مقالاتمقالات أخرى

هل لعن النبي صلى الله عليه وسلم الحكم بن ابي العاص وطرده الى الطائف؟

أ.صالح السهيل

يشيع المتشيعون ومن اغتر بهم ان مروان بن الحكم هو الوزغ بن الوزغ، وانه ابن طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وان عثمان بن عفان رضي الله عنه هو الذي اعاد أباه من منفاه في الطائف الى المدينة، مخالفاً أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فما صحة تلك الادعاءات؟

جاءت روايات كثيرة تؤكد لعن النبي صلى الله عليه وسلم للحكم، بل ومن يأتي من صلبه، ولتكتمل الصورة جاءت روايات تفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم طرد الحكم إلى الطائف، وظل فيها طيلة خلافة ابي بكر وعمر، حتى جاء ابن أخيه عثمان بن عفان فرده إلى المدينة! وكان هذا من أقوى حجج الخارجين عليه.

وظلت هذه الروايات مبثوثة في كتب التاريخ، واختلفت فيها أنظار العلماء، فضعفها المحققون، مثل ابن السكن وابن تيمية وابن القيم، وصححها آخرون، كالذهبي وابن حجر، فلما جاء الألباني وشعيب الأرناؤووط ومقلدوهما، مالوا الى رأي المصححين، بل نعت الألباني من ضعف تلك الروايات بالخضوع لـ(ظروف حكومية أو شعبية كانت تحول بينهم وبين ما كانوا يريدون التصريح به من الحق)! وبذلك التقى أولئك المتأخرون من حيث لا يحتسبون مع مدرسة التشيع، وكانوا وقوداً وزاداً لها لا ينضب.

فما الموقف الصحيح من تلك الروايات؟

أما روايات لعن الحكم، فأقواها ما رواه أحمد والبزار من طريق ابن نمير، حدثنا عثمان بن حكيم، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عبد الله بن عمرو، قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذهب عمرو بن العاص يلبس ثيابه ليلحقني، فقال ونحن عنده ” ليدخلن عليكم رجل لعين ” فوالله ما زلت وجلا، أتشوف داخلا وخارجا، حتى دخل فلان ، يعني الحكم .

هذا الإسناد ظاهره الصحة، لكنه معلول، فرواه ابن عبد البر من طريق عبد الواحد بن زياد حدثنا عثمان بن حكيم، قال: حدثنا شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

وزعم الألباني أنه بهذا يكون لعثمان بن حكيم اسنادين! وهذا على طريقته المتساهلة المتجاهلة للعلل، فإن عبد الواحد بن زياد أوثق من ابن نمير، وثقه أجلة، أما ابن نمير فلم يصرح بوثاقته إلا ابن سعد، ورواية الأوثق تعل بها رواية الأقل منه وثاقة وتكشف وهمه.

وعلى هذا يكون اسناد عبد الواحد هو الأقوى، اما اسناد ابن نمير فيكون وهماً منه.

فإذا تبين هذا، فلا حجة على المذهب الصحيح فيما يرويه شعيب عن جده، فهو وإن لقيه لكنه وجد كتبه فكان يرويها عنه إرسالا، ومعظم العلماء يرون عدم الأخذ بالوجادة.

ولا يبعد ان يجد المغرضون سبيلاً لدس اكاذيبهم في تلك الكتب التي وجدها شعيب.

وللقوم كلف في اختراع نحو هذا الحديث، وضيق في الخيال، فقد اخترعوا حديث لعن معاوية رضي الله عنه، بسياق يشبه هذا السياق، وألصقوه بعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ايضاً، وهو منه براء.

والرواية الثانية ما رواه البزار وغيره عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، قال: سمعت عبد الله بن الزبير، يقول وهو مستند إلى الكعبة: ورب هذا البيت، لقد لعن الله الحكم وما وما ولد على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.

وإسماعيل بن أبي خالد مدلس وقد عنعن، والتساهل مع المدلسين منشؤه إحسان الظن بالمدلس كما ذكر المزي! ولا أدري كيف يكون إحسان الظن حجة لتصحيح ما ينسب الى حديث النبي صلى الله عليه وسلم؟

ولإسماعيل متابعات كلها تالفة لا يُفرح بشيء منها.

والرواية الثالثة ما رواه النسائي والحاكم عن محمد بن زياد، قال: لما بايع معاوية لابنه يزيد، قال مروان: سنة أبي بكر، وعمر، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: سنة هرقل، وقيصر، فقال: أنزل الله فيك: والذي قال لوالديه أف لكما} [الأحقاف: ١٧] الآية، قال: فبلغ عائشة رضي الله عنها، فقالت: كذب والله ما هو به، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه فمروان فضض من لعنة الله عز وجل .

قال الذهبي: فيه انقطاع، قلت: وهو إعلال صحيح، لأنه لم يثبت لقاء محمد بن زياد بعائشة، ولم يروِ عنها سوى هذا الحديث.

اما رواية طرد النبي صلى الله عليه وسلم للحكم، فرواها الطبراني قال حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا عبادة بن زياد الأسدي، ثنا مدرك بن سليمان الطائي، عن الأجلح، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: إنما كان نفي النبي صلى الله عليه وسلم الحكم بن أبي العاص من المدينة إلى الطائف، بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حجرته فإذا هو إنسان يطلع عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الوزغ، الوزغ» فنظر فإذا هو الحكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اخرج لا تساكني بالمدينة ما بقيت فنفاه إلى الطائف.

قلت: أبو صالح هو باذام ضعيف، ومدرك بن سليمان مجهول.

وروى الفاكهي من طريق حماد بن سلمة، حدثنا أبو سنان عن الزهري وعطاء الخراساني أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخلوا عليه وهو يلعن الحكم ابن أبي العاص فقالوا: يا رسول الله ما له؟ قال: دخل على شق الجدار وأنا مع زوجتي فلانة فكلح في وجهي، فقالوا: أفلا نلعنه نحن؟ قال: لا كأني أنظر إلى بنيه يصعدون منبري وينزلونه. فقالوا يا رسول الله ألا نأخذهم؟ قال لا، ونفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا مرسل ظاهر العوار.

وعن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: «كان الحكم بن أبي العاصي يجلس عند النبي – صلى الله عليه وسلم – فإذا تكلم النبي – صلى الله عليه وسلم – اختلج، فبصر به النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: أنت كذلك ” فما زال يختلج حتى مات.

رواه الطبراني، وقال الهيثمي: فيه ضرار بن صرد، وهو ضعيف.

قلت: بل هو ضعيف جدا متروك الحديث، وفيه أيضا تدليس إسماعيل بن أبي خالد، ولا شك أن مجيء أكثر من رواية في هذا الأمر من طريقه له دلالة واضحة لا تخفى على الفطن.

وعن حذيفة قال: لما قبض النبي – صلى الله عليه وسلم – واستخلف أبو بكر، قيل له في الحكم بن أبي العاصي، فقال: ما كنت لأحل عقدة عقدها رسول الله – صلى الله عليه وسلم.

رواه الطبراني، قال الهيثمي: وفيه حماد بن عيسى العبسي قال الذهبي: فيه جهالة، وبقية رجاله ثقات.

قلت:و فيه ايضاً عباد بن يعقوب الرافضي الخبيث، الذي كان يعتقد أن علياً خلق البحر والحسين أجراه! فلا عبرة بروايته ولا كرامة.

أما أن الخارجين على عثمان اعترضوا عليه بإرجاعه الحكم الى المدينة فلا يثبت، فقد رواه سيف بن عمر في الفتنة ولا يعول عليه.

أما كون روايات الطرد واللعن لا تصح دراية فلما يلي:

أولا: ان النبي صلى الله عليه لم يعهد انه نفى أحداً حتى أعتى المنافقين الذين سخروا منه، فهل يعقل أنه ترك نفيهم وعقوبتهم ونفى الحكم الذي لم يكن له خطر المنافقين؟

ثانيا: النفي هو عقوبة المحارب لله ورسوله فقط في كتاب الله، ولم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم به على اي جرم آخر.

ثالثا: ان الحكم كان من مسلمة الفتح، فهو من أهل مكة، فكيف يطرده النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة؟ وكيف يقال انه نظر الى النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وهو لم يسكن المدينة أصلا؟

رابعا: لو سلمنا جدلاً لعن الحكم، فهل يعقل ان يلعن النبي صلى الله عليه وسلم ولده ومن يأتي من صلبه؟ هل هذه عقيدة الإسلام الذي قرر أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، ام عقيدة النصرانية التي تؤاخذ الأبناء بذنب الآباء؟

والخلاصة أن الحكم أسلم وحسن إسلامه، ولم يثبت عنه شيء مما حكي عنه.

أما تلك الروايات، فلا يمكن ان تكون صدفة او وهما، وانما هي جزء من التشويه الممنهج للتاريخ الإسلامي، خصوصاً لعثمان بن عفان رضي الله عنه الذي هو ابن اخي الحكم بن ابي العاص، ولخلفاء بني أمية الذين يرجعون بنسبهم الى الحكم بن ابي العاص رحمه الله.

اظهر المزيد

‫9 تعليقات

  1. اجمل مافي المقال الضربة القاضية عنده أصحاب القضية،
    واقصد في مفهوم رد الوضاعين ولزائغين اتباع المتشابه؟!
    (رابعا: لو سلمنا جدلاً لعن الحكم، فهل يعقل ان يلعن النبي صلى الله عليه وسلم ولده ومن يأتي من صلبه؟ هل هذه عقيدة الإسلام الذي قرر أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، ام عقيدة النصرانية التي تؤاخذ الأبناء بذنب الآباء)

  2. بوركت استاذ صالح السهيل
    لهذه التحقيق والتدقيق لهذه الروايات المزورة
    والتي ملئت كتبنا لتنال من تاريخنا وسادة العرب
    وفيها أيضًا طعن لنبي وأخلاقه العظيمة لكن بطريقة
    مبطنة وبأسلوب ذكي ‏. نعتب على المصححين وعلماء الدين كيف صدقوا هذه الروايات المسمومة
    لو تفكروا وبحثوا عن إصحاب هذه الأقلام المدلسة
    لما غرقت الأمة بطوفان التشيع.

  3. بارك الله فيكم استاذ صالح .. من هذا الامر يتضح لنا كيف ان المؤسسة الفارسية العميقة تضرب لها في كل اتجاه بسهم لتنخر تاريخنا من كل الجهات ..
    فتسويد صفحة الحكم بن ابي العاص الغرض الاول منه عثمان رضي الله عنه والدولة الاموية العظيمة ..

  4. احسنت استاذ السهيل
    احاديث كثيرة شاعت وروّجت لثقافة تنتقص من رجالات الدولة الاموية .. وهذه الروايات ليست بشيء في ميزان البحث

  5. احسنتم استاذ صالح السهيل
    مقال موفق وبحث دقيق يكشف الكثير من الخلل الذي يعاني منه منهج المحدثون

  6. لله در بني امية.. كم طعن بهم الطاعنون بقدر ما فيهم من عظمة ونصرة للدين!
    ويا لله! كم يحتوي تراثنا الاسلامي السني من اختراق شعوبي شيعي!
    انا اصبحت عندي قاعدة! وهي اي رواية بها طعن او غمز او لمز ببني امية، مباشرة اشك فيها ولا اسلم لها ابداً، بل ارجح انها مدسوسة من المؤسسة العميقة واللوبي الشيعي الشعوبي.
    تُشكر جهودك استاذ صالح وجزاك الله خيراً

  7. بارك الله لنا بعلمك أستاذ هنا بصمة أخرى من بصمات المؤسسة العميقة التي تحاول بكل وسيلة النيل رموز أمتنا والطعن بهم.
    بوجود أهل الحق أن شاء الله ينكشف زيفهم وكذبهم.

  8. بوركت أناملك الذي كتبت هذه المقالة
    مقال جميل يكشف العلل في كتب الحديث ويبن من الذي وضعها ولماذا تطعن المؤسسة الخبيثة في نسب أمية بن عبد شمس

  9. بهذه المقالات الفكرية نكشف
    أعداء الدين ونحصن أهل السنة
    من الشعوبية
    جزاك الله خيرا استاذ صالح سهيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى