مقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

التشيع الاجتماعي

.. المرحلة الثانية من مراحل تشيع السنة

د.طه حامد الدليمي

أي تحول اجتماعي يبدأ أولاً من تغيير ثقافة المجتمع؛ لذا كانت بدايتنا من التشيع الثقافي.

الثقافة ظاهرة اجتماعية تتمثل في الشخصية الجمعية والتوجه العام للمجتمع تظهر فيما يصدر عنه من قول وفعل وسلوك وخلق، وتشكل الباعث الأكبر المحرك لروح الجمهور.

إن للثقافة أثرها الفاعل في تشكيل الميل العام للمجتمع وردود أفعاله وتحديد موقفه وسلوكه تجاه شتى التحديات. ثم أخيراً في تحوله الجمعي من حال إلى حال لم يكن عليه من قبل.

تتكون الثقافة من منظومة عناصر (الدين والعلم والمعرفة واللغة والتاريخ والفن والقيم والتمدن والبداوة والجغرافيا والمُناخ والتقاليد والأعراف والأساطير والخرافات والتحديات بأنواعها. تفاعلت هذه العناصر وغيرها فيما بينها فتكونت تلك الشخصية الجمعية. ولكل مجتمع شخصيته التي تنفرد بصفات اجتمعت فيها وتفرقت في غيرها. كالحِلم أو التهور، والكرم أو البخل، والشجاعة أو الجبن، والعلمية أو الخرافية… وهكذا.

الثقافة إذن:

    أشمل من العلم.

    أعظم تأثيراً وأخطر أثراً في حياة المجتمع. وهذا محور مقالي، وإليكم بيانه:

الأحكام الشرعية بين العلم والثقافة

انظر كيف تميز الثقافة بين العراقي والسعودي والشامي والمصري، ما لا يتحقق بالعلم الذي يطرح في المدارس ولو كان موحداً أو متقارباً. وقد يجتمع في مؤسسة علمية مجاميع من الطلبة من مجتمعات متعدة داخل دولة ما، يدرسون المواد المقررة نفسها، ثم رغم ذلك تبقى شخصية كل مجموعة تختلف عن غيرها تبعاً لاختلاف بيئتها وثقافتها، التي لا يشكل العلم سوى خيط واحد من نسيجها. العلم أحد عناصر الثقافة، والثقافة بمجموع عناصرها المتفاعلة فيما بينها هي التي تصنع الشخصية المميزة للفرد والمجتمع.

ومن العلم معرفة الأحكام الشرعية الفرعية. وهذا النوع من الأحكام يجوز الاختلاف فيها ما لم يثبت الحكم بنص قطعي الثبوت قطعي الدلالة، مثل أركان الوضوء الواردة في (سورة المائدة:6)؛ لذا كان المخطئ في الفرعيات مأجوراً، متى ما بذل العامل وسعه في معرفة الحق: بحثاً أو سؤالاً. والمصيب كذلك!

خطورة قاعدة: التشدد في شروط صحة الأحكام الفرعية والتساهل فيما دونها

قال الخطيب البغدادي (الكفاية في علم الرواية/133): “قد ورد عن غير واحد من السلف أنه لا يجوز حمل الأحاديث المتعلقة بالتحليل والتحريم إلا عمن كان بريئاً من التهمة بعيداً من الظنة. وأما أحاديث الترغيب والمواعظ ونحو ذلك فإنه يجوز كتبها عن سائر المشايخ”. وقال ابن حجر (لسان الميزان:1/13): قال الامام أحمد: “ثلاثة كتب ليس لها أصول المغازي والتفسير والملاحم”. ثم قال ابن حجر منبهاً على اختلال ما قاله البغدادي: “ينبغي أن يضاف إليها الفضائل؛ فهذه أودية الأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ إذ كانت العمدة في المغازي على مثل الواقدي وفي التفسير على مثل مقاتل والكلبي وفي الملاحم على الاسرائيليات. وأما الفضائل فلا تحصى كم وضع الرافضة في فضل أهل البيت”. اهـ.

بالمثال يتضح الإشكال

إن المتأمل في الفرْق بين أثر الثقافة وأثر الأحكام الفرعية على المجتمع يجده كبيراً. مثلاً:

– الاختلاف في خروج الدم نتيجة حصول جرح لأي سبب: هل ينقض الوضوء أم لا؟

– وفي وجوب قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية.

– صلاة تحية المسجد والإمام يخطب.

– هل يمسك الصائم عند سماع الأذان وإناء الماء على يده، أم له أن يشربه ثم يمسك؟

– ستر المرأة وجهها بالنقاب وكفيها بالقفازين.

ومثلها مئات المسائل الفرعية. وقد يختلف العلماء إلى أكثر من ذلك من أقوال. ويختلف الناس تبعاً لاختلافهم. ومع ذلك لا نجد أثراً لهذا الاختلاف على ميولهم العامة وردود أفعالهم وتحديد موقفهم وسلوكهم تجاه شتى التحديات. ولا يكون الاختلاف الفقهي عاملاً مؤثراً في التحول الجمعي للمجتمع من حال إلى حال عبر الزمن.

لكن حين تجد مجتمعاً:

– تنتشر فيه المراقد دون نكير.

– وتشيع فيه الروايات التي تقدس علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، مع تناسي بقية أولاد النبي e وهم ستة (زينب ورقية وأم كلثوم والقاسم وعبد الله وإبراهيم).

– ويتميز فيه أشخاص كعمار؛ لا لشيء سوى أن له تعلقاً ما بعلي؛ فهو الفيصل بين الحق من الباطل، وبين الفرقة الباغية من الناجية. وقاتله، بل سالبه، في النار.

– ويصحَّح كل ما يفعله علي وأهله ومن آل إليه بسبب، ويُخَطَّأ كل من خالفهم.

– ويحكم لساب أحدهم بالكفر، بينما يحكم لساب الصحابي بالفسق!

– ويُدخل علي وذريته في مفهوم (أهل البيت)، حتى صار في اللاوعي الجمعي امتيازاً لهم وحدهم دون شريك!

– ويُخَصُّ هؤلاء بمنزلة دينية أُسَرية لم تُجعلْ لغيرهم.

– ويكثر من ذكرهم ونشر فضائلهم: ما صح وما لم يصحّْ. الغريب أن هذه الظاهرة أخذت بالاستشراء في بلد كالسعودية (لماذا؟ من وراء ذلك؟) خذ مثلاً الشيخ بدر المشاري وغيره من القصاصين دون نكير عليهم من كبار العلماء!

– ويوهم الناس بأن خلفاء الإسلام أربعة فقط، وأن الذين حكموا المسلمين على مدى تاريخ الإسلام – دون الأربعة – مجرد ملوك. والملوك مذمومون.

– والبعض تجرأ فصار يسب معاوية ويزيد!

– ترافق ذلك مع ظهور مفاهيم مختلطة ملتبسة لألفاظ صارت تجري حتى على ألسنة العلماء، مثل لفظ (الآل) دون إدراك الفرق في المعنى بين إضافته إلى فرد (كقولنا: آل محمد)، وإضافته إلى جمع (كقوله: آل البيت). وجرى ذلك على أفواه الناس والعلماء سكوت صموت؛ حتى صار المصلي يظن أن معنى قوله: (اللهم صلِّ على آل محمد) في جلوس (التحيات) يعني الصلاة على علي وفاطمة وحسن وحسين حصراً …………………. .

– ومفاهيم وأقوال وأحكام لا تحصى!

هذا كله يدخل في باب (المناقب) أو الفضائل.

أفيصح مع هذا وغيره من الطوامّ ما قيل من وجوب التشدد في شروط أدلة الأحكام، ويُتساهَل في شروط الفضائل الشخصية وقد جلبت لنا البلاء كل البلاء؟!!!

هل تبين الآن مدى الفرق بين دور الأحكام الفروعية ودور المناقب أو الفضائل الشخصية في تغيير المجتمع وتحويله؟ أما أنا فأدركت منذ سنين طويلة ملأى بالألم والأمل أن المناقب لا تقل خطراً عن الأفلام والمسلسلات والقصص والروايات في التغييروالتحويل. هذا إن لم تكن أشد وألعن! أقل ما فيها أنها تتميز بقدسية خاصة تجعلها تتسلل بسلاسة وهدوء؛ لأنها تأتي في ثوبِ (حديثٍ) مرويٍّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم!

ولي هنا سؤال: من المستفيد من هذه القاعدة وأمثالها: (إذا روينا في الأحكام تشددنا، وإذا روينا في غيرها تساهلنا)؟ هؤلاء إذن من وضعها. علماً أنها لم ترد في أي نص شرعي، وإنما دعوى آرائية أذيعت فثبتت، وقيلت فصُدِّقت.

خطوة واحدة فقط .. ثم يتم التحول !!!

حين يصل التسنن الهجين في التردي إلى المرحلة الثانية – مرحلة التشيع الثقافي – يحصل نوع من التغير في النسيج النفسي للجمهور السني، ينعكس على الشخصية الجمعية تشابهاً وتقارباً ثم تشاركاً في الأنشطة المجتمعية تكون نتيجته لصالح الشيعة على حساب أهل السنة. من الأمثلة على تلك الأنشطة مجالس اللطم النسائية التي تعقدها (الملايات) في البيوت. والزيارات المشتركة لقبور (الأئمة)، وفيها يمارس طقس (المتعة). وفي المواسم الدورية تمارس هذه الرذيلة على طول الطريق الذي يقطعه الأكثرية مُشاة. و(المتعة) مزلق خطير في الطريق الممهد للتشيع! والذهاب إلى الحسينيات والمآتم للصلاة والنياحة، وعمل الأطعمة والهرائس طبقاً للطقوس الشيعية،. وتفاصيل كثيرة أَخرى لا تحصى.

في هذا الجو الموبوء يتحول السني إلى شخصية هجينة مزدوجة لا هي سنية ولا هي شيعية. وإذ لا يتحمل الإنسان بطبعه هذا الازدواج طويلاً فإنه سيعلن أخيراً تشيعه ويرتاح. مثل هذا قد ينقلب على أهله ومجتمعه بصورة أشد من الشيعي الأصلي؛ بسبب نشوء عقدة نقص لدى المتحول إزاء مجتمعه الأول، يغطيها بهذا السلوك اللاواعي؛ ليثبت لنفسه وللآخرين أن تغيره إنما كان عن قناعة تامة، وليس لغاية أَخرى.

اظهر المزيد

‫8 تعليقات

  1. عندما وصلت لقولك(أما أنا فأدركت منذ سنين طويلة ملأى بالألم والأمل أن المناقب لا تقل خطراً عن الأفلام والمسلسلات والقصص والروايات في التغييروالتحويل)كنت اشعر بهم كبير وحزن وضياع من اين نبدء وكيف نغير هذه الثقافه التي تطغى على ملايين السُنه لكن تلك السنين الطويله المليئه بالالم شيخي اعطتني دافعاً وحافزاً على ان نكمل المسير معك فأنت القدوه لي ولأخوتي في عائلة التيار السُني التي كانت ثمره لذلك الالم حماك الله منه. هذا الالم اثمر جيلاً كاملاً ربيتهُ فأحسنت تربيته ان كانوا يخشون من طه الدليمي واحد فاليوم يوجد الالاف ممن لايرضى ان تبقى ثقافة المناقب هي السائده ولن نرضى ان يجعلوا للدين بيتاً واصنام فأمة الاسلام ملئى بالابطال الذين اندثر ذكرهم مع ماقدموه من تضحيات عظيمه ومنجزات اعظم لااحد يسمع عنهم بسبب تلك الثقافه الشعوبيه التي ساهم من يسمون انفسهم علماء بنشرها. لطالما آلمني قلبي وانا استمع لقصص بدر المشاري الخياليه وتلك التعليقات الكثيره للشيعه تحتها يستدلون بكلماته علينا والكثير غيره للأسف .مثل الشعراوي رحمه الله وغفر له وقصصه الخياليه عن عائشه وفاطمه رضي الله عنهن وعناوين الشيعه عليها(وشهد شاهد من اهلها)نحن بحاجه الى قلب تلك الثقافه رأساً على عقب ووضع النقاط على الحروف نبدء من بيوتنا واهلينا ومجتمعاتنا وعلى صفحات التواصل الاجتماعي وفي كل مكان والله الموفق.حفظك الله شيخي وسدد خطاك اسأله تعالى ان يُقِر عينيك بالعوده الى بيتك في عراق محرر من دنس الفرس وشيعتهم قريباً وماذلك على الله بعزيز .

  2. العاطفة و ارتباطها الكامن بالتشيع و بالمصطلحات الشعبية (عيب ، ماكو فرق ، هذا الوطن يجمع كل الطوائف ، انت طائفي) ، وغيرها الكثير التي تعبر عن ثقافة الشخصية المزدوجة بقناع ملون حسب الحاجة وهذا جزء كبير لخرق ثقافة التشيع للعقل السني و الحياة الاجتماعية دون وعي من المجتمع .

  3. الله على جمال وروعة حبك الموضوع يادكتور ….حفظك الله
    اثريت العقول ببيانك والله
    منظومة قواعد في مقال لله درك

  4. قال الامام أحمد: “ثلاثة كتب ليس لها أصول المغازي والتفسير والملاحم”
    وهذه مهنة الوعاظ اليوم رواد المنابر والمؤسسات الدينية
    أشغلوا الجيل بها وابعدوه عن الحق اليقين

  5. جزاكم الله خير الجزاء على هذي المقاله الواقعه اكيد السني اصبح بلا مشروع وعقله متشتت من الموروث القدم ونقصد بلموروث الارباني المعطل لي اهل السنه و الذي لم يكن له مشروع اصبح ضحيه للمشاريع الاوخره وهذا قول الدكتور حفظه الله وهذا كلام التمسناه من الواقع وليس من الخيال البصره كانت سنيه وناصريه والعماره وباقي محافظات العراق بل تغيرت بلدان عربيه وهذا تاثير المشاريع السائده على كل من لم يكن لهو مشروع

  6. بارك الله فيك شيخنا.

    عمل الشيعة على نصرة قضيتهم منذ سنيين وقام بتحريم بعض الأمور والتي ذكرة في كتبنا مثل ( الفن . والشعر وغيره من الأمور ) وتم أستغلال هذه الأعمال من قبل الشيعة.

  7. بوركتم مقالة رائعة ومهمة الثقافة والعلم فرق كبير جدا وله تاثير واضح وعظيم على المجتمع.

  8. التشيع حركة سياسية فارسية تحول إلى ثقافة جتماعية دينية في وسط الدول الإسلامية لنشر التشيع تمثلت بعائلة علي وجعلوها فوق دين الله والبسوها لباس الإسلام وصنعوا لها الروايات والأحاديث وجعلوا له عقيدة دينيه متمثلة بشعائر مزيفة كاملة وهذه الثقافة أثرت على المجتمع السني لأنهم لم يتحصنوا التحصين الكافي بالقرآن الكريم ضد التشيع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى