مقالاتمقالات أخرى

قصة الإسراء (بعيداً عن الشطح والخيال)

أ. صالح السهيل

ثبت في كتاب الله ذكر الإسراء إلى الاقصى، لكن جاءت الأحاديث بزيادة ما يسمى (المعراج)، الذي تضمن عجائب كثيرة، منها ان الصلوات كانت خمسين صلاة، فنزلت الى خمس بفضل نصيحة موسى عليه السلام بالمراجعة فيها، وان في كل سماء من السماوات السبع نبياً من الانبياء، وان النيل والفرات من انهار الجنة، الى غير ذلك، فأُلحق المعراج بالإسراء، وصار لا يُذكر أحدهما الا ذُكر الآخر، فهل أجمعت الأمة على صحة تلك الأحاديث؟

في الحقيقة أنكر جمهور المعتزلة حديث المعراج جملة، ووافقهم في ذلك الامام الماتريدي، لأنه رأى ان مطلب إثبات المعراج مطلب عقائدي، لا يكتفى فيه بالظنيات.

وقد ساعدهم من المحدثين ابن القطان الفاسي، فذكر ان حديث انس الذي هو العمدة في إثبات المعراج، مضطرب ومرسل صحابي.

وقد ذكر عبد الجبار ان حديث المعراج فيه ما يجوز ان يصح عقلا، وفيه ما لا يجوز ان يصح، كقصة مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم الله حين فرض عليه خمسين صلاة وكذلك ذكر ابو الحسين البصري ان حديث المعراج اكثره موضوع، وذكر نحوه الحاكم الجشمي.

وفي العصر الحديث، اختار الشيخ عبد العزيز جاويش ان أحاديث المعراج موضوعة، وان ما جاء فيها من مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم ربه من الاباطيل والألاعيب والأكاذيب والأقاويل المنتحلة التي يجب ان ينزه الله ورسوله عنها، وليس من المستغرب ان يرد عليه ذلك رشيد رضا بسبب العداء المستحكم بينهما.

ولما وصلت النوبة الى الشيخ الشعراوي، المعروف بعدم تحريه وتثبته في قبول الحديث، استروح إلى قول من كفر منكر المعراج، فانتصب للرد عليه شيخه عبد الجليل عيسى في مقال بعنوان (بعيداً عن الشطح والخيال) اشار فيه الى اضطراب حديث المعراج، ودعا الى الاقتصار على الثابت في كتاب الله.

وقد اختار المؤرخ احمد شلبي قول الشيخ عبد الجليل، ودعا اليه الوعاظ والدعاة، فما كان من الشيخ حمود التويجري الا ان صنف كتاباً يكفره فيه ويخرجه من الملة!

والحقيقة ان قصة المعراج ليس لها اصل موثوق، بل أقحمت في قصة الإسراء اقحاما، واصلها يهودي يرجع الى قصة اخنوخ الواردة في احد الأسفار الكتابية غير المعترف بها، فكان ذلك من أعظم الشبهات التي استخدمها أعداء الإسلام .

ومن فضل الله تعالى أن كتب السنة حفظت لنا القصة الحقيقية للإسراء.

 روى ابن أبي شيبة والطيالسي والحميدي وأحمد والترمذي وابن حبان وصححاه من طرق عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال:

أتيت على حذيفة بن اليمان وهو يحدث عن ليلة أسري بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: حتى أتيا على بيت المقدس، قال: قلت: بل دخله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلتئذ وصلى فيه. قال: ما اسمك يا أصلع؟ فإني أعرف وجهك ولا أدري ما اسمك. قال: قلت: أنا زر ابن حبيش. قال: فما علمك بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى فيه ليلتئذ. قال: قلت: القرآن يخبرني بذلك. قال: من تكلم بالقرآن فلج، اقرأ. قال: فقرأت: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} [فاتحة الإسراء] قال: يا أصلع، هل تجد: صلى فيه؟ قلت: لا. قال: والله ما صلى فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلتئذ، لو صلى فيه لكتب عليكم صلاة فيه كما كتب عليكم صلاة في البيت العتيق، والله ما زايلا البراق حتى فتحت لهما أبواب السماء، فرأيا الجنة والنار، ووعد الآخرة أجمع، ثم عادا عودهما على بدئهما. قال: ثم ضحك حتى رأيت نواجذه. قال: ويحدثون أنه ربطه لا يفر منه! وإنما سخره له عالم الغيب والشهادة. قلت: أبا عبد الله، أي دابة البراق؟ قال: دابة أبيض طويل، هكذا خطوه مد البصر.

اقول: لاحظ حرص حذيفة رضي الله عنه على تصفية الحادثة من كثير من الأقاصيص التي أضيفت إليها في وقت مبكر، كالصلاة في الأقصى، وربط البراق في الجدار! فكيف لو سمع حذيفة بما أضيف الى القصة بعد ذلك؟

وعاصم بن أبي النجود وثقه مطلقا أبو زرعة على تشدده، وأحمد وابن معين في أكثر الروايات عنهما، وهو حسن الحديث عند غيرهما، وطعن من طعن فيه من المتشيعين، كابن خراش وابن سعد والنسائي، لكونه سنياً عثمانيا.

وهذه الرواية تتميز بأنها الموافقة لكتاب الله، فقد قال الله تعالى:(سبحان الذي أسرى بعبده) ثم قال (ليريه)، فقد دخل التحريف على قصة الإسراء بسبب عدم تدبرها.

فأولا: لدينا سبب، وهو الإسراء، ومسبب، وهو إراءة الآيات، فالإسراء هو سبب إراءة الآيات، وليس غيره، ففك الارتباط بين الإسراء وإراءة الآيات، وجعل إراءة الآيات مرتبطة بما يسمى المعراج كان اول تحريف دخل قصة الإسراء.

وثانيا: علة الإسراء هي إراءة الآيات، وهي منطوية في مفهوم تسلية النبي صلى الله عليه وسلم والتسرية عنه، فمن جعل الإسراء محلاً لفرض الصلوات الخمس فقد ناقض هذه العلة، ومن حكى الإجماع على أن فرض الصلوات الخمس كان في المعراج فقد أبعد النجعة، لأن المعراج غير متفق عليه اصلا، ولأن الحسن البصري ذهب الى ان فرض الصلوات في كان في المدينة.

أما رواية أنس، التي هي العمدة في إثبات المعراج، ففيها حكايات يجل الله عنها وتخالف الواقع، كفرضه خمسين صلاة، ومراجعة محمد صلى الله عليه وسلم حتى نزلت إلى خمس صلوات! وإثبات الفضل لموسى عليه السلام في ذلك! وأن النيل والفرات ينبعان من الجنة! وبظاهره قال النووي!

وهذه الروايات مستنكرة إسناداً، لأن فيها اضطراباً كما ذكر ابن القطان، فمرة يرويها أنس عن أبي ذر، وتارة عن مالك بن صعصعة! وهو رجل ادعى الصحبة ولا نعلم عنه شيئاً ثابتا.

وعندي: انها رواية دلسها ابن شهاب وقتادة عن بعض اليهود المتأسلمين، وانس بريء منها، وكفى.

اظهر المزيد

‫4 تعليقات

  1. ممتاز أخيرا وجدنا من يتحدث في هذا الأمر بعلمية ودون تشدد في الطرح المنحاز لفئة دون أخرى …

  2. بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله
    أَمَّا ثبوت المعراج؛ فيدل عليه قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ [النجم: 13 – 18]، والمقصود بالرؤية في الآية الكريمة: رؤية سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لجبريل في المعراج
    وقال الشيخ ابن باز رحمه الله “والمعراج ثبت بالسنة المتواترة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه عرج به إلى السماء، وجاوز السبع الطباق، وجاوز السماء السابعة حتى صار إلى موضع يسمع فيه صريف الأقلام، وسمع من ربه -جل وعلا- فرضية الصلوات الخمس، فمن أنكر ذلك يعرف ويبين له الأدلة الشرعية، فإذا أصر، وأنكرها؛ كفر -نسأل الله العافية”
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الجواب الصحيح (6/165): وكذلك صعوده ليلة المعراج إلى ما فوق السماوات وهذا مما تواترت به الأحاديث…
    وقال ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية: …. فمنها قصة المعراج وهي متواترة. انتهى.

  3. الله سبحانه دائما يذكر في كتابه الأمور المهمة
    والغاية منها الفائدة لجميع عباده واخذ العبرة منها
    كل حديث او رواية تخالف القرآن لا صحة منها
    وهي وسيلة كل مبتدع لديننا الإسلامي
    بوركت أستاذ صالح السهيل وجزيت خيرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى