مقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

المَنهَجِ الاستِدلالِيُّ الأُصُولِيُّ القَدِيمُ .. جُمودُهُ وقُصُورُه

د. طه حامد الدليمي

إن الانشغال بمناقشة دلالة الدليل دون الابتداء بالنظر أولاً – وقبل كل شيء – في مدى صلاحيته للاستدلال هو أكبر خطأ أصاب منهجنا الاستدلالي في الأصول على مدار التأريخ.

وهناك أخطاء جوهرية أخرى في قواعد المنهج الاستدلالي الذي يسود أوساطنا العلمية سببها عدم ملاحظة الفرق في طبيعة القضايا المطروحة للنقاش؛ الأمر الذي أدى الى الجمود والتحجر في طريقة تناولها! إذ ما زلنا نناقش قضايانا على القواعد الأصولية القديمة نفسها رغم اختلاف القضايا المستجدة في طبيعتها عن القضايا القديمة، ورغم مرور أكثر من عشرة قرون دون أن يطرأ أي تجديد على تلك القواعد يجعلها تتناسب وطبيعةَ التغيير الذي طرأ عليها والاختلاف فيما بينها.

إن أغلب القضايا الفكرية التي اصطرع عليها أهل القبلة في القرون الأولى قضايا فروعيةقابلة للأخذ والرد لظنية أدلتها (ثبوتاً أو دلالةً) نسبياً (لهذا الفريق دون ذاك). أو مطلقاً للجميع.

ومن الطبيعي أن تخرج للناس قواعد تتناسب وطبيعة الصراع والعقلية السائدة مثل القاعدة التي تثبت العقيدة بأحاديث الآحاد، وفي مقابلها القاعدة التي تشترط التواتر لثبوت العقيدة.

إن كلا الفريقين غابت عن أذهانهم مسألة في غاية الأهمية هي: أن التفريق يجب أن يكون بين المسائل الأصولية والفروعية وليس بين المسائل الاعتقادية والعملية.

لقد انصب اهتمام الأقدمين على التفريق بين ما هو اعتقادي من المسائل، وما هو عملي منها. مع أنه فرق – لو دققوا النظر- غير دقيق ولا مؤثر؛ فالقرآن الكريم لم يفرق تفريقاً جوهرياً بين الأمرين. صحيح أن العقيدة هي الأساس، ولكن العبادات والمعاملات بأعمالها الأساسية لها منزلة مقاربة، وإنكار أي من الأمرين كفر.

رؤية الله تعالى .. مثال للمسائل التي اختلف في شأنها الأوائل

انقسم المسلمون الأوائل في مسألة رؤية الله تعالى إلى قسمين:

1. فمنهم – كالمعتزلة – قال بعدم إمكانية الرؤية مطلقاً لا في الدنيا ولا في الآخرة. واحتجوا بحجج عقلية ونقلية، كقوله تعالى: }لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ{ (الأنعام:103) قالوا: الإدراك هو الرؤية.

2. ومنهم من قال برؤيته وهم عموم (السلف)، وأولهم الصحابة y. وهؤلاء انقسموا فريقين:

أ. فريق قال بجواز رؤيته في الدنيا والآخرة كابن عباس t.

ب. وفريق قال بجوازها في الآخرة فقط كأم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها).

وسبب الاختلاف من الأساس: أن النصوص الواردة في (الرؤية) يوجد في ظاهرها شيء من التعارض يحتاج إلى تدبر ونظر دقيق للوصول إلى المقصد النهائي منها.                                   

فالذين أثبتوا (الرؤية) – وأنا منهم – استدلوا بنصوص عديدة من القرآن والسنة كقوله تعالى: }وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ{ (القيامة:23،22) والنظر إلى الشيء رؤيته قطعاً. لكن أشكل على سواهم قوله تعالى: }لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ اْلأبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ{ (الأنعام:103).

وقد احتجت السيدة عائشة (رضي الله عنها) بهذه الآية على نفي رؤية النبي e ربه ليلة الإسراء كما جاء في صحيح الإمام مسلم عن مسروق قال: كنت متكئاً عند عائشة فقالت: يا أبا عائشة ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية. قلت: وما هن؟ قالت: من زعم أن محمداً e رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية. قال: وكنت متكئاً فجلست، فقلت: يا أم المؤمنين أنظريني ولا تعجليني. ألم يقل الله عز وجل: }وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ{ (التكوير:23) }وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى{ (النجم:13)؟ فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله e فقال: (إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطاً من السماء ساداً عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض). فقالت: أولم تسمع أن الله يقول: }لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبيرُ{؟

وفي رواية أخرى في صحيح مسلم أيضاً: عن مسروق قال: سألت عائشة: هل رأى محمد e ربه؟ فقالت: سبحان الله لقد قفَّ شعري لما قلت… وساق الحديث بقصته.

أما ابن عباس t فالظاهر من كلامه أنه e رآه بقلبه كما جاء في صحيح مسلم أيضاً.

فمن فسر (الإدراك) بـ(الرؤية) أشكل عنده الأمر لتعارض النصين: (الإدراك والنظر). فكلاهما يعني (الرؤية) لكن أحدهما مثبت والآخر منفي! فلا بد من الجنوح إلى التأويل درءاً للتعارض، وحلاً للإشكال.

وهنا تختلف أنظار الخلق تبعاً لاختلاف عقولهم وعلومهم: فمنهم من يجعل قوله تعالى: }لا تُدْرِكُهُ الأبْصَار{، وقوله لموسى u: }لَنْ تَرَانِي{(الأعراف: 143) أصلاً يؤول إليه ما عداه مما يعارضه ليتوافق معه ويرد لأجله جميع الأحاديث المعارضة. ولما كانت هذه الأحاديث صحيحة طبقاً لقواعد الحديث لجأ إلى موضوع (الآحاد والمتواتر) على اعتبار أن هذه الأحاديث أحاديث آحاد ظنية الثبوت: والظن لا يعتمد في العقيدة.

ومنهم من عكس الأمر، فجعل من قوله تعالى: }وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ{ أصلاً معتمداً ترد إليه النصوص المعارضة فأثبت (الرؤية). وهؤلاء منهم من قال: إن النصوص النافية مخصصة بالدنيا دون الآخرة، ومنهم من فرق بين (الرؤية) و (الإدراك) فقال: لا تلازم بين عدم الإدراك وعدم الرؤية وفسر الإدراك بالإحاطة. فالمدينة تراها ولا تدركها أي لا تحيط بها بصراً، وإن رأيت بعضها فالله سبحانه }لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ{ أي لا تحيط به وإن رأته. ودعم هذا الصنف رأيه بالأحاديث الصحيحة وقال بتواترها، أو لم يشترط لها التواتر لأن أحاديث الآحاد عنده حجة بذاتها. وأما قول الله تعالى لموسىu : }لَنْ تَرَانِي{ فهذا في الدنيا على الحالة التي عليها موسى u. أما في الآخرة فسينشئه الله نشأة أخرى يمكنه بها من رؤيته سبحانه.

والكلمة الفصل في هذه المسألة – والله أعلم – أن الأصل والأساس العظيم في توحيد الأسماء والصفات هو: إثبات صفات الكمال لله تعالى كما جاءت في الوحي، وتنـزيهه عن صفات النقص كما قال سبحانه: }وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ{ (الروم: 27) وقال: }وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى{ (الأعراف: 180) وقال: }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{(الشورى:1). وقال: }سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ{ (الصافات:180).

و(الرؤية) فرع عن هذا الأصل، والنصوص القرآنية التي وردت بإثباتها طرأ عليها إشكال وقام بوجهها معارض تسبّب في هذا الاختلاف. ودليل فرعيتها أن نصوصها المثبتة – رغم وضوحها – لم تسلم من معارض لها يوجب تأويلها عند البعض فعادت هذه النصوص ظنية ولو بدرجة ضعيفة فلم تكتسب القطعية التي هي أساس الأصول. والفروع يصح بناؤها على الأحاديث النبوية الصحيحة (آحادها ومتواترها). وقد صرحت كثير من الأحاديث برؤية الله تعالى في الآخرة فهو يرى في الجنة ورؤيته فيها هو أعظم ما فيها من نعيم.

ولكون المسألة فروعية، ولورود الإشكال في نصوصها بصورة من الصور؛ فلا يصح تكفير منكر (الرؤية) متأولاً كما يكفر منكر الصلاة أو الزكاة. كذلك لا يصح الإنكار على مثبتها. ولذلك كان عطاء ومجاهد لا يؤمنان برؤية الله مطلقاً لا في الدنيا ولا في الآخرة! ومع ذلك لم ينسبهما أحد من العلماء إلى بدعة أو كفر. بينما إنكار أصل من الأصول يستوجب الكفر، بل إنكار الفروع الثابتة بدليل قطعي يستوجب ذلك. 

عدم تفريق القرآن الكريم بين الاعتقاد والعمل

لم يفرق القرآن الكريم تفريقاً جوهرياً بين الاعتقاد والعمل. خذ مثلاً على هذه القاعدة فريضة الصلاة. فقد جعل الإسلام لها منزلة تكاد توازي التوحيد. إن إنكار الصلاة كفر كما أن إنكار التوحيد كفر مع أن أحدهما عقيدة والآخر عبادة. يقول تعالى في منكرهما: }فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى * أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى{ (القيامة:30-35). وهذا كما جاء في (صحيح مسلم) عن جابر t يقول: سمعت النبي r يقول: (إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة).

والقرآن واضح في عدم تفريقه كثيراً بين الأمرين، بل قد يقدم في الذكر الصلاة أو العمل على العقيدة! يقول تعالى: }مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ*وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ*حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ { (المدثر:42-48). ويقول: }وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ… ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ{ (البلد:12-17). ويقول: }ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ { (الحاقة:32-34). فمرة يقدم العمل على العقيدة، ومرة يقدم العقيدة على العمل.

ومثل هذا في القرآن كثير؛ ما يدل على أن هذا التفريق غير مؤثر ولا أصيل، فالقرآن لا يفرق تفريقاً مؤثراً بين أصول الاعتقاد وأصول العمل بل يأتي الأمر بهما على قدم المساواة في جميع القرآن بغض النظر عن الاختلاف في المرتبة، الذي لم يلتفت اليه القرآن بحيث يجعل له وزناً مؤثراً يجعلنا نتسامح في قطعية دليل أحدهما، ونتشدد في قطعية دليل الآخر على اعتبار أن الأول عمل والثاني عقيدة.

تأمل قوله تعالى: }الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {(البقرة:1-5). لقد ساوى القرآن بين أصول الدين دون تفريق بين كونها اعتقادية أم عملية.

وبذلك صرح الإمام الشاطبي حين قال: قوله تعالى: }مِنْهُ آيات مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ{ فجعل المحكم، وهو الواضح المعنى الذي لا إشكال فيه ولا اشتباه، هو الأم والأصل المرجوع إليه، ثم قال: }وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ {يريد: وليست بأم ولا معظم فهي إذن قلائل. ثم أخبر أن اتباع المتشابه منها شأن أهل الزيغ والضلال عن الحق والميل عن الجادة. وأما الراسخون في العلم فليسوا كذلك وما ذاك إلا باتباعهم أم الكتاب وتركهم الاتباع للمتشابه. وأم الكتاب يعم ما هو من الأصول الاعتقادية أو العملية إذ لم يخص الكتاب ذلك ولا السنة… فإن المخالف في أصل من أصول الشريعة العملية لا يقصر عن المخالف في أصل من الأصول الاعتقادية في هدم القواعد الشرعية)([1])

وجوب التفريق بين الأصول والفروع .. وليس بين المتواتر والآحاد

إن الشرع يفرق بين ما هو أصل للهداية ينبغي أن يبنى على قواطع الأدلة، ولا يتسامح في الاختلاف فيه، وبين ما هو فرعي وتابع لا يشترط له ذلك بل تكفي فيه الأدلة الظنية، والاختلاف فيه سائغ ومشروع، هذا هو مناط التفريق المؤثر والأصيل.

واشتراط الدليل القطعي في الأصول، وعدمه في الفروع أمر مفروغ منه. إن من نافلة القول أن نذكر بأن القضايا التي دارت حولها مباحث الأصوليين هي من صلب الدين؛ إذن لا ينبغي أن يكون التأصيل نظرياً بحتاً أو عقلياً مجرداً أو بعيداً عن المصدر الأساس للتأصيل.

إن التأصيل الشرعي الصحيح ينبغي أن يكون مقيداً بما جاء في التنزيل. أما أن يبتعد التأصيل عن المصدر ويكون مقيداً بأجواء الصراع وعبارة عن ردود أفعال متقابلة أفرزها ذلك الصراع، وليس أفعالاً أصيلة نابعة من المصدر الأساس (الوحي).. فهذا هو السبب الحقيقي الذي أوقع الأقدمين في تلك الأخطاء الجوهرية وهو أحد الأسباب الكبرى للتخبط الفكري المزمن لأن قواعد الانطلاق غير صحيحة أو .. غير دقيقة.

إن السبب الأساسي الذي أوقعهم في ذلك الخطأ الفادح أنهم جعلوا مناط التأصيل كون المسألة عقائدية أم عبادية، ولو جعلوا مناطه كون المسألة أصولية أم فروعية لكانوا قد أصابوا عين الحقيقة.

حقيقة الخلل المنهجي القديم

إن الفريق الذي قال بحجية أحاديث الآحاد في العقيدة أخطأ في التأصيل، وإن أصاب عرضاً في التطبيق. أما خطأه: فلأن القاعدة التي استند اليها تحتاج إلى تقييد لكي تكون سليمة تماماً. فكان ينبغي أن يقال: إن أحاديث الآحاد حجة في فروع العقيدة كما هي حجة في فروع الشريعة فلا حاجة لاشتراط التواتر. فالخطأ في الاطلاق ولو قيدوا فقالوا: إن فروع العقيدة تثبت بأحاديث الآحاد، كما هو الشأن في فروع الشريعة، لأصابوا. وأما صواب هذا الفريق في التطبيق: فلأن القضايا التي طبقت عليها هذه القاعدة فروعية لا أصولية. والفروع يسوغ في إثباتها الظن ولا يشترط لها القطع.

والفريق الذي قال باشتراط التواتر في العقيدة أخطأ في التطبيق وإن قارب الإصابة في التأصيل. ولقد وقع هذا الفريق في أكثر من خطأ:

الأول : أنه طبق هذه القاعدة على فروع العقيدة، والفروع لا تحتاج الى القطع؛ فلا حاجة الى التواتر.

والثاني : أنه ساوى بين الدليل القرآني والدليل الحديثي في تطبيقه لهذه القاعدة على أصول العقيدة فلم يهتد الى أن الأصول لا بد لها من النص القرآني. وتأمل لن تجد في شرعنا أصلاً لم يذكر ابتداءً في القرآن؛ فيصير القول بإثبات أصول العقيدة بمتواتر الحديث لا حاجة فيه، ولا معنى له؛ لاستغنائنا عنه بالقرآن.

إضافة الى أنهم – كالفريق الأول – فرقوا بين العقيدة والعمل. دون أن ينتبهوا إلى أن الفرق ينبغي أن يكون بين أصول العقيدة وفروعها. وليس بين ما هو اعتقادي وعملي.

خلاصة القول: ان الفريقين فرقوا بين متشابهين وخلطوا بين مختلفين أي فرقوا بين ما لا يحتاج الى تفريق وخلطوا بين ما احتاج الى ذلك. ولو اهتدى الفريقان الى اشتراط ثبوت أصول الدين (اعتقادية أم عبادية) بالنص القرآني القطعي الدلالة وجواز إثبات الفروع بالدليل الظني (قرآنياً كان أم حديثياً) لانحل الإشكال والتقيا في نقطة واحدة وخرجت جميع القضايا الفروعية الظنية من دائرة الصراع التي اتسعت وطال أمدها.


([1]) الموافقات، 5/145-147، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي، مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده، 1969.

اظهر المزيد

‫12 تعليقات

  1. بارك الله فيك مقال لا ‏يشبه له مقال

    نعم عندما نناقش أهل الحديث ونقول أن (الحديث يجب أن يتحد مع الآية ) حتى تكون النتيجة وآحده سواءً كان الامر يتعلق بين الاصول أو الفروع تكون لهم ردة فعل هجومية ‏يسمونا ب(القرآنين) .

    حقيقةً كان ننتظر هكذا نوع من المقال بارك الله فيك شيخنا

  2. المسلمون السنة لا يختلفوا بالأصول أما الرافضة وغيرهم مماينسبون للإسلام نختلف معهم بالأصول أهل السنةبمذاهبهم الأربعة لا اختلاف بالأصول اطلاقا خلافنا مع الرافضة أصول العقيدة

  3. كلام واضح ومفهوم ومهم جداً ينبغي قراءته بتؤدة وبتأني ليفهمه القارئ ويستفيد منه فهو تأصيل عظيم ولحل إشكالات كانت ومازالت نقرأها ونسمعها دون توصل لحل شافي وكافي.
    جزاك الله خير الجزاء على هذه المقالة المهمة شيخنا الفاضل الدكتور طه الدليمي ولا حرمنا من كلامكم وكتاباتكم وروعة افكاركم.

  4. من هنا ادركت ان القرآن مصدر الهداية الوحيد لاسيما في اساسيات الدين الايمانية ولعملية….؟
    وهذا ملخص المقال،
    خلاصة القول: ان الفريقين فرقوا بين متشابهين وخلطوا بين مختلفين أي فرقوا بين ما لا يحتاج الى تفريق وخلطوا بين ما احتاج الى ذلك. ولو اهتدى الفريقان الى اشتراط ثبوت أصول الدين (اعتقادية أم عبادية) بالنص القرآني القطعي الدلالة وجواز إثبات الفروع بالدليل الظني (قرآنياً كان أم حديثياً) لانحل الإشكال والتقيا في نقطة واحدة وخرجت جميع القضايا الفروعية الظنية من دائرة الصراع التي اتسعت وطال أمدها.

  5. جزاك الله خير دكتور مقال دقيق
    قال تعالى (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)
    ((
    1) الإسلام دين أساسه اليقين.
    2) أصول الدين يقينية قطعية.
    3)الدليل الأصولي إذا تطرق إليه الظن، أو الاحتمال ، بطل به الاستدلال

  6. بوركتم شيخنا الحبيب..
    ‏ومن هنا جاءت الدعوة المدوية بتطهير سجلات التاريخ وكتب الحديث والتفسير من الأوساخ، وإزالة الأشواك والألغام التي وضعها سماسرة التشيع ، وترضية الأحزاب وفئات صغيرة بتزوير الحقائق فحملوا أقلامهم بسهولة وكتبوا ما حلا لهم، وجاء من بعدهم من أخذ بهذه الأخبار دون تمحيص وتدقيق، فتحولت بعد عقود إلى حقائق.

  7. جزاكم الله خير الجزاء على هذه المقاله القيمه القران هو المصدر الوحيد الذي يؤسس الاصول والمرجع الوحيد للمخالفين وهو مصدر الدلاله يقول عز وجل في كتابة المحكم : (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا )

  8. نفهم من هذا الكلام الواضح وهذه الفكرة والتحليل الجلي أن القرآن كتاب هداية في أصول العقيدة والشريعة( الاعتقاد والعمل) لمواجهة العقائد الباطلة التي تدعي أنها على الحق (دون الفروع )
    (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ) القرآن كتاب هداية وعمل ننزله على الواقع لمواجهة المشكلة الكبرى التي تؤثر في المجتمع

  9. من هنا ادركت ان القرآن مصدر الهداية الوحيد لاسيما في اساسيات الدين الايمانية ولعملية….؟
    وهذا ملخص المقال،
    خلاصة القول: ان الفريقين فرقوا بين متشابهين وخلطوا بين مختلفين أي فرقوا بين ما لا يحتاج الى تفريق وخلطوا بين ما احتاج الى ذلك. ولو اهتدى الفريقان الى اشتراط ثبوت أصول الدين (اعتقادية أم عبادية) بالنص القرآني القطعي الدلالة وجواز إثبات الفروع بالدليل الظني (قرآنياً كان أم حديثياً) لانحل الإشكال والتقيا في نقطة واحدة وخرجت جميع القضايا الفروعية الظنية من دائرة الصراع التي اتسعت وطال أمدها..
    هذه الخلاصة

  10. تأصيل علمي قيم ، يجب ان يدرس في كليات الشريعة عله يخرج لنا دعاة – عالمين عاملين مؤثرين حقا
    لله درك جزاك الله خيرا دكتورنا🌹

  11. الله سبحانه وتعالى أسس لنا
    منهجية كاملة بينة فقط نحتاج
    إلى عقول تتدبر هذه الأفكار المضيئة
    بوركت شيخنا الفاضل لهذا الطرح القيم

  12. جزاك الله خير الجزاء دكتور مبدع ومجدد كعادتك
    نسأل الله ان ترجع لنا ونرى دروسك بصوتك وننهل من كنوز معارفك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى