مقالاتمقالات أخرى

هل ثبت سب الأمويين لعلي رضي الله عنه على المنابر؟ وكيف كانت نظرة الأمويين الى علي رضي الله عنه ؟

أ.صالح السهيل

لم تكن نظرة الأمويين الى علي رضي الله عنه مثالية، كما انها لم تكن سوداء قاتمة.

وفي سب الامويين لعلي على المنابر روايات ضعيفة:

الأولى: روى أحمد ومسلم والترمذي من طريق بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال:

أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال: ما منعك أن تسب أبا التراب؟ فقال: أما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلن أسبه. لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلى من حمر النعم. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له، خلفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله! خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم “أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى. إلا أنه لا نبوة بعدي”. وسمعته يقول يوم خيبر “لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله” قال فتطاولنا لها فقال “ادعوا لي عليا” فأتي به أرمد. فبصق في عينه ودفع الراية إليه. ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه الآية: فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبنائكم [٣/ آل عمران/٦١] دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال “اللهم! هؤلاء أهلي”.

هذا سياق ملفق من عدة قصص تبدو الصنعة عليه بادية في العصر العباسي الكيساني، وبعض هذه القصص ثابت بأسانيد أخرى وبعضها منكر تفرد به هذا الإسناد، فهو سياق فرد غريب، وقد أشار إلى ذلك الترمذي، تفرد به بكير هذا، وقد قال فيه البخاري: فيه نظر، ووثقه غيره، عن عامر بن سعد، ولم يوثقه سوى ابن حبان والعجلي، فهو مجهول.

والذي ثبت عن سعد حديث المنزلة فقط، رواه عنه سعيد بن المسيب وابراهيم ومصعب وعائشة ابناء سعد، أما حديث الراية فثابت من غير رواية سعد.

أما قصة المباهلة فمنكرة، وقد استنكرها الشيخ محمد عبده بأن كلمة (نساءنا) لا يطلقها العربي ويريد بها بنته، لا سيما إذا كان له أزواج، وأبعد منه أن يقصد بـ(أنفسنا) علي!

فمنه يتبين ان ما نسبه الى معاوية رضي الله عنه من منكراته.

اما متابعة عبد الرحمن بن سابط لعامر عند ابن ماجه والنسائي فلا تطعن فيما سبق، لأن ابن سابط لم يسمع من سعد كما قال ابن معين، فهو منقطع، ولعل الإسناد يرجع الى عامر نفسه.

الحديث الثاني: روى البخاري ومسلم من حديث عبد العزيز (يعني ابن أبي حازم) عن أبي حازم، عن سهل بن سعد. قال:

استعمل على المدينة رجل من آل مروان. قال فدعا سهل بن سعد. فأمره أن يشتم عليا. قال فأبى سهل. فقال له: أما إذا أبيت فقل: لعن الله أبا التراب. فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي التراب. وإن كان ليفرح إذا دعي بها. فقال له: أخبرنا عن قصته. لم سمي أبا التراب؟ قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة. فلم يجد عليا في البيت. فقال “أين ابن عمك؟ ” فقالت: كان بيني وبينه شيء. فغاضبني فخرج. فلم يقل عندي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان “انظر. أين هو؟ ” فجاء فقال: يا رسول الله! هو في المسجد راقد. فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع. قد سقط رداؤه عن شقه. فأصابه تراب. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول “قم أبا التراب! قم أبا التراب! “.

هذا السياق تفرد به عبد العزيز هذا، وثقه ابن معين والنسائي، إلا أنه ترك الرواية عنه ابن مهدي، ولينه ابن سيد الناس، وكان حاتم بن إسماعيل يطعن عليه في أحاديث رواها عن أبيه، وقد روى يعقوب بن عبد الرحمن الزهري وسليمان بن بلال الحديث عن أبي حازم دون القصة، مما يدل على أنها قصة شاذة أضيفت بأخرة تقرباً إلى العباسيين الكيسانية.

الحديث الثالث: روى اسحاق بن راهويه قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق قال: كان مروان أميرا علينا سنين، فكان يسب عليا رضي الله عنه كل جمعة على المنبر، ثم عزل مروان، واستعمل سعيد بن العاص سنين، فكان لا يسبه، ثم عزل سعيد، وأعيد مروان، فكان يسبه، فقيل للحسن بن علي رضي الله عنهما: ألا تسمع ما يقول مروان؟ فلا ترد شيئا؟ فكان يجيء يوم الجمعة، فيدخل حجرة النبي صلى الله عليه وسلم فيكون فيها، فإذا قضيت الخطبة، خرج إلى المسجد فصلى فيه، ثم يرجع إلى أهله، فلم يرض بذلك مروان، حتى أهدى له في بيته، فإنا لجلوس معه، إذ قيل له: فلان على الباب، فأذن له، فدخل فقال: إني جئتك من عند سلطان، وجئتك بعزمة، فقال: تكلم، فقال: أرسل مروان بعلي وبعلي بك وبك، وما وجدت مثلك إلا مثل البغلة، يقال لها: من أبوك؟ فتقول: أمي الفرس.

فقال: ارجع إليه، فقل له: والله لا أمحو عنك شيئا مما قلت بأني أسبك، ولكن موعدي وموعدك الله، فإن كنت صادقا يأجرك الله بصدقك، وإن كنت كاذبا، فالله أشد نقمة، قد أكرم الله تعالى جدي أن يكون مثلي مثل البغلة، ثم خرج، فلقي الحسين رضي الله عنه في الحجرة، فسأله، فقال: قد أرسلت برسالة وقد أبلغتها، قال: والله لتخبرني بها، أو لآمرن أن تضرب حتى لا يدرى متى يفرغ عنك الضرب، فلما رآه الحسن رضي الله عنه قال: أرسله، قال: لا أستطيع، قال: لم؟ قال: قد حلفت، قال: أرسل مروان بعلي وبعلي وبك وبك، وما وجدت مثلك إلا مثل البغلة، يقال لها: من أبوك؟ فتقول: أمي الفرس، فقال الحسين رضي الله عنه: أكلت بظر أمك إن لم تبلغه عني ما أقول له، قل له: بك وبأبيك وبقومك، وآية ما بيني وبينك أن تمسك منكبيك من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم.  أخبرنا النضر بن شميل، أنا ابن عون، عن عمير بن إسحاق، فذكره، نحوه.

وقال في حديثه: قد أكرم الله تعالى جدي أن يكون مثله مثل البغلة، قال: فخرج الرسول فاستقبله الحسين رضي الله عنه، وكان لا يتعوج عن شيء يريده، وقال: فقال الحسين رضي الله عنه إني قد حلفت، قال الحسن رضي الله عنه: فأخبره، فإنه إذا لج في شيء لج.

وقال: فاشتد على مروان قوله رضي الله عنه جدا، يعني قوله: ” أن تمسك منكبيك ” إلى آخره.

قلت: فيه عمير بن إسحق، لم يرو عنه في الدنيا سوى ابن عون، ولم يعرفه مالك مع كونه مدنيا! واختلف فيه قول ابن معين، فمثل هذا ضعيف مجهول.

وفي القصة نكارة ظاهرة، فقد نسبت الى الحسين السب بالألفاظ النابية التي ينزه عنها أبناء الشوارع، فلينظر المخالفون بماذا يحتجون!

الحديث الرابع: روى أحمد قال: حدثنا محمد بن بشر، حدثنا مسعر، عن الحجاج مولى بني ثعلبة، عن قطبة بن مالك، عم زياد بن علاقة قال: نال المغيرة بن شعبة من علي، فقال زيد بن أرقم: قد علمت ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن سب الموتى “، فلم تسب عليا وقد مات؟

أقول: قواه محققو الإسناد بطريق آخر، لكنهم غفلوا عن علته الحقيقية، وهي قطبة بن مالك، ادعى الصحبة، ولا يُعلم ذلك إلا من طريقه! ولم يرو عنه سوى ثلاثة أحدهم ابن أخيه! فهو مجهول.

والخلاصة انه لم يثبت سب الأمويين لعلي رضي الله عنه بأي اسناد صحيح.

اما عن علاقة الأمويين الحقيقية بعلي، فتبينها هذه الروايات.

روى مالك عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أن رجلا من أهل الشام يقال له: ابن خيبري، وجد مع امرأته رجلا فقتله أو قتلهما معا، فأشكل على معاوية بن أبي سفيان القضاء فيه، فكتب إلى أبي موسى الأشعري، يسأل له علي بن أبي طالب عن ذلك، فسأل أبو موسى عن ذلك علي بن أبي طالب، فقال له: علي: «إن هذا الشيء ما هو بأرضي، عزمت عليك لتخبرني». فقال له أبو موسى: كتب إلي معاوية بن أبي سفيان أن أسألك عن ذلك، فقال علي: أنا أبو حسن، إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته.

ولما قال عمران بن حطان أبياته الشهيرة في الإشادة بقاتل علي، وهي:

يا ضربة من تقي ما أراد بها … إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إني لأذكره حينا فأحسبه … أوفى البرية عند الله ميزانا

أكرم بقوم بطون الطير قبرهم … لم يخلطوا دينهم بغيا وعدوانا

بلغ شعره عبد الملك بن مروان، فأدركته حمية لقرابته من علي – رضي لله عنه- فنذر دمه، ووضع عليه العيون.

فلم تحمله أرض، فاستجار بروح بن زنباع، فأقام في ضيافته، فقال: ممن أنت؟

قال: من الأزد.

فبقي عنده سنة، فأعجبه إعجابا شديدا، فسمر روح ليلة عند أمير المؤمنين، فتذاكرا شعر عمران هذا.

فلما انصرف روح، تحدث مع عمران بما جرى، فأنشده بقية القصيد.

فلما عاد إلى عبد الملك، قال: إن في ضيافتي رجلا ما سمعت منه حديثا قط إلا وحدثني به وبأحسن منه، ولقد أنشدني تلك القصيدة كلها.

قال: صفه لي.

فوصفه له، قال: إنك لتصف عمران بن حطان، اعرض عليه أن يلقاني.

قال: فهرب إلى الجزيرة، ثم لحق بعمان، فأكرموه.

وعن الشعبي: سألني الحجاج بن يوسف عن مسألة، فأخبرته بأقاويلهم فأعجبه قول علي، فقال: قول من هذا؟ فقلت: قول أبي تراب، ففطن الحجاج فقال: إنا لم نعب على علي قضاءه، إنما عبنا كذا وكذا.

اظهر المزيد

‫5 تعليقات

  1. التشيع نخر أصح الكتب عندنا . وجدت في المواقع الشيعية حديث يحتج به علينا من صحيح مسلم أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وأرضاها تسب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه وتقول له كذبت رقم الحديث 2502 وعندما فتشت في الحديث وجدت فيه أبو أسامة حماد بن أسامة الكوفي مولى بني هاشم وقيل مولى زيد بن علي . قال عنه محمد بن عثمان بن كرامة . أبا اسامة يقول . وضعت بنو أمية على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة الألف حديث. قال الذهبي في تاريخ الاسلام هذه مجازفة من أبي أسامة وغلو والكوفي لايسمع قوله في الأموي. علما أن البخاري ومسلم انفردا عن أسامة بهذه الرواية أن أسماء تسب عمر . كم من الدس على كتب أهل السنة والجماعة.

  2. أحسنت أستاذ صالح السهيل على هذا المجهود والذي يثير لدينا أسئلة كثيرة حول كم الدس في كتبنا لم يكشف ولم يبحث إلى الآن.

  3. جزاك الله خير استاذ صالح اسهيل مقال قيم
    قال تعالى والسابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها ابدا ذلك الفوز العظيم (١٠٠) (التوبه )هذه الآية العظيمه وتزكيتها لصحابة رضوان الله عنهم ومنهم علي أبن أبي طالب رضي الله عنه كيف لمعاويةرضي الله عنه
    أن يامر بسبه على المنابر وهل تسمح اخلاقه بهذه الافعال التي لا يفعلها مسلم موحد يعرف شرع الله وحقوقه… للأسف نحن مصابون بدأ الشعوبية بعد تصديقانا لهذه الاكاذيب

  4. مقال مهم ويستحق النشر على اوسع نطاق ليغير قليلا من ثقافتنا المشوبة بالروايات المدسوسة..
    بارك الله فيك استاذ صالح على هذا الطرح العلمي

  5. شكرا لكم على هذي المقالات التي تطرق مواضيع جد مهمة وتصحح ثقافة شائعة تجاه الامويين العظام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى