مقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

مجَالِسُ فِكرٍ .. وَ … ذِكر

د.طه حامد الدليمي

أمثلة للقياس:

  • (العلاقة بين سورة الكوثر والكافرون والنصر)
  • سيد الاستغفار
  • مع فرائد ابن القيم في ( فوائده )
  • وابن عطاء في ( حِكَمه )

قال تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران:191).

أقصد بالمجالس مجالس العمل واجتماعاتها التي يعقدها أصحاب القضية، للتداول في شأن قضيتهم ومسيرتها.

لا نريد لاجتماعات أصحاب القضية ولقاءاتهم أن تلبي حاجتين اثنتين فقط هما: الفكر والعمل، دون ما يلبي حاجة الذكر والإيمان وتزكية النفس. إن منهجنا وإن كان من أرض الواقع ينطلق، وبذور الوحي وإن كانت في ترابها تنبت، لكن ديننا من السماء قد نزل، وبمائها يسقى، وبنورها يتوهج. فكيف نزاوج بين هذا وذاك في تشكيلة متوازنة بين استحقاق الأرض والسماء، ومطالب الروح والجسد؟

والسؤال عن الجانب العملي فقط.

من خلال التجربة الذاتية وجدت خير ما يمكن به تحقيق هذه الغاية هو افتتاح اللقاء بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، يليها الاستشهاد بآية من الآيات التي تليت تواً، أو غيرها من الآيات. أو الاستشهاد بحديث نبوي، أو قصة من قصص الصالحين، أو حكمة من الحكم، أو نصيحة من النصائح، وما شابه ذلك، ليكون محوراً إيمانياً تلتقي عليه القلوب، وتجتمع الأرواح، ويدور الفكر، وينبعث العمل، وتنشرح الصدور وترتاح النفوس وتنشط للحركة باتجاه رب العالمين. وحبذا لو اختتم المجلس بدعاء جامع لخير المجتمعين وغيرهم من العاملين والمجاهدين والمسلمين أجمعين. على أن لا تزيد المدة الخصصة عن عشر دقائق.

أمثلة للقياس

اقرأ – مثلاً – سورة (الكوثر) وكيف وعدت، والرسول e في مكة، بانبتار أعدائه وشانئيه. ثم تحقق الوعد بعد الهجرة وفتح مكة فنزلت سورة (النصر) توثق ذلك. ولك أن تقف فتسأل: لمَ توسطت سورة (الكافرون) بين السورتين، ولم تَعقب إحداهما الأُخرى دون فصل؟ وأجيبك: لأن مسيرة النصر لا تصل إلى غايتها ما لم تمر بمرحلة المفاصلة والتميز بين فريق الحق وفريق الباطل. وهذا هو السبب الرئيس في خذلان السنة أمام الشيعة.

كم عظيمة هذه المعاني!

وكم تشيع في النفس من لمسات الإيمان، وتنثر بذور الثقة، وتزرع غراس الاطمئنان!  

ويمكنك أن تقرأ دعاء (سيد الاستغفار) الذي يرويه الإمام البخاري عَنْ شدَّادِ بنِ أَوْسٍ t عَنِ النَّبِيِّ e قَالَ: (سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ العَبْدُ: “اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِي لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ. أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِ مَا صَنَعْتُ. أَبْوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ بَذَنْبِي. فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ”. مَنْ قَالَهَا في النَّهَارِ مُوقِنَاً بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَومِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِي فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ).

وقف عند غناه في (أبوءُ لك بنعمتك عليّ)، وإلى فقرك في (وأبوء بذنبي)! لترى كم تنفتح لك من نوافذ للإيمان، وتنتصب أمامك من سلالم للعروج!

وإن جعلت تحت يدك كتاباً للمواعظ الغالية والحكم العالية فخير، ويعينك كثيراً في مهمتك، مثل (فوائد) ابن قيم الجوزية، و(حكم) ابن عطاء السكندري رحمهما الله. ولا يخلو كتاب، سوى كتاب الله Y من هنات وملاحظات. وثقتنا بعقيدة أصحابنا ووعيهم الكاشف بين الأصيل والدخيل عالية.

مع فرائد ابن القيم في ( فوائده )

تأمل هذه الحكم لابن القيم ماذا لو جعلت إحداها أو بعضها محوراً للمادية الإيمانية لأي مجلس رباني:

  • من لم ينتفع بعينه لم ينتفع بأذنه.
  • للعبد ستر بينه وبين الله, وستر بينه وبين الناس, فمن هتك الستر الذي بينه وبين الله، هتك الله الستر الذي بينه وبين الناس.
  • للعبد رب هو ملاقيه وبيت هو ساكنه, فينبغي له أن يسترضي ربّه قبل لقائه ويعمّر بيته قبل انتقاله اليه.
  • المخلوق اذا خفته استوحشت منه وهربت منه, والرب تعالى اذا خفته أنست به وقربت اليه. [مصداقه قوله تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (الذاريات:50). مع أن الفرار يكون من الشيء لا إليه].
  • لما طلب آدم الخلود في الجنة من جانب الشجرة عوقب بالخروج منها. ولما طلب يوسف الخروج من السجن من جهة صاحب الرؤيا لبث فيه بضع سنين.
  • أول منازل القوم: (اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) وأوسطها (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ). وآخرها (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ) (الأحزاب:40-43).
  • تالله ما نفعه عند معصيته عز: (اسجدوا)، ولا شرف: (وعلّم آدم..) ولا خصيصة: (لما خلقت بيدي)، ولا فخر: (نفخت فيه من روحي). وإنما انتفع بذل: (ربنا ظلمنا أنفسنا).
  • لما صاد الكلب لربه أبيح صيده, ولما أمسك على نفسه حرم ما صاده.
  • من أراد من العمال أن يعرف قدره عند السلطان فلينظر ماذا يوليه من العمل، وبأي شيء يشغله؟
  • قال رجل لمعروف الكرخي: علمني المحبة. قال: المحبة لا تجيء بالتعليم.
  • لو عرفت قدر نفسك عندنا ما أهنتها بالمعاصي.
  • الجنة ترضى منك بأداء الفرائض، والنار تندفع عنك بترك المعاصي. والمحبة لا تقنع منك إلا ببذل الروح.
  • عرائس الموجودات قد تزينت للناظرين ليبلوهم أيهم يؤثرهن على عرائس الآخرة، فمن عرف قدر التفاوت آثر ما ينبغي إيثاره.

وحسانُ الكونِ لمّا أن بـــــــــــدتْ        أقبلتْ نحوي وقالتْ لي : إليّْ
فتعــــامــيــتُ ، كــــأنْ لــم أرَهـــــا        عندما أبصرتُ مقصودي لديّْ

  • أغبى الناس من ضل في سفره وقد قارب المنزل.

وابن عطاء في ( حِكَمه )

وتأمل هذه الحكم النفيسة لابن عطاء السكندري:

  • من علامة الاعتماد على العمل، نقصان الرجاء عند وجود الزلل.
  • لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجباً ليأسك؛ فهو ضمن لك الإجابة فيما يختاره لك، لا فيما تختار لنفسك. وفي الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد.
  • ادفن وجودك في أرض الخمول، فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه.
  • لا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه؛ لأن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره. فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة، إلى ذكر مع وجود يقظة. ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور. ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع وجود غيبة عما سوى المذكور (وما ذلك على الله بعزيز).
  • من لم يقبل على الله بملاطفات الإحسان، قُيد إليه بسلاسل الإمتحان.
  • ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك.
  • متى فتح باب الفهم في المنع، عاد المنع عين العطاء.
  • متى أعطاك أشهدك بره، ومتى منعك أشهدك قهره. فهو في كل ذلك متعرف إليك، ومقبل بوجود لطفه عليك.
  • إنما يؤلمك المنع؛ لعدم فهمك عن الله فيه.
  • ربما فتح لك باب الطاعة، وما فتح لك باب القبول. وربما قضى عليك بالذنب فكان سبباً في الوصول.
  • الفكرة فكرتان: فكرة تصديق وإيمان، وفكرة شهود وعيان. فالأُولى لأرباب الاعتبار، والثانية لأرباب الشهود والاستبصار.

تصور حين نبدأ اجتماعاتنا فنضيئها بمثل هذا، أو بقصة من قصص الصالحين، على أي حال من الإيمان نكون؟!

اظهر المزيد

‫10 تعليقات

  1. الدين مبني على التكامل بين الإيمان والقضية والعبادة والنصرة
    الإيمان:(یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ ءَامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَـٰبِ ٱلَّذِی نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَـٰبِ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن یَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰۤىِٕكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَـٰلَۢا بَعِیدًا﴾
    القضية﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾
    فهم القرآن فكر وبداع وثقافة على أرض الواقع لمواجهة أهل الباطل
    جز الله خيرا الدكتور على هذه المفاهيم المهمه

  2. صدقت شيخنا ..
    الحمد لله على نعمة هذه المجالس الايمانية التي تجدد الروح وتهذب النفس وتذهب عنها صدأ الانشغال

  3. جزاك الله خير دكتور… كتابدفقه الايمان والتنمية الايمانية كتاب رائع… جعله الله في ميزان حسناتك.

  4. بارك الله فيك شيخنا

    الدين بناء يبدأ من قاعدة الأساس الايمان ومعها تطبيق قوة العمل وهي النصرة

  5. سطور جميلة مليئة بمعاني إيمانية
    وحركة عملية يربطها طريق النصرة
    في مؤسستنا الربانية ومشروعها المتكامل.
    ‏((ومن تكن العلياء همة نفسه
    فكل الذي يلقاه فيها محببُ”))
    جزاك الله خير شيخنا الجليل وبارك سعيك

  6. غريب في عدم شعور المسلمين بقيمة مجلس يحضره الدكتور طه الدليمي والله لن يعود أهل السنة للريادة الا بعلم هذا الرجل

    1. صدقت اخي . سبحان الله العلماء الربانيين العارفين كنز من كنوز الجنه يستودعه الله سبحانه بيننا فمنا من يعرف قيمته ولكن لايستطيع الى مجالسه سبيلا فيسلي نفسه بمحاضراتهم وكتبهم وعلمهم والدعاء لهم بينه وبين الله سبحانه ومنا من يكون من اقرب المقربين لهم ولكن لايشعر بقيمتهم ويجهل قدرهم ولايعرف كم هو/هي محظوظ بوجوده بالقرب من عالم عامل قائد يرى الاحداث بفراسة المؤمن التي يهبها الله للمُجدين المُجددين أُولي الهمم الذين بمجرد وجودك بقربهم تُشحن وتُشحذ طاقتك الايمانيه وترتفع قِواك الفكريه وتشتد عزيمتك وتعلوا في طلب المعالي همتك هم نعمه من نِعَم الله في هذا الزمن الي يتلاهث فيه القوم وراء المناصب والاموال . ومنا من يبخسهم حقهم ويتقدم الصفوف في عدائهم بجهل وتعصب جاهليه حتى اذا فقدهم بدء يعظم ويبجل بعد فوات الاوان مع الاسف .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى