مقالات

قرية البو مصطفى في المحاويل/ بابل

من صور المأساة السنية في العراق

د. طه حامد الدليمي

Untitled

ما تعرض – ويتعرض – له سنة العراق من حملات إبادة وتشييع شيء متفرد لم يحصل في المنطقة مثله إلا لسنة إيران قبل خمسة قرون، وآثاره واضحة في الأحواز اليوم. حتى ما يجري في سوريا من حملة شيعية إيرانية شعوبية على شعبها العربي السني لا يقارن بما يجري من ذلك في العراق: لا كماً ولا نوعاً..! وأبسط وأوضح شاهد على ذلك أن الهوية السنية لسوريا ليست مهددة كما هو الحال مع الهوية السنية للعراق. وهذا هو عين الفتنة في الدين (وَالْفِتْنَةُ) في ميزان الله تعالى (أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) (البقرة:217). فكيف وما حصل من قتل واعتقال وتهجير وتشريد وانتهاك حرمات – على مدى الفترة الماضية حتى اللحظة – أضعاف ما حصل لإخواننا في سوريا! فرج الله عنا وعنهم. هذا مع التعتيم الإعلامي، ونُزرة الدعم الخارجي: عربياً ودولياً. انظر إلى مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن وتركيا والعراق، لم يحظ المهجرون العراقيون بمثلها في أي بلد. وشملت (اللعنة) حتى الفلسطينيين في العراق إلا ما ندر. وهكذا قتل العراقيون في أجواء يكاد الصمت يكون سيدها!

إن السعي لطمس الهوية السنية ومحوها (الأشيعة) في العراق على مدار عشر السنوات الماضية – دعك مما قبلها – مر بمراحل كل مرحلة تؤدي إلى مرحلة أخطر منها حسب خطة مرسومة، بلغت اليوم المرحلة شبه العلنية في المواجهة التي تحالفت فيها القوى الحكومية والشعبية والمليشياوية، إضافة إلى إيران، بإسناد وتشجيع ورعاية عالمية: غربية وشرقية. فالحرب على السنة اليوم حرب عالمية بأيد شيعية، على قاعدة (لا يفل الحديد إلا الحديد).

– حملات تهجير علنية – خصوصاً في ديالى المحافظة السنية المتاخمة لإيران – تشترك فيها المليشيات، وفرق الموت، والقوى الحكومية: جيشاً وشرطة وقوى أمن.

– قتل ذريع للمصلين عند خروجهم من صلوات الجمعة والتراويح في رمضان، وتفجير داخلي للمساجد، واغتيال للأئمة.

– حملات دهم واعتقالات واسعة لسنة بغداد والمحافظات المختلطة.

110712-feature2photo-650_416 – انتشار فرق وعصابات الاغتيال وممارستها قتل السنة بشتى أنواع الأسلحة لا سيما الكواتم على مدار اليوم في مختلف مناطق العراق عدا إقليم كردستان.

– شتى أنواع المضايقات والإذلال بالضرب والإهانات والاعتداء على النساء وبذيء الألفاظ وسب الصحابة وأمهات المؤمنين ورموز المسلمين.

– إحكام قبضة الشيعة على المناطق السنية بواسطة فرق الجيش وقوى الشرطة والأمن، والجواسيس والعملاء، وملاحقة الشعب السني العربي بتهمة الإرهاب المكيفة قانوناً بالفقرة المعروفة بـ(4 إرهاب).

هذه بعض ملامح وشواهد المرحلة الحاضرة.

قرية البو مصطفى

قرية (البو مصطفى) السنية مثال على ما يجري من ذلك في العراق اليوم، الذي يراد له أن يتحول إلى إيران ثانية. تتبع هذه القرية إدارياً قضاء (المحاويل) الذي يقع شمالي محافظة بابل بحوالي 17 كم، وجنوبي بغداد على بعد 70 كم. وتبعد القرية عن مركز القضاء إلى الغرب منه بحوالي 7 كم. فيها تجمع سكاني من قبيلة واحدة هي البو مصطفى، التي ينتهي نسبها إلى سيدنا علي رضي الله عنه. وقد زرت هذه القرية الجميلة الوادعة مرة أو مرتين أثناء وجودي في محافظة بابل سنة 1995/1996، وحاضرت في مسجدها.

images ومن أشهر شيوخ الدين فيها عبد الكريم مراد، الذي كان إمام وخطيب جامع (الإمام علي)([1]) في مركز قضاء المحاويل. تعرض بعد الاحتلال للاعتقال والأذى، كما تعرضت قريته إلى صولات وهجمات بشتى أنواع الأسلحة الخفيفة منها والثقيلة من قبل (الحرس الوطني) والقوى الأمنية والمليشياوية الشيعية إضافة إلى قوات الاحتلال لا سيما البولنديون.

  • ففي يوم (25/7/2003) – مثلاً – دهمت القرية من قبل قوات الاحتلال وقوات الشرطة بحجة البحث عن أزلام النظام السابق. كان الطرفان يرفعون صوراً منسوبة لـ(علي رضي الله عنه)! وبعد تفتيش القرية اعتقلوا المقدم (عصام فخري). ومن هنا بدأ مسلسل الحقد الصفوي يعبر عن نفسه بصورة مباشرة.
  • فبعد فترة وجيزة هاجم الشيعة في مركز القضاء جامع (الإمام علي) للاستيلاء عليه فتصدى لهم شباب السنة، وردوهم على أعقابهم.
  • وفي يوم (1/11/2003) قامت قوات الشرطة بقيادة العقيد قيس حمزة عبود باعتقال (3) من أهل القرية: اثنان منهم ضباط في الجيش العراقي السابق، بتهمة الإرهاب.
  • وبتاريخ (20/3/2004) دهمت القرية قوات من الشرطة بقيادة العقيد قيس وسلام طراد والعقيد عباس الجبوري، بعد قصفها بالأسلحة الثقيلة! واعتقلوا (4) رجال، أحدهم أصيب في ساقه الأيمن بإطلاقة أثناء الدهم والتفتيش.
  • في (1/4/2004) طوقت القرية من قبل القوات البولندية وقوات الشرطة، وكذلك قوات العقرب الحكومية، وكانت الحصيلة شهيدين هما (المقدم زياد طارق علي اسمر وعبد الوهاب منير عباس) واعتقال (19) فرداً من شباب القرية.
  • وفي (13/9/2004) اعتقلت الشرطة أحد شباب القرية عندما كان عائداً من صلاة العشاء في منطقة باب الحسين في الحلة مركز محافظة بابل.
  • ثم بتاريخ (6/2/2005) طوقت القرية من قبل الحرس الوطني، وأحرقوا مجموعة من البيوت، واعتدوا على الناس بالشتم والضرب، ونهبوا الذهب والأموال. وكانوا يطلقون الرصاص عشوائياً. ثم قاموا باعتقال (18) من رجال القرية (منهم اللواء الركن في الجيش السابق شوكت شافي حسين). وقتلوا اثنين من أبنائها هما (ملازم المرور عمار ياسر عبد الوهاب، وعثمان مخيف شافي الطالب في كلية الهندسة/ جامعة بابل).
  • وفي (13/2/2005) اعتقل الحرس الوطني السيد بهجت شاكر شافي بالقرب من محكمة الحلة.
  • وبتاريخ (7/3/2005) طوقت الشرطة وقوات العقرب تجمعاً سكانياً من العشيرة نفسها يبعد عن القرية حوالي (5) كم، واعتقلوا (7) من الشبان.
  • وبتاريخ (25/3/2006) قام الملازم قتيبة عبد الله عبود الدليمي – وبمساعدة بعض أفراد الميليشيات – بقتل نقيب الأمن في النظام السابق عبد الحكيم شاكر شافي، شقيق السيد بهجت شاكر شافي على الطريق المؤدي إلى قضاء المسيب. وفي اليوم نفسه قامت شرطة المسيب باعتقال أخيه إبراهيم شاكر شافي، وابن عمه حسيب طه شافي. وضربوهما وسلبوهم بعض ما معهم من المال متهمين إياهم بالإرهاب.
  • وبتاريخ (12/9/2006) طوقت القرية من قبل مدير شرطة المحاويل وزمرته، ومعهم القوات البولندية واعتقلوا الشيخ عبد الكريم مراد ظاهر (إمام وخطيب جامع الإمام علي في القضاء). ثم نقل – فيما بعد – إلى معتقل بوكا في البصرة، وولده عبد الملك، و(3) أشخاص آخرين.
  • وبتاريخ (27/10/2006) قامت الميليشيات بقتل رافد نوري حسن المصطفاوي في قضاء المحمودية على الهوية بعد أن اكتشفوا أنه من أهل السنة والجماعة من خلال وصل بيع أسماك كان يحمله في جيبه، وكان باسم (أبو عمر). فكان هذا سبباً كافياً لأن يكون جزاؤه القتل!
  • وبتاريخ (28/12/2006) تعرضت القرية إلى قصف بواسطة قنابر هاون عيار (80) ملم من قبل الميليشيات باتجاه السدة، وسقوط (7) قنابر على القرية.

وعاد القتل على الهوية

واليوم تكرر الحملة مرة أخرى على سكان قرية (البو مصطفى)، كغيرها من قرى وحواضر سنة العراق، ويعاد القتل والاعتقال على الهوية. وكان آخر ما وافتنا به مصادرنا – وتناقلته محطات الأخبار الفضائية – تعرض (8) من أهالي قرية البومصطفى إلى إطلاق نار من أسلحة كاتمة للصوت قام بتنفيذه أشخاص يستقلون سيارة بيضاء نوع (أوبتما) أمام علوة أسماك الحلة في حوالي الساعة الحادية عشر والربع ليلاً يوم (9/8/2013 الموافق لـ2 شوال) بينما كانوا ينتظرون بيع أسماكهم أمام العلوة [العلوة هي مركز بيع المحصول] إصابة (4) منهم خطيرة، وقد توفى أحدهم وهو (أحمد مشير عباس) بعد يوم من الحادث.

وقد سبق ذلك بثلاثة أيام (في 6/8/2013) قصف قرية البو مصطفى الخليل بالصواريخ وقنابر الهاون، وذلك بعد صلاة المغرب، سقطت على عدد من بيوت القرية قرب الجامع، ما أدى إلى جرح (4) أشخاص نقلوا إلى المستشفى.

وضع السنة في عموم محافظة بابل

هذا والوضع في محافظة بابل عموماً ينتقل إلى الأسوأ، ولعله إيذان بزوال جند الشيطان؛ فالأحداث الساخنة اليوم واضحة التأثير في إعادة السنة إلى سنيتهم ودينهم، بعيداً عن لوثة الوطنية الخائبة. وأختم مقالي بما أحصته مصادرنا من حوادث تعرض لها سنة بابل في رمضان الماضي فقط [نحن الآن في الأيام الأولى لشهر شوال]:

– في يوم (4) رمضان (13/7/2013): تفجير جامع المسيب الكبير في قضاء المسيب التابع لمحافظة بابل قبل صلاة المغرب بدقائق، أودى بحياة (8) قتلى و(17) جريحاً: حالات بعضهم خطيرة.

– في (6) رمضان (15/7/2013): تفجير عبوة ناسفة أمام جامع عبد الله بن عمر في ناحية جرف الصخر بعد صلاة المغرب أدى إلى أضرار مادية في الجامع.

– في (6) رمضان (15/8/2013): تفجير عبوة ناسفة أمام جامع الغفور الرحيم قبل خروج المصلين من صلاة التراويح بدقائق، ما أدى إلى سقوط السياج الخارجي للجامع مع الباب الرئيس، وتهشم زجاج الحرم.

– في (9) رمضان (18/7/2013): تفجير عبوة ناسفة أمام جامع سلمان الطاهر في قضاء المحاويل قبل صلاة الفجر، سببت أضرار مادية في الجامع.

– في (11) رمضان (20/7/2013): اغتيال الشيخ (عطا عسكري عطية الهيتي) قارئ ومؤذن جامع الحلة الكبير، بعد خروجه من صلاة التراويح.

– في (12) رمضان (21/7/2013): حملة دهم واعتقال في مناطق شمال بابل خاصة في ناحية جرف الصخر طالت العديد من أبناء السنة.

– في (21) رمضان (30/7/2013) تفجير عبوة ناسفة قرب سياج جامع (الواحد الأحد ) في ناحية جرف الصخر، أثناء صلاة التراويح.

– في (23) رمضان الموافق (1-8-2013) اغتيال الشيخ (سعد عامر) إمام وخطيب جامع أسامة بن زيد([2]) (سابقاً) وجامع الأنوار (حالياً) في منطقة الحصوة/المحاويل عند خروجه من الجامع بعد صلاة المغرب، وذلك في قضاء الفلوجة، حيث أنه ترك الحصوة خوفاً على حياته، وسكن هناك.

– (1) شوال (8/8/2013): أنفجار عبوة ناسفة قرب جامع عبدالله الجبوري في منطقة الحصوة شمال محافظة بابل أستهدفت المصلين بعد خروجهم من صلاة العيد أسفرت عن أستشهاد أربعة وجرح عشرة من المصلين.

_________________________________________________________________________________

  1. – حاضرت في هذا الجامع أسبوعيا مدة ستة أشهر، وأعطيت دروساً بعنوان رئيس هو (فقه أصول الفقه)، طرحت فيها أصول الفقه بطريقة أحوّل فيها الأصل الفقهي إلى واقع عملي، أو فكرة تعالج حالة في ذلك الواقع ذي الأغلبية الشيعية. وذلك في سنة 1996، وبرعاية الشيخ الفاضل ذي الخلق الرفيع والسلوك الراقي الشيخ عبد الكريم مراد.
  2. – جامع أسامة بن زيد في الحصوة سبق أن قام الشيعة بتفجيره عام 2007.
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى