حديث (ويح عمار تقتله الفئة الباغية) متواتر!

أ.صالح السهيل

هذا الحديث اكثر حجة يرددها المخالفون في حق كل من يدعو الى انصاف معاوية رضي الله عنه.

ويتجاوز بعض الناس الى الزعم بأن هذا حديث متواتر، مقطوع بصدوره عن النبي صلى الله عليه وسلم!

وقد نفى العلماء المحققون ان يكون ثمة حديث قولي متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم من الاصل.

وسأثبت ان هذا الحديث لا يصح اصلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وكثير من اهل السنة اغتر بهذا الحديث، وظن انه يفيد القول بتصويب علي رضي الله عنه في حروبه ضد معاوية، فإذا قيل لهم: الحديث يقول (يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار) فمعنى هذا يتجاوز القول بالتصويب الى الحكم بالنار على معاوية ومن معه! ذهبوا يتلمسون التأويلات البعيدة.

والحقيقة التي تخفى على أكثر ألناس : ان هذا الحديث مختلف في صحته اصلا.

فقد روى الخلال بثلاثة اسانيد عن الإمام احمد، احدها اسناد صحيح، قال: (روي في (تقتل عماراً الفئة الباغية) ثمانية وعشرون حديثا، ليس فيها حديث صحيح) .

اقول: جاءت عنه رواية اخرى انه صحح الحديث، ورواية ثالثة انه توقف.

اذن، اختلف قول احمد في الحديث، واقوى الأقوال ثبوتاً عنه القول الاول.

ولننظر في أشهر اسانيد الحديث، ليتبين لك اختلاق الحديث ومخالفته للواقع والتاريخ واضطراب الفاظه.

سنجد ان البخاري روى أصل الحديث في بعض نسخ الصحيح وابن حبان من طريق عكرمة عن ابن عباس عن ابي سعيد الخدري، وذكر ان ذلك كان عند بناء المسجد النبوي في السنة الأولى للهجرة.

فعَنْ ‌عِكْرِمَةَ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ وَلِعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ: «ائْتِيَا أَبَا سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ فَأَتَيْنَاهُ وَهُوَ وَأَخُوهُ فِي حَائِطٍ لَهُمَا يَسْقِيَانِهِ فَلَمَّا رَآنَا جَاءَ فَاحْتَبَى وَجَلَسَ فَقَالَ: كُنَّا نَنْقُلُ لَبِنَ الْمَسْجِدِ لَبِنَةً لَبِنَةً وَكَانَ عَمَّارٌ يَنْقُلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسَحَ عَنْ رَأْسِهِ الْغُبَارَ وَقَالَ: وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ).

وعكرمة فيه مقال مشهور، وقد تنكب عنه مسلم، فلم يحتج به، و كذبه سعيد بن المسيب، وعطاء، والقاسم بن محمد، وسعيد بن جبير ويحيى بن سعيد القطان، وكان مالك سيء الرأي فيه، وقال احمد في رواية: مضطرب الحديث، ووثقه آخرون، والمجرحون معهم زيادة علم، وجرحهم مفسر، فيقدم على التوثيق.

وهنيئاً لمن يجعل من كذبه ذلك العدد من القدماء حجة بينه وبين الله!

ومن المفيد ان تعلم ان زيادة (يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار) لم تأت مسندة الا من طريقه، وهو المناسب لمذهب عكرمة، فقد كان من الخوارج، فكانت تصدر منه أحاديث تغمز من قناة معاوية تارة، ومن قناة علي تارة أخرى، كما وضع حديث إحراق علي لمن غلا فيه.

اما مسلم والنسائي فروياه من طريق خيرة، ام الحسن البصري، عن ام سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار “تقتلك الفئة الباغية.

وخيرة هذه يا قوم مجهولة، لم يوثقها سوى ابن حبان!

ورواه مسلم واحمد من طريق ابي نضرة عن ابي سعيد أخبرني من هو خير مني؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار، حين جعل يحفر الخندق، وجعل يمسح رأسه ويقول “بؤس ابن سمية. تقتلك فئة باغية” فجعل وقت الحديث عند حفر الخندق في السنة الخامسة للهجرة!

وابو نضرة المنذر بن مالك مختلف فيه، لم يحتج به البخاري، وقال ابن سعد: ثقة وما كل احد يحتج به، وقال ابن حبان: يخطئ، وضعفه العقيلي، ووثقه ابن معين وابو زرعة والنسائي.

ومما يرجح كفة الجرح ان عبد الله بن عون غمزه فلم يرو عنه رغم لقائه به، ولا شك ان طعن المعاصر مقدم على توثيق اللاحقين الذين لم يدركوا ابا نضرة، لأن طعن المعاصر صادر عن دراية مباشرة في المطعون فيه.

والطريف ان النسائي روى انه لما جاء خبر مقتل عمار، قال عبد الله بن عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (تقتل الفئة الباغية عمارا) فقال عمرو لمعاوية: اتسمع ما يقول هذا؟ فحذفه، قال: نحن قتلناه؟ انما قتله من جاء به، لا تزال داحضاً في بولك.

والقصة تالفة من الاساس، فيها الاعمش، وهو مدلس وقد عنعن، وفيه علة أدهى وأمر تفضح كذبه ، وهي ان عبد الله بن عمرو من الذين تأخروا في اسلامهم، فأبوه لم يسلم الا السنة الثامنة للهجرة، وهو اسلم قبله بيسير، لذلك لم يشهد المشاهد، فمن اين سمع هذا الحديث وهو قد صدر عند بناء المسجد النبوي في السنة الاولى للهجرة؟

ثم لو صح هذا الحديث لاصطدم مع حديث الحسن (ان ابني هذا سيد وان الله سيصلح به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين) ذلك لأنه اما ان يكون الصلح هو الصواب، او الاقتتال هو الصواب، ولا يصح الجمع بينهما.