل يعقل أن يتجاهلها جميع الصحابة ولا يتذكرها إلا صبي كان يناهز الاحتلام في ذلك الوقت، وهو المسور؟

على أن قضية احتلام المسور عند ذلك الوقت قضية غير مسلمة، فقد ذكر ابن حجر في الإصابة أن قوله في هذه الرواية أنه محتلم يخالف ما أطبق عليه العلماء من أنه ولد بعد الهجرة لا قبلها، فيكون عند هذه الخطبة المزعومة لم يبلغ الحلم أصلا.

وعبثاً حاول المعلمي فيما كتب على هذا الحديث ترجيح بلوغ المسور سن الاحتلام عند رواية هذا الحديث، غافلاً عن تلك النكتة، فليس الموضوع سن المسور بقدر ما هو تفرده.

ثالثا: هل فاطمة رضي الله عنها معصومة من الخطأ حتى يكون ما يؤذيها يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم؟

رابعا: هل يعقل ان يجهل بيت فاطمة رضي الله عنها انفسهم هذا الحديث، ولا يعرفوه حتى يأتي طفل غير محتلم سمعه في ذلك الوقت، ليرويه لهم؟

خامسا: اضطراب الفاظ الحديث، فاللفظ الذي رواه علي بن الحسين ليس فيه لفظ الريبة والأذى، بل فيه ما يفيد ان فاطمة رضي الله عنها بشر كالبشر، تخطئ وتصيب، بل يخشى عليها الفتنة في دينها، وهو عكس اللفظ الأول تماما.

فمن كان آخذاً بالحديث، فليأخذ باللفظ الثاني، لخلوه من النكارة.

سادسا : هل يعقل ان يؤاخذ النبي صلى الله عليه وسلم بنت ابي جهل بكفر ابيها، وأن عار الآباء يبقى في أبنائهم كما زعم ابن حجر بأن هذا من فوائد الحديث! فأين قوله تعالى (ولا تزر وازرة أخرى)؟

وهذه القرائن كلها تدل على عدم صحة الحديث، فمن العجب بعد ذلك أن يتخذ هذا الجزء من الحديث سلماً للطعن في صديق هذه الأمة أبي بكر رضي الله عنه! بل يبنى عليه دين كامل يضفي العصمة على فاطمة رضي الله عنها، ويقرن رضاها وغضبها برضا النبي المعصوم حقاً وغضبه صلى الله عليه وسلم! ويُهمل السياق الذي جاء فيه الحديث عمدا!

أما ما جاء في الترمذي من رواية الحديث عن ابن أبي مليكة عن ابن الزبير، فقد ذكر الدارقطني في العلل أنها رواية معلولة، والوهم فيها من أيوب السختياني، خالف فيها ثلاثة من الرواة.

وسائر الشواهد التي ذكروها للحديث مرسلة راجعة الى هذا الحديث في الأرجح، وليس فيها حديث مسند، مثل مرسل سويد بن غفلة.

ولا شك ان هذه الروايات طالما ظلت في صحاح اهل السنة دون نكير فستبقى منبعاً ثراً يرفد التشيع في كل جيل، ويزرع بذور الترفض في كل مجتمع، اما التأويلات المتكلفة له فلن تجدي فتيلاً امام كل متحمس في طلب ما يظنه الحق.

اظهر المزيد

‫13 تعليقات

  1. جزاكم الله خيرا
    فاطمة (رضي الله عنها ) كونها ابنة النبي (صلى الله عليه وسلم )و زوجة علي ،رضي الله عنه و والدة الحسن والحسين (رضي الله عنهما ) و الروايات الدخيلة التي تقدس هذا البيت تقديسا يفوق حدود الدين و أخلاقيات الاسلام وكلنا يعلم المستفيد من هذا التلاعب في الاحاديث و التواريخ هم الفرس كل هذه الأمور تصب لصالحهم لايهام الجهلاء ان هؤلاء فوق البشرية اجمع و لا يستطيع اي شخص ان يصل لما هم عليه و بالتالي سيادة الفرس على هؤلاء .

  2. أ. سهيل الصالح شكراً وجزاك الله خير
    كنت اتسائل عن هذه الجزئية فجاء الرد منك ????
    سادسا : هل يعقل ان يؤاخذ النبي صلى الله عليه وسلم بنت ابي جهل بكفر ابيها، وأن عار الآباء يبقى في أبنائهم كما زعم ابن حجر بأن هذا من فوائد الحديث! فأين قوله تعالى (ولا تزر وازرة أخرى)؟

  3. في هذا المقال يجب فرز النسب عن الشرع
    وشرع الله فوق الجميع ولايوجد جناح خاص
    في دين الإسلام
    (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا )أما هذه الأحاديث هي من صنع الفرس المكذوبة على فاطمة رضي الله عنها الغاية منها وتمريرها للطعن في الصحابة رضي الله عنهما وخاصة أبا بكر
    ( رضي الله عنه) وتقديس لبيت علي
    وهو مدخل للتشيع
    ولو سألت الشارع السُني من أهل البيت لقالوا لك علي وفاطمة والحسن والحسين وهذه من أسباب
    الأحاديث المزورة التي متلئت بها كتبنا.

  4. حفظكم الله
    لا عتب على الشيعة كونهم يبحثون في تأليه أهل البيت رض،
    عتبنا على أهل السنة الذين اتبعوا الشبهات واتبعوا الروايات دون تمحيص أو نظر.

  5. كل الرواة الشيعةوالموالي كذابين وضعوا روايات كذب لنصرة دينهم الرافضى و لزرع الشك فى قلوب المسلمين واثارة الفتن بينهم
    ولكى يثبتوا اتباعهم الشيعة بان عقيدتهم الشيطانية لها اصول صحيحة فى كتب حديث اهل السنة ولكى يزرعوا الفتن والشك والاضطراب فى قلوب اهل السنة ولم يفتن احد من اهل السنة بالتشيع الا عن طريق هذه الروايات الموضوعة عمدا فى كتب اهل السنة.

  6. مع الاسف السنه تسللت لديهم اوهام و لوثات وعقد الشيعه و وقعوا في عقدة تقديس بيت علي لذلك صار من الصعب عليهم الاعتراض على مثل هذه الروايات نعم
    الجميع الا من رحم ربي يغفل عن سياق الحديث

  7. احسنت يا أستاذ صالح السهيل على هذا المقال الجميل.. وعنوانه صيغ بطريقة السؤال فيزرع الفضول لدى القارئ يجبره على الدخول للمقال كي يعرف الجواب .

    نعم يا اخ صالح كما تفضلت بالادلة العلمية والعقلية… وانت تسميها:( روايات في صحاح اهل السنة) ولو دققنا النظر أكثر لوجدنا هذه الروايات نستطيع أن نسميها قوالب مقدسة.. صنعا الفرس ودق ايوانها موالي الفرس حتى ثبتوها في امهات الكتب… ورددها الملالي دون تمحيص كلامهم وحملوها إلى المجتمع وسوقوها باحسن غلاف…فلابد من تكسير هذه القوالب الصنمية وتحرير الثقافة المجتمعية من قيود هذه القوالب.
    حقيقة زرعت هذه الرويات والقوالب بأتقان عجيب.
    ..
    وفق الله الجميع لكل عمل يحرر الفكر والمجتمعات من هذا الخبث والسرطان اللعين.

  8. أحسنت وبارك الله فيك.
    إن غياب الوعي وعدم الشعور بخطورة مغزى تلك الروايات ومقاصدها ومن المستفيد منها جعل القائمين على تناولها ينظرون دفع الشبهات عنها والتبرؤ من كل مستريب فيها كونها ارتبطت قدسيتها بعصمة شخوصها.
    وكما نلاحظ أن المؤسسة العميقة نجحت في ترسيخ مفهوم العصمة لاولئك الذين تصحرت افكارهم وتصخرت عقولهم في تمحيص تلك المرويات والنظر في خطورتها على الأمن الفكري وكيف ينشأ ثقافة التقديس العصموية لغير النصوص القرآنية.

  9. سلمت اناملك يا أ. صالح

    مسلمات عقلية بسبب التكرار فأصبحت من الثوابت
    وعدم التفريق بين الحديث النبوي والسنة النبوية، رفع من شأن الحديث وكتب الحديث وعلماء الحديث إلى مرتبة التقديس .
    تركة كبيرة تقع على عاتقنا نحن جميعاً.
    رغم ان علماء السابقين كانو يفرقون يفرقون بين علماء الحديث وعلماء السنة.
    “. ومنه مقولة عبد الرحمن بن مهدي المشهورة : سفيان الثوري إمام في الحديث ، وليس بإمام في السنة ، والأوزاعي إمام في السنة ، وليس بإمام في الحديث ، ومالك بن أنس إمام فيهما جميعا . ”
    أي لم تكن لديهم هذا الخلط والتقديس للحديث والرواية كما نحن عليه اليوم
    والكلام يطول في هذا.

  10. تقديس فاطمة رضي الله عنها
    أو غيرها غير مقبول في شرع
    الله لا توجد قدسية لبشر
    هذا ما ذكره الانبياء في مخاطبتهم
    لإقوامهم ، (109) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) فكيف بأحاديث من قول بشر
    لا نعرف حقيقتهم وغايتهم من نشر احاديثهم في كتبنا الصحاح
    تهدف للغلوا في آل علي وعزلهم عن باقي صحابة رسول الله ونشر ثقافة التشيع الفارسي بطريقة مبطنة ومحصنة
    بوركت جهود الباحثين وما يقدموه ومنهم الأستاذ الفاضل صالح السهيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى