مقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

العراق .. من سيفوز : القصر والحوزة ؟ أم المزبلة والمقبرة ؟

C:\Users\USER\Desktop\قصقص.jpgد. طه حامد الدليمي

ما الذي يجري في العراق؟ وإلى أين يسير هذا الحراك؟ ما هذا الانقلاب الشيعي على إيران، وعلى العمائم؟ أين اختفت طائفية الشيعة؟ وما هذه الصحوة الوطنية المفاجئة؟ وأسئلة أخرى يطرحها الكثيرون، تبحث لها عن جواب. وإليكم مقاربة أو محاولة للإجابة عنها قدر الإمكان:

  1. الجوع والفقر والمسكنة من جهة، والفساد والرفاهية والسلطة من جهة، تختزل الواقع الشيعي في صورة ثلاثية الأبعاد: مزبلة باذخة ومقبرة شاسعة وقصر منيف.
  2. تدرجت هذه الصورة حتى اكتملت ليمر على اكتمالها عدة سنوات، لكن ما ساهم في تأخير ظهور آثارها تخويف زعامات الشيعة جمهورهم من (خطر) السنة، وأنهم إن فرّطوا بحكومتهم ومراجعهم وعمائمهم وإيرانهم فسيخرج حكم البلد من أيديهم؛ ويقع بين أنياب (بعبع) رعيب يطلعونه لهم بأسماء شتى تصريحاً أو تلميحاً: أتباع يزيد، الوهابية، البعث، القاعدة، داعش… وقائمة طويلة من الأسماء والإسقاطات التاريخية والجغرافية.
  3. بعد آخر الحملات التي شنت على السنة تحت مختلف الذرائع، ومسح مدنهم والتهجير المليوني لمن تبقى منهم، اختفى (البعبع) السني من شاشة الحدث، فصار الشيعة في مواجهة بعضهم بعضاً؛ ليبرز القصر أمام المزبلة والحوزة مقابل المقبرة! وهنا تكشفت الحماقة الفارسية بأجلى صورها. وفي الحماقة يكمن مقتل الفرس وشيعتهم! وأي دليل على تلك الحماقة أكبر من هذا التناشز الاجتماعي الثلاثي الأبعاد الذي صنعوه بأيديهم!
  4. C:\Users\USER\Desktop\نجف.jpg لم ينتبه (المايسترو) الأحمق إلى ولادة جيل جديد ترافق وجوده بمتغير عالمي دخل كل بيت هو الإنترنيت (الإنتربيت)، ساهم في مزاحمة الميثولوجيا الشيعية وهرطقاتها الكهنوتية على شحن الذاكرة الجمعية لهذا الجيل بمفاهيم ورؤى وتطلعات مغايرة.
  5. وإذا كان لا بد لكل مؤثر من بيئة مناسبة لحصول أثره، فإن البيئة المغلقة السابقة أخذت بالانفتاح، ومفعول أثر البيئة بدأ بالتضاؤل شيئاً ما. ومع بروز الصورة الثلاثية (المزبلة والمقبرة والقصر)، إضافة إلى اختفاء (البعبع)، صار الغبش ينزاح عن بعض العيون ليكتشف أصحابها مدى الخديعة التي كانوا يعيشونها. ويتبين لهم أن العلة في الطبيب، وأن المشكلة فيمن يعتقدون أنه صاحب الحل. وأن إيران رأس الشر. وأن هناك شبكةً تلتف حولهم تمسك بها إيران خيوطها مكونة من الحكومة والحزب والمليشيا والمعمم! وبات هذا الصنف الذي صحا (نصف صحوة) يتساءل ويده على ذقنه: أيعقل أن عدونا منا وفينا؟ وأننا مخدوعون إلى هذه الدرجة؟!
  6. كان ذلك كافياً مع مؤثرات أخرى لينبثق (الحراك) الشيعي في العراق. ولأن البيئة الشيعية متشابهة، ولأن العراق الشيعي هو مركز الثقل بالنسبة لبقية الشيعة.. وصلت الموجة إلى لبنان ثم إيران، وهي مرشحة للوصول إلى اليمن.

الشيعة .. إلى أين ؟

  1. الشقة بين الجمهور والنخبة: عمقاً وسعة كبيرة جداً، كالبعد بين المزبلة والمقبرة من جهة والقصر والحوزة من جهة أَخرى. هل رأيتم قصراً قريباً من مزبلة أو ما بين مقبرة؟
  2. العقلية الفارسية – رغم ما تتمتع به من ذكاء كباقي البشر – لا تنتج فكراً بقدر ما تنتج خبثاً وحمقاً؛ لهذا تجدهم يواجهون الأزمة بمحاولة الالتفاف عليها عن طريق الترقيع واستعمال القوة الغاشمة، لا الذهاب إلى معالجة أسبابها.
  3. هذا يعني أن الشقة تتسع، والثورة يتلقى أتونها باستمرار مزيداً من الوقود. والواقع يشهد بتطور الثورة. وقد تؤدي إلى حرب داخلية بين الشيعة. لكن إلى متى؟
  4. لم يكن المجتمع الدولي بعيداً عما يجري، بل ساعد الحمق الحكومي على زيادة تفاعله مع الحدث، وقد يتطور التفاعل إلى تدخل يقلب المعادلة ضد إيران وحكومتها.
  5. في غياب التدخل الدولي الفاعل سيتخذ الحراك أحد مسارين: تمرد مسلح عام. قد ينجح في تبديل الوضع. لكن هذا الاحتمال ضعيف في وجود قوة منظمة بالغة القسوة، وثقافة عامة لا تزال خاضعة للمرجع الأكبر. مع أن القوة المنظمة كافية لسحق الجمهور غير المنظم. فالمسار المتوقع، بعيداً عن المجتمع الدولي، إلى جانب فشل الثورة. وخضوع الجمهور بانتظار فرصة لاحقة. أي إن الأمور سائرة إلى التدهور في كل الأحوال.
  6. شواهد الحدث تشير بقوة إلى أن المجتمع الدولي سيتدخل لصالح الجمهور. وإذا صدق هذا التوقع فإن عهداً جديداً سيشهده العراق والمنطقة، يتلخص في تضاؤل قوة إيران وتوابعها، ووجود فسحة للأقطار الخاضعة لهم لأن يجدوا حلاً ما لأوضاعهم.

السنة .. إلى أين ؟

إذا استثنينا الطرف السني الكردي باعتباره الرابح الوحيد بسبب عقلانية قادته وواقعيتهم وذهابهم إلى خيار الإقليم/ الفدرالية.. فإن معظم الجمهور السني العربي يتطلع إلى وضع سياسي مؤطر بإقليم. والتجربة الكردية معلم لا يمكن التغاضي عن دلالته على صحة خيار الإقلمة ضمن دولة واحدة مرشحة لأن تكون أكثر قوة واستقراراً وتماسكاً. فإذا رتبت زعاماته وضعهم وسعوا في هذا الاتجاه فالخير قادم بإذن الله تعالى. وهذا في حاجة إلى تدخل دولي لإخراج هذا الخيار إلى فضاء الواقع.

لكن ثمت عقلية قديمة ما زالت تتعثر في أحافير وطنية بالية ترى أن الإقليم يعني التقسيم أو خطوة موصلة إليه، وأن هناك أملاً بالتعايش مع الشيعة من خلال عقد وطني في دولة واحدة خارج إطار الإقليم. إن تغلبت هذه العقلية ففي كل الأحوال – سواء انتصر الشيعة أم فشلوا – سيدخل السنة في نفق جديد لن يخرجوا منه دون كوارث مضافة.

ليعلم السنة في داخل العراق وخارجه أن الهبّة الجماهيرية يمكن أن تغير حكومة، تبدل وضعاً سياسياً، تحدث تطوراً بنسبة ما في الثقافة. لكن يستحيل أن تغير ديناً وثقافة مشبعين بالعقد والإسقاطات التاريخية والهرطقات الميثولوجية المعتقة منذ ألف ومئتي سنة قبل الإسلام، وألف وأربعمئة سنة بعده. إن التشيع عقدة قبل أن يكون عقيدة، تقف أمام معالجتها عوائق مستحيلة الاجتياز على شكل شبكة رباعية النسج: (العقدة والعقيدة والمرجع تقليداً وإيران ولاء).

أما هذه الصحوة النصفية، فهي:

1. مجرد هبة، سرعان ما تزول، إن نجحت، قبل الوصول إلى غايتها.

2. تقتصر على نسبة من الجيل الجديد، أثارهم الجوع، فإذا شبعوا عاد معظمهم إلى سابق عهده. ومن انعتق منهم من دينه بقيت ثقافته؛ لأن الثقافة المجتمعية لا يقوى العلم على معالجتها إلا بعد مرور مدة طويلة. فكيف بثقافة قائمة على شبكة من العُقد والعقائد غائصة في اللاوعي الجمعي للجمهور! (تأمل تجربة موسى عليه السلام مع بني إسرائيل).

ما المطلوب ؟

تمثل الصحوة هذه فرصة ثمينة للاستثمار، ولكن بمشروع (وليس دعوة مجردة) ينقل الجيل الجديد من تشيعه الفارسي إلى تشيع آخر أقرب إلى الإسلام. انتقالاً من تشيع إلى تشيع، لا من تشيع إلى تسنن. وتفصيل هذا له موضع آخر.

4. وحتى يتم ذلك أو لا يتم. وحتى يصحو أهل السنة فيدركوا المقصود، ويستثمروا الموجود، أو لا يصحوا.. علينا أن نحمي أنفسنا بإقليم. والإقليم هو أفضل خيار لحماية المكونات المختلفة وتوحيد الوطن المهدد بالحروب والتطاحن بين تلك المكونات.

28 تشرين الثاني 2019

 

اظهر المزيد

‫6 تعليقات

  1. كانت الحرة السنية ولا زالت في سجونهم لم ينفع صراخها بل كانوا يتعاملون مها على انها لاشيء وها هي عقدهم تقع عليهم فيتسلط بعضهم على بعض ويتشاركون سوم العذاب بساديةتضح وتفرح بالضحية وهي تتألم .
    ان خلصنا من ايران والمرجع بقي المجتمع الشيعي بعوائد الانحلال والفصليات والمتعة وووو…. الى غيرها من صور الانحلال والسرقة والنهب والسلب الى الحقد والتلذذ بتعذيب المخالف الى الشك والتوجس ستبقى هذه الامراض في اول خطوة أمان والحل هو الحجر الصحي بالتقسيم او الفدرالية والا انتقلت هذه العوائد الى مجتمعنا السني .
    قرأت هذا المقال وجال في ذهني كتاب لابد من لعن الظلام والتشيع عقدة ام عقيدةبتحليل عقد وعوائد المجتمع الشيعي .
    لا بدعلى السنة ان يتأملوا الان كيف يتذابحوا نبعضهم البعض وان هذههي فرصة السني فان عملوا اقليما نجوا وانجوا اولادهم وان تجاهلوا فان للتشيع عليهم جولات وليس لقدر الله اذا سلط من رحمة فان القدر حكيم وليس من شرطه ان يكون رحيما

  2. هذا هو التنظير العقلاني الذي لا ينساق مع الأحداث، والذي لا يفهمه الكثير من السنة الوطنيين وأتباع العواطف، بل يعتبرونه خطاب طائفي ليس وقته!
    في الحقيقة إنهم يهربون من الواقع ويقفزون فوق المشكلة المتجذرة كما فعل أجدادهم وآباءهم من قبل، وسيبقى الهروب للأمام حتى يكتب الله تعالى للمشروع السُنّي الظهور حينها يعلمون عمق هذا الكلام وسبقه لزمانه وعدم مقدرة عقولهم القاصرة على فهمه.

  3. هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) هذه الآية تنطبق على واقع الشيعة اليوم ما كنا نظن انهم سيكفرون بعمائمهم أو بإيرانهم ومن كان يظن من هذا الجيل الجديد خيرا.. لكن إرادة الله فوق كل شيء…. احسنت يا دكتور طه حفظك الله

  4. ثورة الشيعة إن نجحت لا تنفع أهل السنة بشيء هي لهم فقط وماذا تغير بالنسبة لأهل السنة هم بيوض الايران وإيران وضعت إقفال لهم بالتشيع وباسم الحسين
    أما أهل السنة عليهم أن يدركو انفسهم ويطالبو بإقليم يحفظهم ويمثلهم كا مكون سني أمام العالم العربي

  5. بسم الله الرحمن الرحيم.

    من استقرا آتي الإجتماعية ؛ أن الشباب المسلم
    إذا فقد ثقته بالعلماء سواءً سنة او شيعة بسبب
    إنفاصلهم عن الواقع الحياتيللأمة ، غالباً ما يؤدي ذلك لاتجاههمللإلحاد.
    هنا يأتي دور دعاة الإسلام( السني)الحكماء لتصحيح مفاهيم الشباب العقدية.

  6. كل حدث أو فرصة يكون ستغلالها من اصحاب القضية بالحركة التي تناسب موقعة ومكانة وقدرتة وشخصيتة للتغير مجتمع شبابي يؤمن بمشروع رباني يقوم على الهوية السنية مرتبط بإقليم يحفظ له دينه وهيبتها أما الجيل الذي يعبد الوطنة وأخذه اله من دون الله ينتظرون من غيرهم الأمن والاستقرار الأنهم فهموا من الدين العبادة فقط دون القضية
    مشروع ينقذهم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى