مقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

الموالي .. ودورهم في خدمة ( المؤسسة العميقة )

دراسة حديثية نفسية اجتماعية مختصرة 

د. طه حامد الدليمي

حين أقرأ في كتب (الجرح والتعديل) التي تقدم للباحث البيانات المطلوبة – كما يُفترض – في تقييم راوي الحديث في سلسلة الإسناد، أخرج في تصور خلاصته هذه البيانات صادرة عن ناس قصروا قواعد التوثيق على الملحظ الديني فقط، ولم يدخلوا علم النفس، مثلاً، في معادلة التقييم، الذي يتعلق بأغوار النفس البشرية. ولا علم الاجتماع وقوانينه التي تختص بالعلاقة المتبادلة بين الشخص والمجتمع والبيئة التي نشأ فيها، والقوم الذي ينتمي إليهم وغيره. ثمت علوم أُخرى كالتاريخ العام ببني البشر، والخاص بأمة معينة أجده غائباً عن معادلة التقييم!

لهذا لم يلتفتوا إلى الفرق بين المولى، والمولى الفارسي على الخصوص، والحر، والحر العربي على وجه الخصوص.. في النفسية والعوائد الاجتماعية والتاريخ القومي الخاص بكل شخص تعلق به التقييم. والتوثيق المبني على عناصر توثيق ناقصة من الطبيعي يكون توثيقاً ناقصاً!

لو أخذنا عنصر (البدعة) في تقييم الراوي، قالوا: إذا كان الراوي صادقاً فنعتمد روايته إلا ما منها في مصلحة بدعته. وهذا يعني أن المبتدع الصادق نتوقع منه الكذب؛ لميله الطبعي إلى نصرة بدعته وقناعته. والميل مع الطبع شيء متوقع من بني آدم. انظر كيف حصروا الميل الذي يلغي أثر الصدق عند صاحبه في أمر ديني بحت هو (البدعة) مع أن الميل شعور نفسي خاضع لمؤثرات عديدة منها البدعة، وليس محصوراً فيها. الإنسان ينحاز إلى أهله وأقربائه أكثر من غيرهم. وإلى عشيرته وقومه ومدينته، كذا إلى حزبه وفئته. ويؤثر الخوف والحب والطمع في المال والمنصب في ميوله. ولو بقيت أسطر أنواع المؤثرات النفسية لخرجت عن السياق؛ فأكتفي بهذا. والعاقل يعتبر بالحاضر عن الغائب.

من هنا جاءت الغفلة التامة من كل وجه عن الموالي وأثر المولوية في زحزحته عن الصدق الذي يبدو عليه في الظاهر، والله وحده أعلم بالسرائر والصرائر، واندرج الفرس في هذه الغفلة فكانت أثخن ستار تغطى به المائلون عن القصد منهم، فعملوا عملهم في تحوير الحديث وصناعته على أعلى ما يريدون ويشتهون! وفيما يلي عرض أكبر لهذا الموضوع.

حشر العلماء أنفسهم في أمور لم يكلفهم الله بها، فرضتها طريقتهم في تصنيف العلوم ولزوم وضع تعاريف لما يطرأ عليها من مفاهيم مثل تعريف (الصحابي). واختلفوا هنا كعادتهم في معظم الأمور الحادثة، وهو شيء طبيعي. لكن حين يتعلق الأمر بالدين يصبح التعريف عند الكثيرين منهم ملزماً وإلا كان المخالف له آثماً، مع أن المختلف فيه من وضع البشر لا من وضع الله جل وعلا . وإذ كان أشهر التعاريف أن الصحابي: “من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين”. وهو تعريف البخاري، كما في (صحيحه)؛ فقد دخل في مفهوم الصحبة الطفل الذي لم يفقه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصحبه ولم يقدم في حياته (حياة النبي) شيئاً للدين والمجتمع، مثل ابن الزبير وابن عباس وحسن وحسين. ومن هنا وجدت (المؤسسة) ضالتها لتندس بين المسلمين بمكائدها. والمطلع يعلم كيف استُثمرت (الصحبة) الممنوحة للأربعة الآنف ذكرهم كحصانة ربانية ضد الأمويين وعظماء رجال الأمة كالحجاج وأمثاله! وقد أدخلوا بعض الموالي في تلك الحصانة؛ فلا يجوز البحث في صدقهم وحالهم. خذ مثلاً المدعو (سفينة)!!!

هل كون الرجل مولى للنبي صلى الله عليه وسلم يمنحه التوثيق المطلق ؟

من حقنا أن نسأل: هل مجرد كون الرجل مولى للنبي صلى الله عليه وسلم يمنحه درجة الثقة في التقييم، حتى مع وجود إبهام في التعريف بشخصيته، وشبهات تحوم حول سيرته؟

روى البخاري في (الصحيح) بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة، فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (هو في النار)، فذهبوا ينظرون إليه، فوجدوا عباءة قد غلَّها! قال عنه ابن حجر: مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم . كان نوبيّا أهداه له هوذة بن علي الحنفي اليمامي فأعتقه. ذكر ذلك أبو سعيد النّيسابوريّ في (شرف المصطفى). وقال ابن منده: له صحبة، ولا تعرف له رواية. وقال الواقديّ: كان يمسك دابة النبي صلى الله عليه وسلم عند القتال يوم خيبر. وأخرج البخاريّ من حديث عبد الله بن عمرو أيضاً، قال: كان على ثقل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات، فذكر الحديث في الترهيب من الغلول([1]). وذكر ابن حجر مولى آخر للنبي e اسمه مدعم وأنه غير كركرة؛ فهذا أهداه إليه هَوذة بن علي، وذاك أهداه إليه رفاعة بن زيد الضبي، وقد غلّ شملة جاءه سهم عائر فقتله وهم بوادي القرى، بينما قتل كركرة في خيبر([2]).

ومن كان على معرفة بالنفس والاجتماع يدرك أن الدين لا يستقر عادةً في النفس دفعةً واحدة، إلا ما ندر. وإنما هو كالبناء سافاً سافاً، وله أساس. وهذان الرجلان لم يمنعهما إسلامهما وكونهما موليين للنبي صلى الله عليه وسلم من الغلول. ومن ذلك الطبائع والأخلاق والسلوكيات والعادات التي دخل الإسلام وهو يحملها، لا سيما إذا كانت طبائع شعوب؛ فهذه وآثارها لا تزول سريعاً، ولا تستبدل كالثوب تنزعه فترتدي غيره. إنما ذلك يستغرق زمناً. هذا مع شرط توفر النية الصالحة على تغيير الذات، مع صدق العزيمة.

شخصية المولى

اشترط أهل الحديث لقبول رواية المبتدع الصدوق أن لا يكون ما يرويه مما يتعلق ببدعته. وذلك حذراً من غلبة الميل الطبعي فيروي الصدوق ما يمليه عليه ميله….

أضغط على الرابط أدناه للإطلاع على كامل البحث:

https://sunni-iraqi.net/?p=10382

اظهر المزيد

‫9 تعليقات

  1. مقال جميل.. وبحث اجمل… سلمت يمينك دكتور وبارك الله بجهودك.. بحث دقيق في ما يسمى الموالى

  2. للأسف غلبنا الموالي بأنهم موالي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عند الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فدخلوا حصوننا الفكرية وكتبنا السُنية
    ووضعوا بذورهم الفارسية لكن جاء وقت الفريس
    وإخراج مخالفاتهم الشعوبية بحق ديينا ورموزنا الإسلامية

  3. بارك الله فيك شيخنا

    مقال في قمة الروعة.

    ويكشف لنا شخصية الموالى والفرق بين الموالى العربي والموالى الفارسي صاحب القعد

  4. تشخيص موضعي ونضره شموليه ليس فقط من جانب الملحوظ الديني بل الطبيعه البشريه التي خُلِقَ الإنسان بها أيضا وكذلك تعلمنا بأن التوثيق المبني على عناصر توثيق ناقصة من الطبيعي يكون توثيقاً ناقصاً وهذا مالم يدركه علماء الحديث أنفسهم . بوركت الجهود وجزيت خيرا .

  5. هذا الموضوع في غاية الأهمية خاصة وانها تناولت موضوعاً لم يتناوله أحد بل لم ينتبه له، ولم يعطٓ أي اهتمام.
    وعلى حد علمي فإن شيخنا الفاضل الدكتور طه الدليمي أول من نبه على ذلك، لأن الباحث والمدقق ينتبه لما لا ينتبه له غيره؛ ولأن الحساسية الفكرية عنده لا تشبه ما موجود عند الآخرين.

  6. الموالي ماهم إلا أداة لتنفيذ أجندة الدولة العميقة.
    جزاك الله خير الجزاء شيخنا بارك الله لنا بك وبعلمك .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى