مقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

لعبة تداول السلطة في العراق (الديمقراطي حد النخاع)

د.طه حامد الدليمي

كانوا صادقين حد الحرف حين أطلقوا على السياسة وصف اللعبة فقالوا: اللعبة السياسية. وعمموا الوصف على مفرداتها الفرعية فقالوا مثلاً: لعبة الديمقراطية. ووصفوا أداء السياسي باللعب فقالوا: لقد لعب الوفد دوراً مهما في إدارة المفاوضات! هل كانوا يدركون معنى ما يقولون حد الحرف أيضاً؟ أم الأمر كما قيل في الأمثال الشائعة: “كلمة الحق تسبق”؟

الحقيقة الواقعة أن الوطن – بعد الاحتلال المزدوج سنة 2003 – صار هو الملعب، والشعب كرة اللعب! أما اللاعبون فقد تضاعف عددهم ثلاث مرات مقارنة بفريق كرة القدم. ولا عجب؛ فقد بلغ عدد الجيوش الغازية أكثر من ثلاثين جيشاً لأكثر من ثلاثين دولة!!! هذا إن لم ندخل إيران في جدول الحسبة. وإلا تضاعف العدد إلى ستة أضعاف!

صدقني أنا أعني ما أقول.. أنا لا ألعب، ولست من اللاعبين أو المتلاعبين؛ فشر إيران وما فعلته في العراق يعادل ما فعلته به الدول الثلاثون! فإذا أضفت إلى ما جرى لعراقنا الأحواز والشام واليمن، تضاعفت الأضعاف.

تريدني أزيدك؟ انظر شرقاً إلى أذربيجان وسرح بصرك غرباً إلى المحيط، ثم انعطف إلى السودان التي تستعر اليوم بنار المجوس. هل تريد المزيد؟ سأكتفي بهذا، وإلا ربما ظن البعض أنني ألعب. مع أنني أعني ما أقول. وأنني ما زلت أحتفظ بالمزيد. لكن ما يجري لا يخلو من إرهاصة لبشارة قادمة؛ فحمق إيران وتخلفها وهمجيتها عبر التاريخ أضعاف حمق غيرها. انظر! إنها تتوسع أفقياً وتسقط على رأسها عمودياً. أو على مقعدتها، لا يهم؛ النتيجة واحدة.

اللعبة الديمقراطية في العراق

إن ما يحدث في العراق اليوم ليس له شبيه في أي دولة من دول العالم.

نحتاج أن نسحب الزمن إلى الوراء لنمسك خيط البحث من أوله. إن العملية السياسية الديقراطية التعددية ولدت في اوروبا مع زوال السلطة الدينية للكنيسة الكاثوليكية أي ولدت مع العلمانية مثل توأمين.

كل الاحزاب الداخلة في العملية السياسية في العالم – إلا ما ندر – هي أحزاب علمانية ووطنية. فتكون النتيجة أن هذه الاحزاب تتفاضل فيما بينها في البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية.

كل هذه الاحزاب تنتمي الى القومية والدين والمذهب نفسه. فالعملية السياسية علمانية لكن.. ضمن المكون القومي الديني الطائفي نفسه؛ لذلك فالأغلبية الفائزة في الانتخابات ستؤدي إلى صعود فئة من المكون نفسه. وإن حصل اختلاف في المذهب فهي أحزاب لا تعترف بهذا الاختلاف، وليس ثمت محاصصة سياسية مذهبية؛ لأنها من الأساس نبذت المرجعية الكنيسية. والانتماء لهذه الأحزاب غير قائم على المذهبية فأفرادها من مذاهب شتى، وليس للمذهب أثر لا في ترشحهم ولا انتخابهم ولا في أدائهم السياسي. الشيء نفسه يقال بالنسبة للاختلاف في القومية.

إنها أحزاب علمانية وطنية حقيقية؛ لذا لا ظلم يلحق أفرادها أو الحاضنة التي قدمته بسبب مذهبه أو قوميته؛ لأن استحقاق الانتخابات الوطنية العلمانية يكون استحقاقا وطنيا علمانياً لا يؤدي الى إقصاء او استئصال او تهميش طائفة لحساب اخرى؛ فالوطن للكل والاستحقاق الانتخابي سيكون بين وطني فائز ووطني خاسر، وليس – في الحقيقة – بين كاثوليكي فائز وبروتستانتي خاسر. والاختلاف بين وطني فائز ووطني خاسر سيكون على البرامج السياسية والاقتصادية والتنموية والاجتماعية وما شابهها.

لهذا التجانس، وعلى هذا الأساس، لم تكن هنالك فرصة لحصول اضطهاد قومي أو طائفي.

أما إذا اختلفت المرجعية الدينية أو الطائفية حصل الاضطهاد غالباً، لا سيما إذا كان الطرف المتغلب طائفياً حاقداً. عند ذاك لن تكون العلمانية شفيعاً أو مانعاً منه.

بين حزب الدعوة الشيعي والحزب الصربي الأرثودكسي

النموذج المناقض لما سبق، والمماثل لنموذجنا العراقي هو النموذج اليوغسلافي. انظروا إلى الصرب والكروات والبوسنيين رغم علمانيتهم إلا انهم – بعد سقوط دولة يوغسلافيا: الدولة المركزية الموحدة – دخلوا في صراع دموي! ولم يعد بامكانهم ان يعيشوا معاً داخل نطاق دولة واحدة بأكثرية صربية طائفية حاقدة.

إن هذه الاكثرية الصربية تدخل الانتخابات بحزب صربي ارثودوكسي طائفي متعصب اقصائي استئصالي.. وفي كل مرة يفوز في الانتخابات؛ لأنه حزب الاغلبية الصربية، ويذيق الكروات الكاثوليك والبوسنيين المسلمين ألوان العذاب. فحصل ما حصل هناك بسبب هذه الخدعة القائمة على الديمقراطية المزيفة. ولم يجد المضطهدون المختلفون في مذاهبهم أو أديانهم تحت مطارق لعبة الديمقراطية سوى الاستقلال بناء على الطائفة والدين الذي يضطهدون بسببه.

هذا ما يفعله حزب الدعوة  – وكل حزب شيعي يصعد للسلطة باسم الديمقراطية – مع السنة في العراق. فهل توجد ديقراطية محترمة كهذه في العالم؟

الواقع السياسي الطائفي في العراق اليوم

ما الذي يجري في العراق اليوم……!

تستخدم آلية الانتخابات (الوطنية العلمانية) غطاء لإيصال أحزاب طائفية إلى كرسي الحكم. الاستحقاق الانتخابي (الوطني شكلاً) تحول الى استحقاق طائفي وعرقي، أدى الى تحكم طائفة بأخرى تحت غطاء الاستحقاق الانتخابي الوطني العلماني المستخدم عالمياً. وهذا لا وجود له في اي  دولة في العالم.. ماعدا العراق… فتأمل..!

لقد أصبح شعب بأكمله رهينة الخيار الانتخابي (الديمقراطي) لشعب يعاديه في العقيدة والدين. وتحولت الديقراطية ضمن المكون الشيعي الى ديكتاتورية طائفة ضد طائفة ضمن البلد الواحد.

  •  الشيعي يحكمه من انتخبه
  •  والكردي يحكمه من انتخبه
  •  اما السني فيحكمه من لم ينتخبه لا من انتخبه!

الائتلافات في العراق ليست أكثر من صفقة سياسية – مبيتة أو تحصيل حاصل – بين عدة فرقاء من اجل الاستيلاء على حقوق السنة في الارض والحكم.

فلتحكم الشيعة – التي تدّعي الأغلبية زوراً – ضمن مناطقها، كما صارت الاغلبية الصربية تحكم ضمن مناطقها، والكرواتية والبوسنية كل ضمن مناطقه. وكذلك ينبغي أن يفعل السنة، والكرد يفعلون. والدستور ضامن لذلك؛ فالفدرالية شرعت فيه أساساً للتعايش وحامياً للمواطنة التي يعرف من خلالها كل مواطن ما له من حقوق وعليه من واجبات. وإلا فتربة الوطن ليست أغلى من الكرامة ورغيف الخبز ووحدة الإنسان الذي تمزق فلا يدري كيف يلم شتاته ويعيش حياته كإنسان.

28/5/2023

اظهر المزيد

‫15 تعليقات

  1. سيبقى أهل السنة في تيه وامورهم بايدي الشيعة مالم يبدأوا بتكوين أنفسهم ويحصنوا أرضهم بجدار الإقليم ،ويديروا أمورهم بأيديهم .

  2. الديمقراطيه لا تصلح لبلادنا العربية وخصوصاً منها التي تحتوي على مكون شيعي.. الدين يعبر كل شئ والشيعي دينه يعبر ماابعد من الديمقراطية إلشيعي يتخطى الفطرة الانسانية ويدوس عليها ليطبق عقده ونفسيته المريضة.

  3. جزاكم الله خيرا دكتور على هذا المقال والتوضيح المهم
    كنت وما زلت لم تدع ثغرة لأهل السنة الا ووضعت عليها حل حتى لا يستغلها الشيعة والتشيع !
    دينياً وسياسياً وعسكريا واجتماعياً
    لابد لنا أن يكون إقليم حتى وإن حكم صدام حسين (رحمه الله) مرة ثانية
    لإعادة ترتيب وبناء الجيل السني من جديد وحسب الواقع ومجرياته وتحدياته
    تحياتنا لكم شيخي الغالي ????

  4. يبقى الحل الامثل لانقاذ اهل السنة من سطوة الحكم الشيعي
    ان يتبنوا مشروع الفيدرالية (الذي اقرّه الدستور) والا سيستمر هذا التذويب الممنهج لاهل السنة على جميع الاصعدة عقائدياً وفكرياً وديمغرافياً.

  5. وهنا يفضِّلون الجلوس بين سندان أمريكا ومطرقة شيعة إيران إلى أن يخرج المهدي ويملأ الأرض عدلاً تحت سقف الوطن الواحد، وبشرط أن لا يتقسم.

  6. قد عرفت نخب البوسنة وهرسك وكرواتيا أن مصلحتها بالإستقلال وأنها الطريق الوحيد للنجاة، ولم تقل أنها تقسيم للبلد الواحد، وأن صربيا الكبرى ستتشضى ووو

    في حين أن كثيراً من نخب أهل السنة يعتبرون الفيدرالية تقسيماً وهي مجرد فيدرالية (تقاسم سلطة)! لا كونفيدرالية ولا إعلان استقلال.

    وهنا يفضِّلون الجلوس بين سندان أمريكا ومطرقة شيعة إيران إلى أن يخرج المهدي ويملأ الأرض عدلاً تحت سقف الوطن الواحد، وبشرط أن لا يتقسم.

  7. نسال الله ان يخزي الفرس ومن والاهم وان ينصر اهل السنة واهل العقيدة الحق اللهم بشرنا بنصرك وان تجعلنا ممن ينصرك فتنصره

  8. لايصلح أي نظام داخل دائرة الحكم الشيعي التعايش السلمي مرفوض والعدالة الاجتماعية مرفوضة في معتقدهم أذا لايوجد حل بكل مقايس الحياة مع هؤلاء إلا الإقليم أو التقسيم الفدرالية تعيد لنا هويتنا ووطننا وعراقنا نحن أهل السنة على مبدأ أعمل محلياً وفكر عالمياً

  9. طرح واضح لمصطلح (( الديمقراطية والعلمانية )) وخطر هاذان المصطلحان علينا بالاخص نحن السنة و السياسية المتبعة ضد مذهبنا بإسم الديمقراطية او العلمانية و تليها الوطنية الساذچة والاختيار الاحمق لبعض او لكثير من الذين ينتسبون للمذهب السني و الحاحهم في ان هذا هو الاصح لكنهم في طاحونة سياسة المذهب الشيعي الحاقد الذي يجري في دمة شعور البغض و الكراهية لمذهبنا السُني فأي عقل و اي كيان و اي شعور يجعلنا ان نعيش و نتعايش مع هؤلاء الحاقدين و ارض الله واسعة ونحن يجب او بكل ما اوتينا من كيان ان تكون لنا ارضنا لصيانة ديننا و عرضنا و مالنا و يكفي ما واجهنا في واقعنا والسلام عليكم .

  10. جزاكَ الله خيراً تفصيل في قمة الروعه

    ايران تعلب او تتلاعب الان على الصعيد العراق واليمن …الخ من الدول التي تسيطر عليها دليلاً على ذالك لاتجري أي أنتخابات تشريعيه الا وتتدخلت فيها ايران من أجل أن تفرض سيطرتها على العراق واستمرار الحكم من جانبها على الرغم من وجود ثلاث مكونات في الحكم العراقي (الشيعي.الكردي.السني) فالمكون الاول يخدم الحكم الايراني مما يساعدها على الاستمرار في الحكم .والمكون الثاني يعمل على أستقلاليته منذ القرن الماضي وبلأضافه الى ذلك يعمل على انقاذ نفسه من هذا الخطر المحدق به . أما المكون الثالث متواجد أسماً على أرض الواقع لكن ليس متواجد عملاً
    نحن انصار التيار السني نسعى الى تحقيق ما لم يحققه المكون الثالث وثابت وجده على أرض الواقع أسماً وعملاً بقيادة الشيخ والمجدد د.طه حامد الدليمي .

  11. مالم نسعى إلى إثبات
    أنفسنا بهوية سُنية وقضية سُنية
    وجغرافيا واقعية سُنية تلم شتاتنا
    نبقى ضحية مصطلح الديمقراطية والعلمانية والوطنية
    جميع هذه المصطلحات ضد أهل السُنة وتكوينهم في العراق.

  12. هنا ندفع ثمن الزهد بالهوية السنية
    ولأن الصراع سني شيعي
    يجب أن يكون التحدي سني شيعي.
    وعندما زهدنا بالهوية الصحيحة في الزمن والمكان الصحيح ابتلعنا الشيعة بأسم العراق الواحد!
    ونحن متجهون للأسوء إذا لم يتدارك السنة نفسهم بخيار الإقليم للحفاظ على ماتبقى لنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى