سياسةمقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

في الذكرى الثالثة والثلاثين لمعركة تحرير الفاو مدينة الفداء وبوابة النصر العظيم

د.طه حامد الدليمي 

في يوم 17 نيسان قبل ثلاثة وثلاثين عاماً حرر العراقيون مدينة الفاو. وفي هذا اليوم قبل ثلاث وثلاثين سنة عاش الفرس يوماً آخر من أيام هزائمهم على أيدي العرب وأبناء الرافدين. وانتصف العرب من العجم مرة أخرى. ونحن نستذكر هذا اليوم المشرق البارز في تأريخنا الحديث تبرز أمامنا جملة حقائق، أود أن أجعلها مادة الحفل الذي أريد إقامته بهذه الذكرى.

الحقيقة الأولى : أهمية المعركة وصعوبتها البالغة

تأتي أهمية هذه المعركة وصعوبتها البالغة من بين كل المعارك التي خضناها ضد الفرس عبر ثماني سنين من موقع مدينة الفاو الاستراتيجي، وجغرافيتها المعقدة. وأثر ذلك الموقع، وهذه الجغرافية على سير المعركة ونتائجها.

لقد مثلت مدينة الفاو مثلثاً يقع بين شط العرب من الشرق، ورأس الخليج العربي من الجنوب. يحيط بهذا المثلث من الغرب مساحة كبيرة، طولها يتراوح بين (25-30) كيلو متر من المستنقعات الملحية تسمى (المملحة)، يصعب جداً على وسائط النقل، وعلى الدبابات أن تخترقها أو تتحرك فيها إلا بوسائل غير طبيعية ومكلفة جداً. الوسيلة الوحيدة لقطعها المشي على الأرجل! وكثيراً ما تنغرس أقدام الجنود في تلك المستنقعات فلا يمكنهم مواصلة السير إلا بجهد جهيد! كذلك من الصعب جداً أن تحفر فيها مواضع مناسبة. شكلت هذه الطبيعة الجعرافية درعاً طبيعياً واقياً لهذا المثلث، يستعصي على المهاجم العراقي النفاذ منه وتحقيق نصر حاسم على القوة المتموضعة وراءه.

احتلت القوات الإيرانية – بإيعاز وتخطيط بريطاني؛ لما لبريطانيا من خبرة قديمة في العراق – شط العرب، وعبرته إلى الجانب الآخر، متخذة من ذلك المثلث معسكراً متقدماً داخل العراق. ويتصل من الجانب الآخر بالقوات الإيرانية المتجحفلة داخل الأراضي الإيرانية بواسطة جسر رابط  بين الفاو والجانب الإيراني.

لقد خنق العراق، ولم يبق له من منفذ مائي على العالم! سوى ميناء (أم قصر) الذي يمكن لإيران أن تحتله في أي لحظة مناسبة. واحتلاله يعني احتلال الكويت. ومن الممكن بعدها أن تقوم إيران باختراق الخليج العربي والبحر العربي إلى أبعد نقطة في جنوبه. تحرير الفاو إذن مسألة وجود أو عدم.. أمر لا بد منه!

الحقيقة الثانية : الحرب خدعة

جسدت معركة تحرير الفاو هذه الحقيقة (الحرب خدعة) أعظم تجسيد! وتبين أن العقل العراقي كان مستوعباً تماماً لهذه القاعدة العسكرية الكبرى، وقادراً على تنفيذها وأدائها على أكمل وجه. علماً أن الفرس هم أساتذة الخداع بين بني البشر! حتى قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوصي الجيوش المتوجهة لقتالهم: “احذروا الفرس؛ فإنهم غدرة مكرة”.

كانت إيران في تلك الأيام تكثف من حشودها في شمال العراق، وتهاجم حلبجة ومناطق أخرى في الشمال في محاولات متكررة للتوغل باتجاه كركوك والسيطرة على آبار النفط والمنشآت النفطية فيه. فلم يكن الإيرانيون يتصورون أن معركة بهذا الحجم ستحدث في القاطع الجنوبي فالعراق الذي كان مشغولاً بالقتال الشرس في القاطع الشمالي لا يمكن أن يفكر في هذا الظرف بالهجوم جنوباً لتحرير الفاو. اعتمدت القيادة العراقية على هذه المفارقة. وعززت من تكريسها في اللذهنية الإيرانية بأن كلفت الفرقة العاشرة بالمناورة المكشوفة في قاطع حلبجة؛ كي يتصور العدو أن العراقيين يقومون بتعزيز قطعاتهم في هذا القاطع. كما قام وزير الدفاع عدنان خير الله بزيارة تفقدية للقطعات العسكرية التي تقاتل في الشمال، أذيعت تفاصيلها مصورة في تلفزيون بغداد.

أما القوات التي كانت أعدت لتحرير الفاو، فقد سيقت إلى المنطقة بصيغة الدفع التدريجي على شكل مجموعات صغيرة؛ لكي لا تثير انتباه العدو، ثم تتخذ لها مواضع في المواقع المحددة. وتقرر أن يكون الأول من رمضان بداية الهجوم، وكانت كلمة السر “رمضان مبارك”. وهي كلمة اعتيادية يتبادلها الناس في الاول من رمضان. وبلع الإيرانيون الطعم، لتبدأ المعركة على هذه الصورة المفاجئة، التي صعقت العدو، وجعلته يولي مذعوراً، ولم يصمد سوى ساعات معدودات، رغم أن الجغرافيا كانت إلى جانبه بحيث أن إزاحته من مواضعه المحصنة بهذه السرعة تعد ضرباً من الأحلام والتخيلات!

الحقيقة الثالثة : معركة الفاو معركة العرب

نعم كان تحرير الفاو بسواعد أبناء العراق. ولكن العرب كانوا يسندون ظهورهم من خلال الدعم بالمال والسلاح والكلمة والموقف، وأنواع الدعم الأخرى. خصوصاً دول الخليج العربي، وكذلك الأردن الشقيق. وقد عبر الملك فهد بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية في زيارته للعراق بعيد انتهاء الحرب، والحفاوة الكبيرة التي استقبله بها الرئيس صدام حسين رئيس جمهورية العراق، والهدايا المتبادلة بينهما – ومنها سيف أهداه الرئيس صدام للملك فهد، وبندقية كلاشنكوف مذهبة أهداها الملك إليه – عن هذه الحقيقة بوضوح.

لقد كان الشعب العربي – لا سيما دول الجوار – يشعرون بعمق أن العراق يمثل الحزام الأمني لأقطار العرب تجاه الخطر الشرقي؛ فلا بد من دعمه وإسناده، لدفع هذا الخطر الكبير. وقد وضحت الصورة اليوم بعد احتلال العراق، وتبين للجميع أهمية دور العراق والعراقيين في تحقيق الأمن الشرقي للأمة العربية. وأنهم حقيقة وفعلاً (حراس البوابة الشرقية).

 الحقيقة الرابعة : معركة الفاو بوابة النصر العظيم

كانت معركة تحرير الفاو أول حلقة في سلسلة الانتصارات المتلاحقة للعراق في الأشهر القليلة التي سبقت نهاية الحرب، التي تكللت بالنصر العظيم على إيران يوم (8/8/1988). تقابلها الهزائم المتتابعة لجيوش البغي الفارسي، التي صارت تتراجع داخل الحدود الإيرانية عشرات الكيلومترات.

فقد تم أولاً – بعد هذه المعركة الفاصلة، ومن خلال معارك شرسة استمرت ثلاثة أسابيع – تحرير كافة المناطق المحيطة بالبصرة. وبذلك تحقق هدف كبير هو إبعاد البصرة عن مرمى قصف المدفعية الإيرانية، الذي استمر طيلة سني الحرب. وبعد أن فرغت القوات العراقية من إنجاز هذا الهدف كان أمامها الهدف الثالث، الذي لا يقل أهمية عن الهدفين الأولين، ألا وهو تحرير جزر مجنون، التي تعتبر من أغنى المناطق التي تحتوي على احتياطات نفطية هائلة، وقد تمكنت القوات العراقية بعد معارك عنيفة من تحريرها من أيدي الإيرانيين، وإلحاق الهزيمة بالجيش الإيراني. أين هي اليوم جزر مجنون؟ وبأيدي من؟!

ثم انتقلت القوات العراقية – بعد تحرير جزر مجنون – إلى ملاحقة القوات الإيرانية، التي كانت قد احتلت فيما مضى مناطق على طول الحدود الممتدة بين البصرة في الجنوب ومندلي في القاطع الأوسط، واستمرت في توجيه الضربات الماحقة للقوات الإيرانية التي أخذت معنوياتها تتراجع يوماً بعد يوم، حتى تمكنت من طردها من تلك المناطق، ودفعها إلى داخل الحدود الإيرانية.

لم تكتفِ القوات العراقية بإزاحة القوات الإيرانية من الأراضي العراقية، وإنما طورت هجماتها، وأخذت تلاحق القوات الإيرانية إلى داخل حدودها، واستمر تقدم القوات العراقية في العمق الإيراني إلى مسافة (60) كم؛ ما جعل القوات الإيرانية في موقف صعب للغاية. وتنفس العراق الصعداء، واستمر في ضغطه على القوات الإيرانية لإجبارها على القبول بوقف الحرب التي عجزت كل الوساطات عن إقناع حكام إيران بوقفها.

أخذ العراقيون – بعد أن تسنى لهم دفع القوات الإيرانية إلى عمق أراضيهم – يضغطون على حكام إيران من أجل القبول بوقف الحرب، وذلك عن طريق تكثيف حرب الصواريخ لإحداث حالة من الانهيار النفسي لدى الإيرانيين. وفي ظل تلك الظروف صدر قرار مجلس الأمن رقم (579)، داعياً إلى وقف القتال بين الطرفين، وانسحاب القوات العسكرية إلى داخل حدودها الوطنية. ولما وجد حكام إيران أنهم قد أصبحوا عاجزين عن مواصلة الحرب، اضطر الخميني إلى إصدار أوامره بوقفها في (18 تموز 1988)، والقبول بقرار مجلس الأمن على مضض، وأعلن أنه يشعر، وهو يصدر أمره بوقف الحرب، بأنه يتجرع كأس السم! ليستمر جند العراق بمطاردة فلول قواته المهزومة في القواطع المختلفة، ليعلن العراق النصر النهائي في (8/8/1988).

هكذا تحررت الفاو..! وغنى العراقيون يومها: (حظك يالعاثر دهرابة .. واشجابك لابن ام عصابة). وهكذا انتهت الحرب بين العراق وإيران. وكانت بداية النهاية لها هي معركة تحرير الفاو، التي دفع العراق ثمناً لها أكثر من (50000) خمسين ألف جندي! ولذلك أطلق عليها الرئيس صدام حسين رحمه الله اسم (مدينة الفداء وبوابة النصر العظيم).

 

18 نيسان (4) 2021

 

اظهر المزيد

‫14 تعليقات

  1. يقول الرئيس العراقي صدام حسين رحمه الله
    لقد استمرت ايران باثارة المشاكل للعراق خلال العهدين الملكي والجمهوري وكانت تصعد من موقفها رغم ان العراق سعى بالطرق الدبلوماسية الى اخماد وإقامة العلاقات الطبيعية مع ايران طبقا للالتزامات القانونية السارية على البلدين..
    لقد طرق العراق مختلف السبل مع ايران لتسوية النزاع وفق أحكام القانون الدولي.. غير أن مساعي العراق كانت تواجه بالرفض تارة وبالمماطلة تارة آخرى..

  2. نعم معركة الفاو معركة العرب وكل معركة خاضها العراق ضد العجم هي معركة العرب ..فهو حارس وحامي البوابة الشرقية.. وقد ادرك الفرس والغرب انهم لن يستطيعوا التغلغل في بلاد العرب الا ان دقوا اسفين في هذه الرابطة العظيمة..
    ولم يفهم العرب مقولة(اكلت يوم اكل الثور الابيض) الا بعد احتلال العراق !

  3. اولا اقدم شكري لي اهلنا العرب الاغيار الذين هم في جميع الاحيان يقفون موقف اخوي واقول رحم الله الملك فهد بن عبد العزيز وحفظ الله الخليج السني العربي من كيد الفرس المجوس الاحقاد …… و رحم الله القائد والرئيس صدام حسين المجيد الذي قدم هذا النصر العظيم لجميع الاجيال السنية وانا اكتب ومفتخرة بما قدمه لنا ….ومحتقرة للخميني الدجال الذي لا تعرف امه من اي اب ولدته ومهرب مخدرات ياله من مرجع فارسي مجوسي ايراني قذر كالتشيع الذي صنعه .

    سنية اموية

    1. شكرا دكتو على هذه المقاله الجميله التي رجعت في ذاكرتنا إلى ذلك التاريخ ونشوه الانتصار
      ومن الملفت فيها كيف أن الفرس لايقبلون التفاوض والانصياع إلى إذا كانت الغلبه لك والقوه بيدك

  4. هذا نموذج من تكوين مر فيه العرب ونفحه من الزمن ليكسر الله جله في علاه شوكت الأستكبار والطغيان الفارسي الذي يمثله الدجال شيطون على يد بطل وأسد من أسود الرافدين العربي، بمعونة إخوانه من الخليج….
    الله أكبر الله أكبر الله أكبر وليخسأ الشيعون الشيطون؟
    تسلم شيخي الجليل على هذه السطور الجميله، 😈التي تغيض الفرس المجوس.

  5. املنا كبير بدور المملكة في حراسة الارض والعقيدة بعد تغييب العراق العربي عن الساحة.. وان يعيد التاريخ نفسه لنكرر هزيمة ايران في عموم العراق وغيره من الدول المحتلة و ليس في مدينة الفداء وبوابة النصر العظيم فحسب..
    رحم الله شهداء قادسية صدام المجيدة الذين جعلونا نقرأ هذه الكلمات ونحن مرفوعي الراس والهامة .. فلربما لم يخطر ببالهم ان يكونوا في يوم من الايام علامة مضيئة ومضربا في الشجاعة والقيادة العسكرية في التاريخ الحديث وناتي من بعدهم ونستلهم منهم بطولاتهم وتضحياتهم كما نستلهم من بطولات وتضحيات قادسية سعد رضي الله عنه

  6. رغم صعوبة المعركة بسبب نوعية الارض المالحة والعدد الكبير المتواجد فيها من قطعان الفرس الا ان الحرب انتهت بانتصار العرب ، واليوم معركتنا يجب ان تكون كذلك باذن الله لا يأس ولا تراجع بل انتصارات ،مهما بلغت قوة العدو الفارسي،ان راية التيار السني سوف ترفرف على ربوع العراق وستسحق باقدامها رجس العجم ان شاء الله،

  7. عندما تتحد الإرادة بين العرب على قضية واحدة غاية الأهمية على مستوى التغيير الجغرافي يتحقق النصرعلى الأعداء وهذه أهم الشروط التي اختصرت المعركة في زمن محدد وكان النصر حليفنا بقيادة صدام حسين رحمه الله .

  8. مقالة جميلة…عندما نميز عدونا الصح تثمر الجهود
    في مواجهته وردعه…في مواجهة إيران تتحد العرب
    ويصبحون يد واحده بوركت اقلام أنصار التيار السني
    في ما تكتبه عن ايران ومكرها وخطرها المحيط لبلادنا السنية العربيه..
    رحم آلله القائد السنُي العراقي صدام حسين
    وكيف لقن الفرس درس لم ينسوه على مدا التاريخ

  9. عامان كاملان مدة الاحتلأل الايراني لمدينة الفاو _وياتي التخطيط _قواتنا المسلحة بكامل صنوفها تهب لتحريرها فيكون اول تحرير لمدينة عربية في التاريخ الحديث ورغم الصعوبات وطبيعة الارض اضافة الى اغراق الارض بالمياة كما ذكر الدكتور ، الا ان قواتنا احرزت النصر و تكبد فيها العدو الخسائر الفادحة مماكان سببا لقبول الايرانيين بوقف الحرب وهم يتجرعون السم. رحم الله شهداءنا وبارك بمن بقي منهم فعلا معركة تستحق ان تذكر بالفخر والعزة

  10. كانت معركة الفاو هي المعركة الفاصلة وهي التي حسمت المعركة تقريباً.
    رغم تبجح وغطرسة الفرس وقوتهم في حينها الا ان العقلية العراقية عندما تجد حاضنة ومسانده ودعم من أهلنا العرب سيكون الحسم لنا
    وهذا الكلام ليس في معركة الفاو فحسب وإنما حتى في عصرنا الحاضر لو وقف العرب مع السنة ولم يتخلوا عنهم لما وصل الحال لما وصل إليه.

  11. وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ))
    علاقة التقوى والهدايه في القرآن علاقه تكاملية وتحتاج من الباحث عن الحق أن يبحث في هذه المفاهيم حتى يصل إلى مراد الله في هذا الجانب الشريف ويتخلص من شبهات الشياطين ، سدد الله خطاكم وزادكم علما

    1. شكراً لأختنا من السعودية (فاطمة القشيري) على تعليقها الطيب، وأقول:
      راجعت المقال فلم أجد فيه من خطأ.. وذلك
      – أن معركة الفاو كانت يوم 17 نيسان (4) 1988، وليس 8 اغسطس 1988.
      – كانت المعركة مقدمة لرضوخ اللعين الفارسي وتسليمه بوقف الحرب. وكان الإعلان الرسمي لنهايتها هو يوم 1988/8/8.
      – يوم 1988/8/8 هو يوم نهاية الحرب، وليس يوم معركة الفاو.
      – الشهر الثامن في التاريخ الميلادي هو نفسه شهر أوغست أو اغسطس.
      شكراً مرة ثانية على اهتمامك وتعليقك وتواصلك.
      والسلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى