مقالاتمقالات أخرى

     الهوية السنية الترياق المضاد للتغلغل الإيراني

أ. العنود الهلالي

ساعدت التحولات السياسية وثورات الربيع العربي إيران في التدخل بشؤون بعض الدول العربية؛ فقد نشطت منظماتها الثقافية والعسكرية في مناطق الربيع العربي ومن قبل ما كان من استحواذها على العراق منذ 2003 في حين أن مناعة المنطقة العربية برمتها ضعيفة تجاه هذا الخطر الشرقي الذي يهدد أمنها الثقافي ويفسد السلم المجتمعي في بلدانها بإذكاء الطائفية والفوضى الإقليمية إن استطاعت إلى ذلك سبيلا!

ولتكمل دورها التخريبي المنظم لا بد من الخداع والمخاتلة؛ لذا هي تُغازِل العرب دون كلل بتصريحاتها التي تنادي فيها بالمصالحة أو الاتفاقيات الإستراتيجية التي تصب في صالح المنطقة كما تزعم وتدعي في شعاراتها البراقة.

مداخل التسلل الإيراني للجوار العربي

“صرَّح الخميني حال وصوله لطهران 1979: سنُصدِّر “الثورة” إلى كل العالم، حتى يعلم الجميع لماذا قمنا بالثورة، لقد كان هدفنا الاستقلال بمعنى التحرُّر من القيود والتبَعية للشرق والغرب، والحرية، إن ثورتنا يجب أن تصدَّر إلى كل أنحاء العالم، تصدير الثورة هو أن تستيقظ كل الشعوب والحكومات”[1].

وقد سعت إيران لتنفيذ هذه الأيديولوجية من خلال خطتها لنشر التشيع وتصدير الثورة للبلاد العربية وخاصة دول الجوار فعملت بكل جهودها على مداخل الاختراق الثلاث: اختراق السلطة، واختراق النخبة واختراق المجتمع.

 نجحت حتى الآن باختراق السلطة في العراق واليمن وسوريا ولبنان وكادت في البحرين ومصر أما اختراق النخبة والمجتمع فقد كان أيسر بكثير من اختراق السلطة من خلال استمالة النخب المتصدرة من قوميين واسلاميين بركوب القضية الفلسطينية ومعاداة المحتل الإسرائيلي عن طريق دعمها لحركات المقاومة السنية كحماس والجهاد الإسلامي، وأيضا دعم حزب الله الشيعي في لبنان ضد “العدو الإسرائيلي”.

ومن جانب آخر صنعت لها عمقا استراتيجيا في بعض الدول بتسييس المذهب ودعم القوى السياسية الشيعية لتنفيذ اجندتها مما عزز بروز الولاءات الطائفية وبالتالي هشاشة الهوية الوطنية وضعف الانتماء للدولة والمجتمع.

الترياق المضاد للتغلغل الإيراني

ذكرت في المقال السابق أهمية تحصين المجتمع السني في المشرق العربي أمام الغزو الثقافي الفارسي وربيبه الشيعي، وابراز الهوية السنية والتبشير بها كما يقول الدكتور طه الدليمي هو أحد أهم الأركان في بناء الحصانة الفكرية والثقافية للمجتمعات العربية السنية.

وعن قيمة الهوية السنية، ومدى حاجتنا في المشرق العربي إليها يقول الدكتور طه الدليمي: “في حال وجود صراع هويات من أي نوع أو درجة: فكري أو سياسي أو دموي، يصبح ذكر النظير النوعي المقابل للهوية الذاتية ضرورة لكي تعطي هذه الهوية مفعولها، وتنتزع الحقوق على أساسها. إن أصل منشأ (الهوية) هو وجود نظير منافس بهوية أو اسم مقابل يميزه. وهذا يعني أن الهوية النظيرة لها ملحظان: فهي علة منشئة، وهي حاجة مميِّـزة. لا بد إذن من ذكر العدو بهويته النظيرة المميزة له”[2] أما وهم التعارض بين الهوية الخاصة والهوية العامة فيقول عنه في كتابه فقه الهوية: “يتوهم الكثيرون أن الانتساب للسنة والاحتماء بالهوية السنية نوع من الطائفية يتناقض مع الهوية الوطنية. وهذا وهم لا يستند إلى أساس علمي سوى الثقافة القديمة التي ما عادت تلبي حاجة التطورات الجديدة، والتغيرات، والتبدلات السياسية، والاجتماعية. بل تحولت إلى عبء، علينا أن نسارع إلى مراجعته والنظر فيه من جديد كي نلقي الضار وما لم يعد نافعاً ولا نحن في حاجة إليه منه، ونبقي على ما سوى ذلك، ثم نضيف إليه ما يتطلبه الواقع الجديد بمتغيراته وتبدلاته. إن الهوية العامة أو الأكبر – متى ما روعيت الضوابط المطلوبة – ليست في حاجة إلى إلغاء الهوية الخاصة أو الأصغر”[3].

إن مجابهة التمدد الفكري الإيراني الذي طالما مهّد لتمددها العسكري لن يكون مجديا ما لم تكن الهوية السنية حاضرة في وجدان المجتمع العربي دون الشعور بحرج من التصريح بها وابرازها أمام التحدي الشيعي الطائفي.


[1] صفوت جبر، التمدد الإيراني في الوطن العربي.. بين الاختراق السياسي وحلم المد الشيعي

[2] د. طه حامد الدليمي، فقه الهوية

[3] المصدر السابق

اظهر المزيد

‫9 تعليقات

  1. بدون هوية خاصه بنا نحن “السنه” لن نحصل على مانريد ولن نصل الى هدفنا الاساسي وهويتنا هي “الهويه السنية” وهي بعينها قضيتنا المركزية،
    بدون شعارٍ خاصٍ بنا يميزنا عن غيرنا لن نكون سوى مجموعة مشتته مجهولة وكما ذكر د. في كتابه (فقه الهوية) بأن الهوية: هي مايميز الشيء عن نظيره عند الحاجة للتميز✅
    بوركت جهودكِ استاذه عنود????

    1. مقال ممتاز يسلط الضوء على أهمية الهوية وخاصة لأهل السنة؛ لأنها فعلاً الترياق الذي يحمي ويحافظ على الوجود السني أمام التمدد الشيعي والذي صار كالأخطبوط الذي مد أذرعه في كل إتجاه.

  2. الهوية: يعني حفظ الحقوق وصون الحياة حتى لا يتكرر علينا الزمن مرارا وتكرارا، حتى لو أردت تجاوز الهوية التي يسمونها طائفية يجبرونك على أن تتطرف لسنيتك بطائفيتهم. شكرا للأستاذة العنود على جهودها

  3. أهل الباطل يعتزون كثيرا بهويتهم دون حياء وخجل.. بل ونادوا بمظلومية هويتهم حتى تم تدويلها كما في البحرين والعراق
    ماذا عنا نحن أهل الحق لا نعتز بهويتنا وننادي بحقنا في اظهارها دون الاهتمام بتهمة الطائفية التي تترصد لكل سني يحاول ان يتكلم من خلال هذه الهوية
    اعان الله سنة المشرق وهيأ لهم من أمرهم رشدا

  4. احسنت .. هي الكرت الرابح الذي سينجو به كل من سنة العراق واليمن ولبنان وسوريا وبالتأكيد يحافظ على قوة وصلابة الخليج العربي شعوبا وحكومات

  5. الهوية لها خصوصية في الازمات والتحديات بل هي الأصل في التمييز ومعرفة الآخرين ديناً وقومياً وسياسياً وعشائرياً
    ضرورية رفع الهوية يحددها الخطر الاكبر في البلد ونحن شخصنا هذا الخطر ( الشيعي) ولهذا رفع الهوية السنية أولى من باقي الهويات.
    ذكر الله عز وجل هوية إبراهيم ديناً وميزها عن الديانات الاخرى.
    ( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )

  6. هناك عدة عوامل للنصر في اي مواجهة
    وعامل الهوية هو من اهم العوامل الذي يعتبر الأول.
    وبالنظر إلى مختلف التجارب السابقة بمختلف دياناتهم وتوجهاتهم نجد ان اول عامل يبرز في المواجهة هو الهوية لما لها من تأثير نفسي في الجمهور بصور عامة والنخب بصورة خاصة.
    نجد الشيعة اكثر من فهم أهمية عامل الهوية فتجدهم في اي تحدي يواجههم صغير أو كبير يبرزون هويتهم ويحاولون تحويل المشكلة الى طائفية وان كانت بعيدة كل البعد عن الهوية والطائفة
    بالمقابل اهل السنة تنازلوا عن اهم عامل في المواجهة هو الهوية فدفعوا الثمن غالي ومازالوا وسيبقون مالم يستدركوا أنفسهم بأبراز هويتهم والدفاع عنها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى