مقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

خطوات في طريق تسنين السنة

رواية ( لماذا لا تسب أبا تراب )

د.طه حامد الدليمي 

 

1نجح الفرس في استدراج علماء المسلمين الى فخ ترك المحكم الى المتشابه والتاصيل بالسنة.

حين دخل الإسلام بلاد فارس كان ذلك بالنسبة للفرس صدمة جمعية لم يفيقوا منها – ولن يفيقوا – حتى اليوم. فشمروا عن كل قوى الشر التي اكتنزتها نفوسهم للقضاء على دولة العرب أو دولة الإسلام. ومن ذلك السعي لضرب الإسلام في مصادره الأساسية الثلاثة: القرآن الكريم، السنة النبوية، الصحابة. واتخذوا لذلك وسائل، منها طلب العلم فهو السبيل المفتوح للجميع لأن يلجوا منه، ولا حماية له كمجال السياسة والعسكرية والأمن. ولا يحتاج إلى أكثر من تظاهر بالجد والصلاح. وهكذا ظهرت حركة الوضع والتحريف في الحديث، وأسموه بـ(السنة) دون تمييز بين الثابت قطعاً، الذي نُقل بالتداول الجمعي عبر الأجيال. وهذا هو (السنة). وبين الصحيح ظناً، وهو ما صح اصطلاحاً طبقاً للشروط المعروفة في علم الحديث. وكان الموالي، وموالي الفرس في أولهم، على رأس المؤامرات العسكرية ضد الدولة، أو المحركين لها من وراء ستار، مثل حركة الانقلاب على الدولة ومقتل سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه.

من خلال المعايشة الطويلة للمصادر التاريخية والحديثية والبحثية والأدبية تتبدى لي صور الموالي في كثير من الروايات المشكلة. لكن الملاحظ – كما يبدو – أن العلماء الأقدمين لم ينتبهوا إلى الموالي من حيث إنهم موالي، إنما نظروا إليهم كغيرهم فلم يحتاجوا معهم إلى غير شروط العلمية للتوثيق، التي يتساوى أمامها الجميع. وكان المفروض أن يخصوا المولى بمزيد حذر يتميز به عن غيره ليفرزوا المندس عن الصادق منهم.

رواية ( ما منعك أن تسب أبا تراب ) في ( صحيح مسلم )

من دسائس الموالي ما روي في (صحيح مسلم)، في: (باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه)، بسنده عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسب أبا التراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم… الحديث.

سقوط الزيادة سنداً ومتناً

  1. أما المتن ففيه نسبة أمر تخالف أخلاق معاوية رضي الله عنه. فقد اشتهر بالحلم وعدم رد الإساءة بمثلها. ولا تعرفه سياسته؛ فقد توفي علي رضي الله عنه فلم يعد يشكل خطراً عليه. وسب الميت يثير الحي ويصنع طبقة من الجمهور تتعصب له وتعادي الحاكم. وما مثل معاوية يرتكب مثل هذا الحمق، ولا من هو دونه. وقد كان الحسن والحسين ومحـمد أبناء علي على علاقة حسنة بمعاوية، وكثيراً ما يزورونه ويكرمهم ولا يرجعون منه إلا محملين بالهدايا والمال. فإنْ صحت الرواية فيلزم منها أن الثلاثة كانوا يسمعون سب أبيهم بآذانهم في مساجد الشام ولا يزعجهم ذلك إلى الاعتراض والمقاطعة. وهذا لا يكون. عدا أقارب علي وأولهم ابن عباس، وقد كان على علاقة حسنة بمعاوية.

المولى بكير بن مسمار

  1. وأما سند الزيادة ففيه ضعيف خالف الثقاة؛ فالرواية منكرة. فقد رواها بكير بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه، فجاء بهذه الزيادة المنكرة (أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسب أبا التراب؟).

ونكارة الزيادة مرجعه إلى تفرد ضعيف بها هو المولى بُكير مخالفاً جماعة من الثقات رووا الحديث دون هذه الزيادة.

أ. لقد روى الإمام مسلم الحديث نفسه بسنده عن سعيد بن المسيب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه دون هذه الزيادة المسمومة.

ب. ورواها عن الحكم عن ابن آخر لسعد هو مصعب عن أبيه ولم يذكر الزيادة.

ت. ورواها عن شعبة عن حفيد لسعد عن أبيه الابن الثالث لسعد وهو إبراهيم بن سعد عن أبيه ، وليس للزيادة ذكر فيما روى.

وبكير بن مسمار من الموالي، كان أخوه المهاجر بن مسمار مولى لسعد بن أبي وقاص. ومن هذه الثغرة تم التسلل.

قال العقيلي (الضعفاء الكبير، 1/150):  بكير بن مسمار أخو مهاجر بن مسمار. حدثني آدم بن موسى قال: سمعت البخاري يقول: بكير بن مسمار أخو مهاجر مولى سعد بن أبي وقاص المدني روى عنه أبو بكر الحنفي. قال البخاري: في حديثه بعض النظر.

قال الدكتور محـمد طاهر البرزنجي عن بكير بن مسمار: هو ليس من رجال مسلم، وإنما ذكره مسلم استشهاداً لا احتجاجاً… ولم يستشهد مسلم ببكير بن مسمار إلا في موضعين من (الصحيح)؛ فهو ليس على شرط مسلم. ولم يعتمد عليه مسلم في مواضع الاحتجاج، وإنما ذكره في محل الاستشهاد؛ لفائدة استدعته؛ مثل بيان الزيادة المقبولة عن ثقة، أو بيان الزيادة المرفوضة عن راوٍ ضعفه الحفاظ؛ فهو ليس من رجال مسلم، إنما يروي له استشهاداً ولا يعتمد عليه. ومن عادة الإمام مسلم أنه يأتي بجميع روايات الحديث ومن طرق مختلفة حتى يتبين للنقاد الزيادة الصحيحة المقبولة والزيادة المردودة التي لا تصح لعلة او اكثر.

لذلك أخرج مسلم نفسه الحديث من طرق أخرى متعددة أصح إسناداً بكثير من هذا الاسناد ومن طريق رواة ثقات يحتج بهم مسلم كل الاحتجاج دون ذكر هذه الزيادة؛ فقد أخرجه في الرواية 6167 من طريق أربعة آخرين من شيوخه الثقات هم يحيى بن يحيى التميمي ومحـمد بن الصباح أبوجعفر وعبيد الله القواريري وسريج بن يونس، كلهم من طريق يوسف بن الماجشون عن محـمد بن المنكدر عن سعيد بن المسيب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي).

أي إن بكير بن مسمار وسعيد بن المسيب كلاهما رويا الحديث عن عامر بن سعد عن أبيه سعد، وليس في رواية سعيد بن المسيب هذه الزيادة. ومما لا شك فيه أن سعيد بن المسيب أحفظ وأثبت عشرات المرات من بكير بن مسمار. والجمع من الرواة الثقات هم أولى بالحفظ من الثقة الفرد، فما بالك لو كان هذا الفرد (بكير بن مسمار) ضعيفاً، بينما من خالفه أحفظ وأكثر عدداً.

وبإخضاع النص للتحليل تكون النتيجة أن بكيراً تدَخَّل في النص فأضاف إليه من كيسه تلك الزيادة. التي بنيت عليها إشاعة طويلة عريضة مُفادها أن معاوية والأمويين من بعده كانوا يسبون علياً على المنابر حتى جاء عمر بن عبد العزيز فأبطل تلك السنة السيئة. وهذا يلزم منه أن السيدين الجليلين الحسن والحسن كانا يترددان على معاوية عشرين سنة ويصليان الجمعة في مساجد دمشق ليسمعا سب أبيهما وهما ساكتان لا يفعلان شيئاً! وقد ناقشت أسطورة السب في بحث مستقل([1]).

يبدو أن الإمام مسلم روى تلك الرواية لبيان نكارة تلك الزيادة. وهذا أمر قلما يتنبه له إلا المتخصصون في الحديث أو الطلبة النبهون من الباحثين. وهو أن بعض الأحاديث يوردها الإمام مسلم أو البخاري لا لاعتمادها وإنما لفائدة تستدعيها، مثل بيان شذوذ زيادة فيها، أو لبيان لقيا الراوي من روى عنه، أو يوردها في المتابعات والشواهد لا في الأصل. لكن المشكلة فيمن لا يمكنه التمييز بين النوعين، أو لا يعلم بالفرق من الأساس، وقد أخذ مقولة (كل ما في الصحيحين صحيح) – المضاهئة للكتاب، المكابِرة للواقع – مأخذ التسليم فيصحح كل ما فيهما بما فيهما من أحاديث معلولة.

هل علمتم الآن كيف غزيت ثقافتنا؟ ودور الحديث الضعيف في ضعضعة هذه الثقافة وتوهينها لصالح الشيعة؟ وأن بعض هذا الحديث في (الصحيحين)؟ ومدى عمق ودلالة القول: ” القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي ليس فيه تشيع”؟ وأنه لم يصدر عن فراغ؟! بل إنه نابع من معاناة حقيقية يستشعرها كل من عانى التشيع وخبر طرائقه واندل مساربه الخفية التي يتدسس منها إلى حصون السنة.

ألا وإننا لهم بالمرصاد. لقد ذهب زمان المنهج الجامد والفاسد، وآن أوان المنهج الرائد القائد. ويا رب اهد قومنا واغفر لهم فإنهم لا يعلمون!

8/3/2023

_______________________

[1]- من يلعن من ؟ وقفة مع أحدوثة اللعن على عهد الأمويين. على الرابط التالي:

http://www.alqadisiyya3.com/index.php?option=com_content&view=article&id=3252:2016-11-15-09-30-38&catid=94&Itemid=872

اظهر المزيد

‫13 تعليقات

  1. جزاك الله كل خير دكتورنا الحبيب وأخذ بيدك وأعانك على تحطيم أصنامٍ أينعت وحان تحطيمها.

  2. بارك الله فيك دكتور.. نعم ذهب زمان المنهج الجامد والفاسد، وآن أوان المنهج الرائد القائد.

  3. القرآن السد المانع والحد القاطع والحكم الواقع لكل الشبهات والإشكالات التي تسربت إلى تاريخنا الصحيح عن طريق فيروسات وخلايا موالي الفرس الذين دخلوا الجزيرة العربية برداء الإسلام… حان الوقت للتنقيب عن هذه الخلايا وأخرجها من دائرة الإسلام بجهود المخلصين.

  4. اصبت دكتور بارك الله بك
    الغزو الشعوبي الذي نال من تاريخ عظماء الإسلام ودلس وشوه وزور ، يحتاج اعادة تمحيص جدية..

  5. السني المتشرب رواسب الدس الفارسي يطعن بالصحابة وبالأئمة من حيث لايعلم ؛
    خلال نشري لمقال حول سيدنا معاوية رضي الله عنه
    علق شخص سني على المقال ، لاحظوا اين وصل بنا الحال ????

    و هل كلام احمد بن حنبل فى ما يسرده من “مناقب و فضائل معاوية” بحسبته هو ، تلزم المسلمين للتدين لله بها ؟؟؟؟؟
    مع العلم ان الامام احمد ليس صحابيا فضلا على ان يكون نبيا…!!

  6. هذا تعليق سني ؛ معترض على سردنا لفضائل معاوية رضي الله عنه:

    و هل كلام احمد بن حنبل فى ما يسرده من “مناقب و فضائل معاوية” بحسبته هو ، تلزم المسلمين للتدين لله بها ؟؟؟؟؟
    مع العلم ان الامام احمد ليس صحابيا فضلا على ان يكون نبيا…!!

  7. للأسف بنية ثقافتنا على أكاذيب الموالي
    ودسهم أحاديث مخالفة وخارجة عن المألوف
    وواقع العرب وأخلاقهم الحميدة
    ومثل سيدنا معاوية الأمين الصحابي الجليل
    كيف له أن يفعل
    أو يسيء لسيدنا علي وهو صحابي جليل
    الموالي حملوا أفعالهم السيئة والقبيحة إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسادة العرب
    جزاك الله خيرا شيخنا المجدد لهذا التنقيب والبحث
    المستمر في كتبنا وتاريخنا .

  8. ما تفضلت به يا دكتورنا العزيز هوه نقطه ببحر من ما دسهُ الفرس في ديننا ، و اما عن اعماق هذا البحر فهو طعنهم بـ اشخاص لهم بصمات وليست بصمه واحده في الاسلام ونراهم الان يسبوا في افواه السفهاء بدم بارد لكن! لابد للطاولة ان تنقلب ولا بد لآن يعود التاريخ الينا ونصحح ما حاولوا عكس اتجاه ادامك وحفظك الله شيخنا ، والله ولي التوفيق .

  9. الله اكبر الله اكبر …
    هكذا يهيأ الله رجال للأمة توقظها من جمودها وسباتها
    جزاك الله خيرا يادكتور طه وامد في عمرك وعلمك

  10. بسم الله الرحمن الرحيم
    جزى الله الدكتور الدليمي خير الجزاء
    اذن لا بد من الانتباه للموروث الروائي ففيه ثغرات ومداخل للتشيع وكذلك بطلان قول كل ما في الصحيحين صحيح

    1. احسنت النشر يا شيخ الإسلام طه الدليمي مجدد العقول أطال الله في عمرك ياوالدي مستمرين بمشروعك الله معنا فإننا نقوم بحماية ثقافه آهل السنه من الوثات الفارسية ام مشايخ الكهنوت وتقديس العلماء فكرهم الجامد نحن لسنا مقلدين مثل الشيعه نقلد علماء نحن نقلد الدليل ومناقشه الحديث والواقع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى